حراس الأقصى يروون لـ"الوطن" شهادات الموت: لن نتركه لهم مهما حاولوا

كتب: سمر صالح

حراس الأقصى يروون لـ"الوطن" شهادات الموت: لن نتركه لهم مهما حاولوا

حراس الأقصى يروون لـ"الوطن" شهادات الموت: لن نتركه لهم مهما حاولوا

أعين باتت تحرس في سبيل اللَه، يسهرون الليل، يراقبون وفي النهار يستقبلون زوار بيت الله، يعملون على مدار الساعة لحماية المسجد ومراقبة النظام بالداخل، يتعرضون للضرب والتنكيل دائًما من قوات الاحتلال ومايزيدهم ذلك إلا إصرارًا لتأدية الأمانة التي يحملونها منذ سنوات.

"الضرب والسب اللفظي وتفتيش الأغراض الشخصية  بشكل مهين"، مضايقات يتعرض لها نحو 60 حارس من حراس المسجد الأقصى في مسلسل تتشابه أحداثه بشكل يومي، زادت حدتها مع تصاعد وتيرة الأحداث الأخيرة بالأقصى، وصلت إلى حد الاعتقال وأوامر بالمنع من دخول المسجد ومنع أصوات الأذان، ومايزيدهم ذلك إلا إصرارًا، مشكلين حصونا بشرية لحماية الأقصى، مجسدين بيت الشعر" تاريخُ شعبي في حماك ياقدس مسـطّر شهدتْ عليهِ مآذنٌ وقبابُ".

{long_qoute_1}

يقف حراس المسجد الأقصى بلا سلاح أو ذخيرة يتولون حراسة المسجد من الداخل والخارج، وحماية المكان المقدس من أي أعمال تخريبية مستهدفين من العدو في أي وقت تتطلب منهم مهمتهم الكثير من الحذر، هذا ما استهل به حازم الصالحي، أحد حراس المسجد وشاهد العيان على أحداث الأقصى الأخيرة، عندما بدأ حديثه لـ"الوطن" عن معاناة حراس المسجد الرجال والنساء وبطولتهم الخفية في الدفاع عن الحرم القدسي الشريف.

يتعرض "الصالحي" وزملائه يوميا للتفتيش وفحص بطاقة هويتهم الشخصية، من قبل قوات الاحتلال، في مشهد وصفه بـ"المهين والمخزي" ويقول: "يوميًا نتعرض للتفتيش، بيضعوا وجهنا أمام الحيط نرفع ايدينا على الحيط ويقوم جندي إسرائيلي بتفتيشنا أمام المارة بشكل مهين بالإضافة للمضايقات والاستفزازات داخل المسجد.. ما بتحمل أشوف شخص غير مسلم جوا الأقصى".

تفاصيل الدقائق الأولى من العملية التي كانت شرارة البدء في أحداث الأقصى الأخيرة يرويها "الصالحي"، الذي يعمل منذ 12 عاما في حراسة المسجد الأقصى قائلًا: "بعد دقائق قليلة من تمام السابعة صباحًا يوم الجمعة 14 يوليو سمعنا صوت إطلاق نار اعتقدنا إنه عملية خارج المسجد،  طلعت على سطح قبة الصخرة عشان أتأكد من مصدر الصوت، شوفت جثتين على الأرض، كان واضح إنهم مسلمين عرب، وكان موجود اتنين من قوات الاحتلال أخدوا بطاقتي وتليفوني بعدها دخل الاحتلال المسجد فتشوا الناس بشكل مهين وطلبوا هوياتهم، واعتقلوا جميع الحراس وفي عصر اليوم بدأوا يستجوبونا وأغلقوا المسجد نهائيًا ومنعونا من دخوله".

14 يومًا قضاها "الصالحي" في حراسة المسجد الأقصى خلال الأحداث الماضية، رافضًا ترك أبوابه في أيام أبى أن يمر فيها الوقت سريعًا وصفها في حديثه لـ"الوطن"، بأنها "أيامًا صعبة"، تجسدت فيها إرادة حرب 48 وأحداث 67 ووحدت كلمة كافة الفلسطينيين وليس فقط أهل القدس".

لم تمض ساعات قليلة على قرار غلق المسجد ومنع الأذان حتى شاط المقدسيين غضبًا، وتزايدت الأعداد أمام أبواب الأقصى وقفوا صفا كالبنيان المرصوص يساندون الحرس في مشهد مهيب، "مفيش مقدسي بيقدر يتحمل إن المسجد الأقصى يغلق.. دي أمانة ولازم نأديها على أكمل وجه، والحمدلله في خلال ساعات بدأت الأعداد تتزايد وقفنا على الأبواب حمينا المسجد اعتصمنا 14 يوم رفضنا نترك الأقصى ورفضنا البوابات والكاميرات الإلكترونية وساندنا بعض لحد ما انتصرنا على العدو".

{long_qoute_2}

"تفتيش زوار المسجد ومنع دخول المأكولات والمشروبات إضافة إلى تنظيف المكان وترتيب المصاحف والخزائن وتنظيف السجاد والفصل بين الرجال والنساء أثناء الصلاة"، مهام آخرى تقع على عاتق حارسات أو "سادنات" المسجد من النساء، اللاتي لم يسلمن من مضايقات العدو الإسرائيلي، أيضًا، وحسب قول لمياء عقل، إحدى الحارسات، فيتعرضن للتتفيش والكشف عن بطاقات الهوية الشخصية وقد يصل الأمر إلى حد المنع من الدخول للمسجد لممارسة عملهم.

أن تقوم بمباشرة عملك على أكمل وجه تهمة كافية لاعتقالك من جانب قوات الاحتلال، فما أن يبلغ أحد الحراس عن وجود انتهاك للمسجد من جانب أحد المستوطنين حتى يتم اعتقاله، وتقول حارسة المسجد (57 عاما) نحن مستهدفين من الاحتلال بشكل يومي، أيام كثيرة يمنعونا من الدخول ولا يسمحون لنا بالدخول إلا بعد إظهار الهوية الشخصية، ونحن كحارسات منعونا من الدخول في بداية الأحداث الأخيرة وقاموا بتفتيشنا مرات عديدة قبل الدخول إلى ساحة المسجد، ويجب على الحارس ألا يخبر عن وجود أي يهودي يقيم صلوات يهودية داخل المسجد وإلا سيعتقل وربما يبعد عن المسجد ويحرم من دخوله لعدة أشهر".

وفي يوم الجمعة 14 يوليو، توجهت لمياء إلى عملها كأي يوم عادي وإذا بقوات الاحتلال تغلق شوارع القدس القديمة وتمنع أحد الدخول إليها أو الخروج منها،"منعوني أدخل ومعرفتش أوصل لمكان عملي".

"طارق الهشلمون" أحد حراس الأقصى، المبعدون عن المسجد بأوامر الاحتلال، ورئيس قسم الاستعلامات في دائرة الأوقاف الإسلامية حاليا، يذهب بذاكرته إلى الخلف، وقت أن كان يتولى حراسة أحد أبواب الأقصى ويصف معاناة الحراس قائلا: "نحن نتعرض يوميا للإهانة الجسدية والمعنوية والتنكيل بنا، والسجن لمدة تصل إلى 9 شهور بقرارات ظالمة من الاحتلال بهدف عرقلة عملنا وبسط سيادتهم على المسجد".

لم تقتصر مضايقات الاحتلال لحراس المسجد عند هذا الحد، بل يصدرون قرارات بإبعادهم عن المسجد وحرمانهم من دخوله تماما، ووضع بعد الأسماء في القائمة السوداء الخاصة بالاحتلال وملاحقتهم بشكل غير قانوني من خلال المؤسسات التابعة لهم لترحيلهم من المسجد الاقصى نهائي أو الضغط عليهم للتعاون معهم، حسب قول "الهشلمون".

"عاشت القدس بعد تاريخ 14 – 7 أيام حزينة لم تشهدها منذ عام 67، لأول مرة يمنع الأذان وصلاة الجمعة بالمسجد الاقصى المبارك واستمر الغلق لمدة 3 أيام متتالية وبعدها تم فتح البوابات بعد تركيب البوابات الإلكترونية التي رفضها الجميع"، بهذه الكلمات وصف الشيخ زهير يوسف صباح أحد مؤذني المسجد الأقصى، الأحداث الأخيرة، واصفًا المشهد بالمُحزن.

{long_qoute_3}

بعد 3 أيام من أحداث الجمعة 14 يوليو، سمحت قوات الاحتلال برفع الأذان داخل المسجد بالتنسيق مع الأوقاف الفلسطينية، تعرض وقتها مؤذن المسجد وكافة العاملين بالأقصى إلى التفتيش الدقيق ، ووصل الأمر إلى إخراج كل ما في جيوبهم قبل دخولهم بيت الله،" تعرضنا لمعاملة قاسية ومهينة لم نتعرض لها من قبل، وكان شعورا حزينا عندما رأينا الأقصى فارغا تماما من المصلين، لأنهم بعد نصب البوابات الإلكترونية رفض الجميع الدخول منها وأقاموا الصلوات في الشوارع وأصبح المسجد فارغا"، حسب قوله.

الخميس الماضي، وتحديدا بعد أذان العصر، ملأت أصوات الفرحة والابتهاج أرجاء البلدة القديمة، بعدما انتصرت الإرادة الشعبية على العدو الذي تراجع عن قرار البوابات والكاميرات الإلكترونية، وهنا تسارع الألاف لدخول أبواب المسجد مهللين مكبرين بأعداد لم يشهدها الأقصى إلا في شهر رمضان من كثرة المصلين رجالا ونساء وأطفالا، كأنهم نهر جارف، حسب وصف الشيخ زهير، الذي استنكر محاولات الاحتلال بإفساد فرحتهم بعدما فرض طوقًا أمنيًا على القدس ومنع من هم دون سن الخمسين من دخول الأقصى في صلاة الجمعة الأولى بعد هذه الأحداث، "لن نترك لهم الأقصى مهما حاولوا".


مواضيع متعلقة