«المستشفى الجامعى».. نقص فى الأدوية وحمامات غير آدمية و«الحشرات» تغزو الغرف

كتب: محمد سعيد وخالد الغويط

«المستشفى الجامعى».. نقص فى الأدوية وحمامات غير آدمية و«الحشرات» تغزو الغرف

«المستشفى الجامعى».. نقص فى الأدوية وحمامات غير آدمية و«الحشرات» تغزو الغرف

أكوام من القمامة تملأ المستشفى، وحشرات زاحفة وأخرى طائرة تتجول بين الحوائط وعلى الأرضيات. مشهد لا تخطئه عين مريض أو زائر، وبالإضافة إلى تدنى مستوى النظافة تعانى المستشفى من نقص كبير فى الأدوية داخل الصيدلية، هكذا الحال داخل «سوهاج الجامعى»، الذى يعتبر من أكبر مستشفيات محافظة سوهاج، واحتل المركز الأول من حيث السلبيات بين قائمة مستشفيات المحافظة ضمن الجولة التى قامت بها «الوطن».

الاهتمام كان واضحاً بالطابق الأرضى، لكن الأمر كان مغايراً تماماً فى غرف الحجز بالطوابق العليا داخل المبنى، أسرة متلاصقة لا يفصل بين الواحد والآخر أكثر من نصف متر، وغرف تغيب عنها وسائل التهوية الجيدة، حاول المسئولون بالمستشفى تجاوز الأزمة بتركيب 4 مراوح على حوائط غرفة حجز تابعة لقسم المخ والأعصاب، ولكن المرضى وأسرهم أكدوا أنها ليست كافية، بل إن هذا الوضع حول غرف الحجز إلى وسيلة سريعة لنقل الأمراض والأوبئة بين المرضى، ولم تتوقف شكواهم عند هذا الحد، بل وصفوا دورات المياه بـ«غير الآدمية»، فنوافذها محطمة والمياه تغرق أغلبها فيما تنفذ منها الروائح الكريهة.

لم يلتفت أى من زوار المستشفى إلى تلك اللوحات التى تحذر من التدخين داخل أروقته، فتناثرت المئات من «أعقاب السجائر» على الأرضيات، مشهد أرغم أحد الموظفين بالمستشفى على استدعاء أحد العمال طالباً منه تنظيف الأرضيات، ولكن الأخير فاجأه قائلاً: «دى مش شغلتى، دى شغلة عمال شركة النظافة، أنا مليش دعوة، أنا مايهمنيش حاجة ولا حتى أى مذكرة تعملها».

{long_qoute_1}

يجلس جمال السيد، شاب ثلاثينى، بصحبة ابنه الصغير الذى لا يتعدى عمره العشر سنوات أمام غرفة الرعاية المركزة بالطابق الرابع من المستشفى الجامعى، التى تمكث فيها زوجة شقيقه منذ 3 أيام، يقول «جمال»: «المستشفى هنا غاية فى السوء، ومحدش بيهتم خالص بالنظافة ودى من أكبر المشاكل اللى بنواجهها فى المستشفى العام لأن الحشرات بتتجمع حول أكوام القمامة الموجودة أمام غرف الحجز، والحمامات هنا من أسوأ الحاجات فى المستشفى، ده حتى الأدوية مش متوفرة فيها، بنجيبها من صيدلية خارج المستشفى، وأسعار الأدوية كلها مولعة برة».

عادل عبدالهادى، شاب عشرينى، يسكن فى مدينة سوهاج، يجلس على أرضية المستشفى برفقة أقاربه أمام غرفة الرعاية المركزة، يقول: «المستشفى هنا لو مكنش ليك واسطة زى دكتور أو حد تعرفه شغال هنا، مش هتلاقى دكتور يتابع المريض اللى معاك، ويا إما تنقله خارج المستشفى دى وتروح بيه مستشفى نضيفة أو تستنى بقى وتاخده على نقّالة، ولو الحالة اللى معانا هنا دى ينفع تتنقل كنا نقلناها من زمان».

ويوضح «عادل» أن زوجة شقيقه التى تعانى من تسمم أثناء الحمل تمكث فى الرعاية المركزة منذ نحو 8 أيام، مضيفاً: «مفيش دكتور يطمنا أبداً، اللى ييجى يقولنا فاضل لها ساعتين وتموت واللى يقول فاضل لها ساعة، ده فيه دكتور بلغنا إن الحالة اللى معانا فاضل لها ساعة وتتوفى، والحمد لله أهو بقالنا أكتر من 24 ساعة ومحصلش حاجة زى ما كان بيقول، المفروض الدكتور الكويس يبقى عارف ومتأكد هو بيقول إيه، مش أى كلام وخلاص، ده كان المفروض يرفع من الروح المعنوية مش يقول لنا فاضل ساعة وتموت».

{long_qoute_2}

وعن نقص الأدوية فى صيدلية «سوهاج الجامعى»، يقول: «معظم الأدوية بقى خلاص بنشتريها من برة، والدكاترة عليها تكتب الأدوية وبس، وآخر حاجة طلبوها مننا بنج بـ6 آلاف جنيه، والناس اللى معهاش فلوس تروح تدفن مريضها بالحيا، وممكن كمان بعد ما يكتبوا الدوا نلف عليه صيدليات سوهاج كلها علشان نلاقيه، ولو ملقيناهوش بنكلم الدكتور يشوف بديل له»، مشيراً إلى أن ما يستفيد منه داخل المستشفى هى الأشعات لأنهم يدفعون 70 جنيهاً فى الأشعة التى تتكلف خارج المستشفى 500 جنيه.

ويؤكد «عادل» أن أفضل مستشفى فى سوهاج هو المستشفى العسكرى، قائلاً: «هما اللى شغالين بما يُرضى الله، ومفيش عندهم فرق بين غنى وفقير فى العلاج، وهناك المريض بيلاقى أنضف معاملة وأنضف أجهزة».

ومن داخل حجرة عيادة العظام يتحدث عماد جاد عطية، أمين شرطة بمركز العسيرات، ويقيم فى قرية الصوامعة شرق أخميم، يروى تفاصيل مأساته هو وابنته داخل المستشفى الجامعى، موضحاً أنه أصيب بكسر فى قدمه اليسرى أثناء نزوله من على السلم فى منزله، وحضر على الفور إلى المستشفى وتم تجبيس قدمه عقب مرور 3 ساعات من حضوره بعد أن طلب الطبيب منه شراء الجبس من الخارج لأنه لا يوجد جبس بالمستشفى، مشيراً إلى أنه قام بشراء جبس بقيمة 150 جنيهاً، كما قام بشراء أدوية بقيمة 70 جنيهاً، وعندما ذهب للمنزل اكتشف أن قدمه غير مستوية مع سطح الأرض وبها ميول ناحية الخارج.

وأضاف «عماد» أنه حضر للطبيب الذى أجرى التجبيس وأخبره بالمشكلة التى حدثت فى قدمه، وطمأنه الطبيب بأنها سليمة وستعود إلى طبيعتها مع مرور الوقت، مؤكداً أنه ندم أشد الندم على دخوله مستشفى سوهاج الجامعى بسبب حالة الفوضى والإهمال الذى تعانى منه المستشفى.

وأكد «عماد» أنه سيذهب لعيادة طبيب خاص ليفحص قدمه، وأنه لن يدخل المستشفى الجامعى طيلة حياته بعدما شاهده من إهمال وفوضى، مشيراً إلى أنه منذ أسبوع أحضر ابنته «كارولين» البالغة من العمر 3 سنوات عقب إصابتها بتضخم فى الكبد والطحال، وتم حجزها فى المستشفى لمدة أسبوع وخلال هذا الأسبوع لم تتمكن من إجراء تحليل لها وذلك لعدم وجود طبيب يوقع على استمارة إجراء التحليل، موضحاً أنه اضطر إلى إخراج ابنته من المستشفى والذهاب بها إلى عيادة طبيب خاص، مضيفاً: «المستشفى أصبحت عبارة عن مقلب زبالة، ولا يوجد بها أى عناية أو رعاية حقيقية، وجميع المرضى يشترون الأدوية ومستلزمات العمليات من الخارج ونادراً ما يتم صرف علاج لحالة إلا إذا كان الطبيب يعرفها أو هناك توصية عليها».

ويقول رجب عوض، 45 عاماً، سائق، إنه أصيب بضيق فى التنفس فى ساعة متأخرة من الليل فى شهر رمضان الماضى، وعندما حضر للمستشفى بصحبة أقاربه، تركه الأطباء لمدة 4 ساعات داخل الاستقبال، وبعد مفاوضات وشد وجذب تم إدخاله غرفة العمليات، حيث تبين أن هناك كرة من الهواء تكونت أسفل الرئة وتم تفريغ الهواء بعدها، متابعاً: «سابونى فى الطرقة لمتابعة حالتى وفضلت قاعد فيها لمدة 3 أيام بحجة إن مفيش سرير وجميع السراير مشغولة بمرضى»، مؤكداً أن جميع مستلزمات العملية والأدوية تم شراؤها من خارج المستشفى.

وأوضح «رجب» أن المستشفى الجامعى كان علامة مضيئة فى المحافظة لسنوات طويلة وكانت أفضل الخدمات الطبية تقدم داخله ولكن أصبح المستشفى العام حالياً عاجزاً عن تأدية خدمات طبية جيدة، وأصبحت السمة الرئيسية هى سوء النظافة وانتشار الحشرات الزاحفة فى جميع غرف المستشفى، وأن حالة الأسرة أصبحت سيئة للغاية ومتهالكة، ودورات المياه أصبحت غير آدمية.

محمد رمضان، 22 عاماً، يعمل بمحل إكسسوارات، أُصيب بكسر فى الأنف وحضر إلى المستشفى وتم حجزه وإجراء عملية جراحية، موضحاً أنه اضطر إلى شراء شرائح ومسامير من خارج المستشفى بقيمة وصلت إلى 1500 جنيه، كما أنه اشترى الأدوية أيضاً من الخارج، وأنه ينتظر فى المستشفى منذ نحو 5 ساعات الطبيب الذى أجرى له العملية ليتابع حالته، وطاقم التمريض أخبره أن الطبيب ليست له مواعيد محددة فى حضوره وانصرافه.


مواضيع متعلقة