الدستور و«عدم الاستقرار»

فى سياق حديثه عن بعض مواد الدستور، مثل مادة إقالة الوزراء والفصل فى صحة عضوية «النواب»، قال الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، إن أى دستور يصدر والدولة غير مستقرة يحتاج لإعادة نظر، كذلك نقلت عنه جريدة «المصرى اليوم» أمس. من حق رئيس «النواب» أن تكون له وجهة نظره الخاصة فى بعض مواد الدستور، ومن واجبه أن يتحرك ومجلسه الموقر لتعديلها، ما دام يرى فيها عواراً، من حق مجلس النواب أن يوافق أو يرفض كما شاء، أن يقر ويعدّل وينص ويقرر كما يريد، فتلك اختصاصاته الأصيلة التى أعطاها له الدستور، لكن الربط بين موضوع الدستور ومسألة الاستقرار أمر يثير العجب.

عاشت مصر فى ظل دستور عام 1971 سنين طويلة، وكان أول تعديل تعرّض له هذا الدستور -باقتراح من مجلس الشعب حينذاك- عام 1979، عندما تم النص على المادة الشهيرة «الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، بالإضافة إلى المادة الخاصة بفتح مدد الترشح لرئاسة الجمهورية، مع قرب انتهاء المدة الثانية والأخيرة من حكم الرئيس السادات -رحمه الله- عام 1982، تعرّض هذا الدستور لتعديل آخر عام 2005 (يعنى بعد نحو 24 عاماً على آخر تعديل)، ثم تعديل ثالث عام 2007. عقب ثورة يناير 2011، تم إجراء تعديلات جديدة على عدد من مواد هذا الدستور من خلال اللجنة الإخوانية الشهيرة التى تولت الأمر، ثم كان دستور 2012 الذى أوقف العمل به عقب مظاهرات 30 يونيو وقرارات 3 يوليو 2013. كان من الطبيعى أن تضرب مصر حالة من الاضطراب الدستورى جراء نزول الشعب للمطالبة بالتغيير مرتين؛ الأولى فى 2011، والثانية فى 2013. وقد قوبل دستور 2014 بالعديد من الانتقادات من جانب أطراف عدة بعد صدوره، رغم أن الشعب وافق عليه بنسبة تقترب من 98%، ولا أريد أن أبالغ وأقول إن هذه الانتقادات كانت تعكس رغبة فى اختطاف الدستور، مثلما اختطف الإسلاميون دستور 2012، وهو ما قوبل من جانب لجنة الخمسين المكلفة بإعداده بالحرص الشديد عند صياغة مواده، ورغم ذلك لم يخل الأمر من انتقادات، لكن فى كل الأحوال يصح أن نقول إن دستور 2014 من أكثر الدساتير تأكيداً على فكرة الدولة المدنية ودولة المواطنة.

الحديث عن أن دستور 2014 تم وضعه فى أجواء «عدم استقرار» يغفل حقيقة أن التعديل المستمر لدستور البلاد هو المؤشر الذى يشهد أمام القاصى والدانى على عدم استقرار الأوضاع. التفكير فى تغيير الدستور فى ظنى ستكون له نتائج سلبية على مجمل المشهد السياسى فى مصر، أفهم أن تكون هناك دعوة لاحترام مواد الدستور، وتفعيلها فى المواقع، والارتكان إليها فى التشريعات والقرارات الصادرة عن مؤسسات الدولة، لكننى لا أستطيع أن أستوعب تلك التلميحات التى يفضى بها البعض من حين إلى آخر بتعديل بعض مواد الدستور، خصوصاً أن مصر بحاجة إلى أن ترسل للعالم رسالة استقرار، بعد أن أصبحنا على بعد عدة أشهر من الانتخابات الرئاسية الجديدة.