العطش المقبل من إثيوبيا

لم يعد أحد يجهل طبيعة وحجم المصائب التى سيسببها سد النهضة الإثيوبى، الذى تم بناؤه على مجرى النيل الأزرق فى إثيوبيا، وتصر حكومتها على أن يمتلئ بالكامل خلال 3 سنوات تبدأ الآن.. وهو ما يهدد تدفق مياه النيل العظيم إلى مصر والسودان تهديداً خطيراً، حيث يمنع عنا نحو 40% من المياه العذبة سنوياً.. بما يؤدى إلى العطش المميت للبشر والمزروعات والحيوانات، فضلاً عن توقف صناعات وأنشطة بالجملة تعتمد على المياه فى الحياة اليومية.

لم تقدم المفاوضات والجولات المكوكية للدبلوماسيين والقادة فى دول حوض النيل حلاً -حتى الآن- فى التعامل مع الأخطار المقبلة التى تهدد الحياة فى إثيوبيا ومصر والسودان وأربع دول أفريقية، وتمثل «الشروع فى جريمة إبادة جماعية للبشرية» تقوم بها حكومة إثيوبيا ومن يعاونها من دول -بعضها حليف لمصر للأسف- تمول هذا السد الأخطر على حياة البشرية،

لقد فقدنا الأمل فى وقف بناء السد أو تقليل حجم سعته التخزينية أو تحويل أهدافه إلى مالا يضر الآخرين.. وأصبحت غاية أمل وزرائنا والدبلوماسيين المصريين والسودانيين اليوم أن يتم تعديل برنامج تخزين المياه خلف السد من ثلاث إلى سبع سنوات وهو ما ترفضه إثيوبيا علناً، وتناسى الجميع أن وجود السد ذاته يهدد إثيوبيا والسودان ومصر بالغرق نتيجة تسونامى مائى مدمر متوقع فى أى لحظة نتيجة انهيار السد، حيث عدم ثبات التربة فى هذه المنطقة المقام عليها، وتذهب بعض التوقعات العلمية الجيولوجية لخبراء عالميين إلى احتمال تغيير مسار نهر النيل ذاته إلى دول أخرى، فضلاً عن التأثيرات المناخية الضخمة نتيجة زيادة البخر وما يتبعه من تغيرات حادة.. وعلى مستوى الدبلوماسية الشعبية التى تصدر لها مثقفون وكتاب وسياسيون وبرلمانيون طوال السنوات الست الماضية وشملت زيارات مصريين لإثيوبيا وزيارات إثيوبيين لمصر ووعوداً وردية باحتواء الأزمة، فإننا لا نعرف إلى أين وصلت هذه الجهود التى قادها النائب مصطفى الجندى والوزير السابق د. عمر حلمى وعشرات من قيادات الأحزاب والقوى السياسية فى مصر؟؟

إننا أمام جرائم متوقعة ضد البشر بالإبادة وضد المزروعات والحيوانات وكل المخلوقات بالقتل.. وضد المناخ بتخريب نوعى.. ومع ذلك لم نجد شكاوى أو قضايا أو قرارات دولية لمواجهة الجرائم التى تندرج جميعاً تحت وصف «جرائم ضد الحياة والإنسانية»، وتتطلب وفق القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان سرعة تحرك المجتمع الدولى وكل دول العالم لمنعها ووقف خطرها.. فلماذا لم يتحرك أحد لحماية حياة ما يزيد على 150 مليون إنسان من الإثيوبيين والسودانيين والمصريين وغيرهم؟؟

وحالات المعالجة للمشكلة كأن تبحث حكومة دولتنا عن توفير نقص المياه بتحلية مياه البحر أو معالجة مياه الصرف لاستخدامها فى الزراعة أو توفير الاستهلاك بقطع مياه الشرب بطريقة عشوائية يشكو منها المواطنون يومياً لن توقف الخطر المقبل، وبخاصة إذا انهار السد أو جزء منه أو تغير مسار النيل -لا قدر الله- إلى مناطق أخرى.. كما لن يستفيد أحد من تأجيل حسم الموضوع لفترات زمنية مقبلة،

لقد أصبح واجباً على كل إنسان يحرص على حياة الأبرياء من البشر المدنيين أن يتحرك بسرعة لمواجهة هذا الخطر المقبل.. ونطالب الحكومة والبرلمان والخبراء بسرعة الانضمام إلى القضايا القانونية والتحركات الشعبية والحزبية التى بدأها بعض الدبلوماسيين والخبراء المصريين أمام المحاكم الإيطالية والجنائية الدولية، وضرورة التقدم بشكاوى للأمم المتحدة التى ترأس مصر مجلس الأمن فيها حالياً، وإلى المؤسسات المعنية بحياة وحقوق الإنسان للتعامل مع المشكلة كأولوية عالمية أولى، ولا بد من توحيد جهود الحكومة والمعارضة وكل القوى السياسية فى هذه القضية، لأن العطش المقبل من إثيوبيا لم يستثن أحداً.. وتدفق النيل ليس مجالاً للمناكفة السياسية.. ندعو الله أن يحمى النيل والبشر من عدوان المتعنتين.. والله غالب.