كايروكي.. صُناع الإحباط والأمل

راجى عامر

راجى عامر

كاتب صحفي

نشب الخلاف بين عبدالله بن المقفع وحاكم البصرة وانتهى عندما شتم الأول والدة الثاني واتهمها بالفجور فأحضره الحاكم وقطع أطرافه وهو حي وألقاها في النار أمام عينيه حتى مات من شدة التعذيب وقيل أجبره على أكل أجزاء مشوية من جسده، فجاءت نهايته الشنيعة نتيجة حديثه غير المنضبط مثلما قتلت الكلمات "أبو الطيب المتنبي" بعده بمائتي عام بعد أن ذكره غلامه ببيت شعر شهير كتبه عن الشجاعة فعدل عن هروبه من قطاع الطرق وواجههم حتى قتلوه بعد أن قال للغلام (قتلتني قتلك الله).ومثلما أضاعت كلمة متهورة قيلت بلا تفكير "ابن المقفع" وأمَاتَ بيت شعر مبالغ في معانيه "أبو الطيب" فإن نشر الكلمات غير الصادقة قد تقتل آمال الكثيرين في المستقبل.أتفهم جيدًا أن الحياة في مصر ليست نموذجًا لليوتوبيا أو المكان المثالي كما يتخيلها بعض المُنتفعين ولكنها أيضًا لن تكون نموذجًا للديستوبيا أو المكان المحكوم بالشر المطلق كما يتصورها بعض المُحبطين لذا علينا التمسك بالعقل وسط فوضى صرخات التأييد وبكائيات الإحباط.ويبدو أن إهمالنا للصناعات الثقيلة جعلنا نتجه الآن لصناعات الأمل واليأس حيث أصبح لهما تجارة رائجة وجمهور يتسم بالتأييد وداعمون يتسمون بالسخاء.. وقبل أيام استمعت للألبوم الجديد لفريق "كايروكي"، وسأترك النقد والتحليل الفني للمتخصصين به، مكتفيًا بإبداء الرأي في كلمات بعض الأغاني بعد تسجيل رفضي للرقابة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، فالألبوم حقق أكثر من خمسة وعشرين مليون مشاهدة عبر القناة الرسمية للفريق على يوتيوب معلنًا بذلك أن موقف الرقابة مجرد وسيلة مجانية للدعاية.ورغم إعجابي ببعض الأغنيات إلا أنني صُدمت من كلمات بعضها الآخر والتي ترى الحياة أكثر سوادًا من ملابس الفريق وخلفية الصورة، وظالمة خُصص النجاح بها للفاسدين فقط، والملخص إنك طالما كنت شريفًا فمصيرك الضياع.. بجانب الاستعلاء على المجتمع وأفكاره، فالمجتمع لديهم أغلبيته عبيد وهو مريض يحتضر وأعمى لا يرى انهياره، كما أن الجميع مُدان باستثناء قلة من الأحرار تعيش وسط قطيع وكلاب، حسب رأيهم!وبالرغم من دعوة الفريق بأحد الأغاني للابتعاد عن الإدمان وهي قيمة إيجابية فإن القيم السلبية التي نشرتها كلمات أغاني أخرى أسوأ من تأثير جميع أنواع المخدرات وربما لن يضاهيها في سوء مذاقها ومبالغتها الفجة سوى كلمات إعلامي يتخيل حياة مثالية نحياها ومستقبل مشرق ينتظرنا بينما لا يستمع لحديثه سوى "ميكروفون" أتعسه حظه بالوقوف أمامه.لا يختلف تجار الأمل المزيف عن صُناع بكائيات اليأس الذين يوجهون انتقاداتهم الحادة للجميع وينشرون الإحباط لكسب رضاء شريحة غاضبة من الجمهور وترجمة شعبيتهم إلى إعلانات تجارية مربحة.. أعتقد أننا سوف نستفيد أكثر بالتوقف عن نشر أوهام اليوتوبيا والديستوبيا وهي أمور لا تنفع المجتمع بقدر انتفاع أصحابها من المتاجرة بها.