يزيد بن معاوية أحب القرود.. فمات بـ«عضة» قرد

كتب: الوطن

يزيد بن معاوية أحب القرود.. فمات بـ«عضة» قرد

يزيد بن معاوية أحب القرود.. فمات بـ«عضة» قرد

استمر يزيد بن معاوية فى الحكم إلى أن توفى فى الرابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وستين. وكان -كما يصفه المؤرخون- كثير اللحم عظيم الجسم، كثير الشعر، طويلاً ضخم الهامة. ويبدو أنه كان ثمة منافسة بينه وبين أخيه من أبيه: عبدالله بن معاوية. وكان «معاوية» يؤثر «يزيد» على ابنه من زوجته المحبّبة «فاختة» وهو «عبدالله»، ولكى يبرّر إيثاره لـ«يزيد»، قال ذات يوم لـ«فاختة» سوف أثبت لك، ثم استدعى ابنها «عبدالله»، فقال له: إنه قد بدا لى أن أعطيك كل ما تسألنى فى مجلسى هذا، فقال حاجتى أن تشترى لى كلباً فارهاً وحماراً فارهاً، فقال «معاوية»: يا بنى أنت حمار ونشترى لك حماراً، قم فاخرج، ثم قال لأمه كيف رأيتِ؟، ثم استدعى «يزيد»، فقال: إنى قد بدا لى أن أعطيك كل ما تسألنى فى مجلسى هذا، فسلنى ما بدا لك، فخر «يزيد» ساجداً، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذى بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه فىّ هذا الرأى، حاجتى أن تعقد لى العهد من بعدك، وتأذن لى فى الحج إذا رجعت، وتولينى الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل فى عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتى، وتعرض لأيتام بنى جمح وأيتام بنى سهم وأيتام بنى عدى، فقال: مالك ولأيتام بنى عدى، فقال: لأنهم حالفونى وانتقلوا إلى دارى، فقال «معاوية»: قد فعلت ذلك كله، وقبّل وجهه. وفى رواية أن «يزيد» لما قال له أبوه سلنى حاجتك، قال له «يزيد»: اعتقنى من النار أعتق الله رقبتك منها، قال: وكيف؟ قال: لأنى وجدت فى الآثار أنه من تقلّد أمر الأمة ثلاثة أيام حرمه الله على النار، فاعهد إلىّ بالأمر من بعدك ففعل. يكاد المحلل أن يشتمّ فى هذه الروايات محاولة المؤرخين تجميل وجه «يزيد» الذى تعرّض للكثير من التشويه، خصوصاً من قِبل الشيعة، الذين ذهبوا فى هذا الاتجاه كل مذهب، إلى حد وصفه بالزندقة (الإلحاد)، لكن ما يُجمع عليه أغلب المؤرخين أن «يزيد» لم يكن بالشخصية المستقيمة، إذ كان غارقاً حتى النخاع فى العبّ من ملذات الدنيا. فقد كان يشرب الخمر، وقد أشار صاحب «البداية والنهاية» إلى أن «معاوية» أراد أن يعظه فى رفق ليُقلع عن هذا الأمر، «فقال: يا بنى ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتُّك يذهب بمروءتك وقدرك، ويُشمت بك عدوك، ويسىء بك صديقك.. يكفيك الليل». والملاحظ أن «ابن كثير» وهو يحاول لفت النظر إلى اهتمام «معاوية» بتربية وريثه فى الخلافة، لا يتوقف أمام محاولة الأب تعليم ولده التحايل وخداع الناس، والظهور للناس بمسلك الناسك المتعبّد فى النهار، ليفعل ما يريد وما يحلو له عندما يستره الليل بظلامه. ويبدو أن صاحب «البداية والنهاية» أراد أن يبرئ ساحة «معاوية»، وهو الذى اختار ولده خليفة للمسلمين، رغم علمه بمفاسده الأخلاقية، فاجتهد فى استحضار الروايات التى تؤكد أنه كان ينصح «يزيد» بالإقلاع عن إتيان هذه المفاسد أمام الناس، فأساء إلى «معاوية» من حيث أراد أن يُحسن، إذ قدّمه وكأنه يحث ولده على عدم مراقبة الله فى أفعاله. والأرجح أن «معاوية» لم يكن يلتفت إلى توجيه النُّصح الأخلاقى لولده، قدر ما كان يهتم بتوجيه النصائح التى تساعده على التمكين والسيطرة على الحكم. من ذلك على سبيل المثال تلك المجموعة من النصائح التى قال فيها «معاوية» لـ«يزيد»: «إذا أردت أمراً فادعُ أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى، فشاورهم ولا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك، فإن الرأى ليس فى صدر واحد، وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك تصلح لك الناس، لا تدع لهم فيك مقالاً، فإن الناس سراع إلى الشر، واحضر الصلاة فإنك إذا فعلت ما أوصيك به، عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت فى أعين الناس». ها هى كلمة الملك تظهر من جديد فى خطاب كبير الدولة الأموية معاوية ابن أبى سفيان، ولكن بصياغة أخرى، وهو يقول: «عظمت مملكتك»، لتؤكد من جديد نظرة بنى أمية إلى الأمر. والواضح أن «يزيد» استوعب هذه النصائح، لكنه لم يعمل إلا بأقلها، والدليل على ذلك أنه لم يعرف لأهل المدينة شرفاً ولا قدراً، بل سحقهم سحقاً فى واقعة الحرة الشهيرة، بالإضافة إلى قتله الحسين بن على رضى الله عنهما، فقد كان كما يقول المؤرخون شخصاً تحكمه شهواته، وترك الصلوات فى بعض الأوقات وأماتها فى غالب الأوقات. وفى حديث لأبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً». أما وفاته، فقد كانت عجيبة، إذ قيل إنه مات بعضّة قرد. يقول «ابن كثير» فى ذلك: «كان (يزيد) قد اشتُهر بالمعازف، وشُرب الخمر، والغناء والصيد، واتخاذ الغلمان والقيان، والكلاب والنطاح بين الكباش، والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخموراً، وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويُلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته». وقيل إنه مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين، وهو ابن خمس أو ثمان أو تسع وثلاثين سنة، فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر.