فى الأول من يونيو الماضى، بدأ سريان قانون الرياضة الجديد رقم 71 لسنة 2017م. ووفقاً للمادة الخامسة والثلاثين من هذا القانون، «يعتبر المشاركون فى البعثات الرياضية التى تمثل جمهورية مصر العربية فى الدورات والبطولات الأولمبية والبارالمبية والعالمية والقارية والإقليمية والعربية سواء أقيمت داخل الجمهورية أو خارجها، فى مهمة رسمية دون بدل سفر من جهة عملهم الأصلية، وذلك مع عدم المساس بأحقيتهم فى جميع مستحقاتهم المالية كأنهم على رأس العمل. كما تعتبر مدة مشاركة الطلبة فى الدورات والبطولات المشار إليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة سواء أقيمت داخل الجمهورية أو خارجها فى مهمة رسمية، وفى حالة عقد امتحان أثناء المشاركة يتم امتحانهم عقب انتهاء الدورة أو البطولة الرسمية....». وحسناً فعل المشرع بالنص على حق الطلبة الرياضيين فى عقد امتحان لهم عقب انتهاء الدورة أو البطولة الرسمية، وذلك فى حالة تداخل مواعيد الامتحانات مع فترة المشاركة فى البطولة. ولهذا النص حكاية، وتتعلق بالرباعة الأولمبية «سارة سمير»، التى كانت طالبة فى الثانوية العامة فى العام الدراسى 2015 - 2016م. وقد حدث أن موعد الدورة الأولمبية الصيفية المنعقدة فى مدينة ريو دى جانيرو 2016م تداخل مع فترة انعقاد امتحانات الثانوية العامة! فماذا كان رد فعل وزارة التربية والتعليم إزاء هذه المشكلة؟
فى البداية، أصرت الوزارة على عدم تأجيل أو تقديم موعد الامتحان، متذرعة بالقوانين واللوائح، وهو ما يعنى ضياع سنة دراسية على البطلة الصغيرة بسبب عدم دخولها الامتحان. ورغم تعنت الوزارة فى قرارها، أصرت البطلة على الذهاب للدورة الأولمبية، مدفوعة برغبتها فى تحقيق حلمها الذى عملت من أجله لمدة أربع سنوات، وهو تحقيق ميدالية أولمبية لها ولبلدها. وهكذا، سافرت البطلة وداخلها مرارة لا يعيشها أى بطل فى أى دولة أخرى! وقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تسجل الرباعة الصغيرة اسمها بحروف من ذهب، بحصولها على ميدالية برونزية، بمنافسات رفع الأثقال لوزن 69 كجم سيدات، بعدما تمكنت من رفع مجموع قدره 255 كجم، فى رفعتى الخطف والنطر. وقد شاءت الظروف أن تكون هذه الميدالية هى الأولى التى تحصدها مصر فى دورة «ريو 2016م»، وبهذه الميدالية أصبحت «سارة سمير» أصغر مصرية تستلم جائزتها على منصة التتويج.
الغريب فى الأمر أن الوزارة -بعد حصول البطلة سارة على الميدالية البرونزية- قررت عقد امتحان لها! ولا ندرى أين ذهبت القوانين واللوائح التى تذرع بها المسئولون فى بادئ الأمر. ولو أن الوزارة اتخذت هذا القرار قبل السفر، لانعكس ذلك إيجاباً على البطلة، وربما تحولت الميدالية البرونزية إلى ميدالية فضية أو ذهبية. ولا شك أن الفارق هائل بين أن يدخل البطل المنافسات وهو يشعر يقيناً بالتقدير الرسمى والشعبى وبين إحساس بجرح غائر ينزف لضياع سنة دراسية من عمره! الطبيعى والمنطقى والموجود فى كل دول العالم التى تعرف قيمة الرياضة، أن يتم عقد الامتحان فى الموعد الذى يلائم الطالب البطل. قد يكون قبل بداية الدورة الأولمبية أو خلالها فى الأوقات التى تناسب البطل وتدريباته ومبارياته أو بعد الدورة الأولمبية. الطبيعى ألا تكون هناك مشكلة عرضية تشغل بال البطل المطلوب تفرغه ذهنياً وبدنياً ونفسياً للبطولة، ولا شىء سواها، لأننا نتكلم عن أكبر تجمع رياضى يشهده العالم كل أربع سنوات، وغير مسموح بأى شىء يشتت تركيزه، ولو للحظة واحدة، لأن اللحظة فى مباراة قد تنسف إعداد واستعداد أربع سنوات.
إن تفوق أبطالنا هو للوطن قبل أن يكون لهم، وميدالية البطل الأولمبى هى لمصر قبل أن تكون له شخصياً. ولا يمكن بأى حال من الأحوال تبرير قرار ضياع سنة دراسية على أبطالنا، لمجرد تداخل موعد الامتحانات مع موعد الدورة الأولمبية. وأتذكر هنا مقولة الإمام الشاطبى: «حيثما توجد المصلحة فثمَّ شرع الله». والمفترض فى أى قانون أن يكون هدفه هو تحقيق المصلحة العامة. ولا ندرى ما هى المصلحة فى ضياع عام دراسى على بطل أولمبى يشارك فى بطولة أولمبية لرفع اسم بلاده عالياً بين الدول!