في "التونسي".. مدافن تحولت إلى "أكل عيش" وبائعون يرفضون نقل السوق

كتب: أحمد مصطفى عثمان

في "التونسي".. مدافن تحولت إلى "أكل عيش" وبائعون يرفضون نقل السوق

في "التونسي".. مدافن تحولت إلى "أكل عيش" وبائعون يرفضون نقل السوق

كانت المدافن منذ زمن قريب يسكنها الموتى فقط، إلى أن ازداد الفقر وارتفعت أسعار المباني فلجأ البعض للعيش بجوار الأموات، لكن كان الجديد في الأمر هو أن المدافن أصبحت سوقاً لـ"أكل العيش"، لبيع كل المنتجات بأقل الأسعار أسفل كوبرى التونسي.

ومنذ 7 سنوات تعرضت سوق "الجمعة" الواقعة بمنطقة التونسي بحي الخليفة جنوب القاهرة لسلسة من الحرائق، ليقرر محافظ القاهرة السابق الدكتور جلال السعيد آنذاك إزالة سوق التونسي، ما جعل البائعين يتنقلون إلى مقابر السيدة عائشة لإقامة السوق الجديدة، وتأتي الزبائن إلى السوق من كل أنحاء مصر نظراً لتدني الأسعار لدرجة تدعوك للشك، هنا المقابر، تتعالى الأصوات في كل صباح لجلب الزبائن، لن تستطيع أن تسير على قدمك سوى بالتدافع، يأتي الليل ليستريح الموتى قليلاً من الإزعاج الذي يسببه لهم البشر نهاراً.

ساعات الراحة، قد تدوم لأيام مع القرار الحكومي، بتجديد سوق التونسي، وقيام كل من وزراء الإسكان والتنمية المحلية ومحافظ القاهرة بوضع حجر الأساس لمشروع سوق التونسي الحضاري، بتكلفة 180 مليون جنيه، وهو ما وصفه محافظ القاهرة، أمس، بالقضاء على العشوائية الموجودة بـ5 أسواق موجودة شمال المجزر الآلي بالبساتين، في الجزء المحصور بين مقابر التونسي ومقابر الإمام الشافعي، مع وعد بالعودة عقب الانتهاء من التطوير، إلا أنه وعد غير مصدق من جانب البائعين.

"مفيش حد هياخد نفس مساحة العشة أو المحل بتاعه، مستحيل المكان هيقدر يشيل العدد ده كله، غير إننا هندفع إيجار وكهرباء وغيره"، هكذا عبر أحمد تاج صاحب أحد متاجر الموبيليا، عن رفضه لقرار نقل السوق من مكانه الحالي إلى آخر، كما تحدث عن دور أعضاء مجلس النواب في المنطقة، موضحاً أن جمال الشويخي نائب "التوك توك" كما يلقبونه نظراً لعدم قدرته على حل أي مشكلة سوى الخاصة باحتجاز "التكاتك" وإعادتها لأصحابها، لم يستطع منذُ قدومه أن يقدم حلولا للمشكلات التي يعاني منها الأهالي من حيث الإهمال والتهميش.

واختلف معه في الرأي صديقه كرم مجدي، موضحاً أن السوق والمنطقة من غير اللائق أن تظل على هذة الهيئة وهي تتواجد في القاهرة عاصمة البلاد، كما اعتبر مجدي أن الانتقال إلى مكان آخر سيمنحهم عملا وسكنا أفضل من ذلك، "الحكومة عندها حق إحنا قاعدين هنا بدون وجه حق، والدولة مش بتاخد مننا فلوس يعني مش مستفيدين مننا، هناك الدولة هتاخد مننا فلوس بس هنعيش في نضافة ونظام من غير أي إهمال".

عبدالرحمن، أحد بائعي المواتير في السوق، يعتبر نفسه أحد البائعين الجدد بالسوق، حيث لم تتجاوز مده عمله بالسوق 6 سنوات، وقال عبدالرحمن إن الحكومة جاءت منذ ما يقرب من عام وصادرت بطائق كل من له "عِشَّة" أو متجر ليكون له مكان في السوق الجديدة، كما عبَّر عن حبه الشديد للمكان وتعلقه به، واصفاً أنه لا يملك البقاء أو المغادرة إذا أرادت الحكومة، "أنا هعمل إيه يعني لو الناس مشيت همشي لو قعدت هقعد".

ترتفع درجة الحرارة، يشعر العاملون بقليل من التعب والخمول فيتناولون بعض المثلجات، وفي نفس الوقت يبدأ المسؤول عن مسجد "الرحمن" بتشغيل إذاعة القرآن الكريم في الميكروفون الخارجي تمهيداً لتنبيه البائعين لاستقبال أذان صلاة العصر.

بجوار إحدى "العشش" جلس عم "مجدي أبو محمد"، واضعاً ثوبا مِنَ الْقُمَاشِ على رأسه ليُجَفَّفُ بِهِ عرقه، يقرأ في إحدى الصحف ما حدث في العالم البعيد عن المقابر لعله يجد خبرا يتعلق بمن يقضون حياتهم بين الموتى ليلاً ونهاراً، كشف عم مجدي لـ"الوطن"، عن بعض المعلومات التي قد لا يعرفها البعض عن السوق، كما قال إنه ليس كل من يعمل في السوق جاهل بل هناك أشخاص مثقفون ويستطيعون الحديث عن كل شيء كما لو أنه خبير في هذا الأمر، "اسمه الحقيقي سوق المستعمل، السوق ده موجود في كل بلاد العالم مش هنا بس، المسمى بيختلف بس مش أكتر، السوق تراوح عمره ما بين 20 لـ25 سنة، كان اسمه سوق الإمام بعدين لما جينا هنا بقى اسمه سوق التونسي عشان جنب كوبري التونسي، واشتهر بسوق الجمعة لأنه بيبقي يوم الجمعة زحمة جدا عن كل أيام الأسبوع".

وأثناء التجول في السوق ستجد أكثر من عربة لبيع التين الشوكي، وشابا لم يتجاوز عمره العشرين عاماً يحمل فوق ذراعه اليمنى وعاء معدنيّا مستديرا يحتوي على الحلويات الشرقية، أو كشك صغير لبيع المثلجات وبعض الأكلات السريعة، رافعين شعار "هنا ستجد كل ما تريد.. من الإبرة للصاروخ".

وبجوار إحدى "المدافن" كان يجلس رجل يدخن سجائر، يرتدي الزي الرسمي لصعيد مصر "الجلباب" بلغ من الكبر عتيا، أتى من سوهاج منذ ما يقرب من 25 عاما ليعمل في مجال الخردوات بسوق الأمام، يرى أن مغادرة السوق كمغادرته للحياة، "الكلام ده من أيام حسني مبارك، بعدين هنمشي يودونا على فين يعني، الناس اللي بتشتغل هنا من كل مصر مش القاهرة بس والسوق فاتح بيوت ناس كتير، كفاية إن السوق مفهوش شغل البلد مش ناقصة".

 


مواضيع متعلقة