علاقة الإخوان بالجيل الرابع من تنظيمات العنف (1)

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

تقسيم أجيال العنف فى مصر هو تقسيم تقريبى، فالجيل الأول «جيل البنا» وما بعده، والثانى جيل «التنظيمات الكبرى» فى السبعينات، والثالث جيل «الجهاد المعولم»، كالقاعدة، والرابع «جيل العنف العشوائى والمنظم أو الفضاء الإلكترونى»، وآخر جرائمه قتل جنودنا الشرفاء يوم الجمعة الماضى، وكانت وراءه تيارات الإسلام السياسى، سمِّها ما شئت.. «داعش» أو «بيت المقدس».. إلخ، لكن ما يعنينا هنا: علاقة جماعة الإخوان بهذا الجيل؟.

والناس فى الإجابة عن هذا السؤال فريقان؛ فريق اغتر فرأى عدم صلة للإخوان بجماعات العنف، بالنظر إلى أنه لم ير أحداً من الإخوان بعينيه حمل أمامه سلاحاً، فضلاً عن التعصب الذى يعمى ويصم، وفريق ألصق (بالتعميم) جرائم القتل بشخوص الإخوان، وليس تحرير محل الاختلاف هو المراد هنا، بل المراد إلقاء الضوء على المحرض والمحضن لا عن الفاعل، فالأمن والقضاء يهتمان بالفاعل الإرهابى، والمجتمع والمؤسسات يهتمان بالإرهاب ومنابعه ومصادره.

ولنبحث فى النقطة المتعلقة بمدى الارتباط الفكرى والمعنوى بين الإخوان والتنظيمات المسلحة، وهنا نلاحظ أن الارتباط بينهما وثيق، حتى إنه يمكن القول بأن جل الأفكار التى تؤمن بها جماعة الإخوان والمتعاطفون معها تتطابق وتتقارب مع الأفكار التى تؤمن بها التنظيمات العنيفة، وأن الفرق بينهما فرق فى الأساليب والإجراءات والقدرة ومراعاة رد فعل الغرب ليس إلا، وبيان ذلك:

1- المصدر الأول لهذه الأفكار التكفيرية هو كتاب (الظلال) لسيد قطب منظِّر الإخوان، وتابعيه «فتحى يكن» و«رفاعى سرور» (وكلاهما من منظرى الإخوان)، وتوغلت القطبية فى محاضن الإخوان التربوية، واضطلع سيد قطب بالدور الرئيس» فى توجيه فكر وأطروحة الإخوان والجماعات الأخرى، فقد تناول سيد قطب وأيضاً (يكن وسرور) قضايا تكفير الحاكم وجاهلية المجتمع وتطبيق الشريعة وغيرها، فأخذها «عبدالسلام فرج» فى كتاب «الفريضة الغائبة» فأنشأ (تنظيم الجهاد)، وأخذها «شكرى مصطفى» فى وثيقة «الخلافة» فأنشأ (التكفير والهجرة)، وأخذها «صالح سرية» فى «رسالة الإيمان» فأنشأ (الفنية العسكرية)، ثم تولدت ونبعت جماعات مثل «القاعدة» و«داعش» من نفس هذه الأفكار.

ومن الأهمية هنا الاطلاع على مذكرات «طلال الأنصارى» -وكان المتهم الثانى فى قضية الفنية العسكرية- وما جاء فى الفصل الثانى وعنوانه: (بيعتنا للمرشد حسن الهضيبى)، والفصل الثالث وعنوانه: (زينب الغزالى وأول لقاء لنا مع صالح سرية)، وتناول فيهما صلة تنظيمه المسلح بتنظيم الإخوان.

2- أبومحمد العدنانى السورى واسمه الحقيقى «طه صبحى فلاحة»، وهو الرجل الثانى فى تنظيم داعش، والمتحدث باسم التنظيم، والذى كان مرشحاً لخلافة «البغدادى»، هذا الرجل تأثر بفكر الإخوانى سيد قطب، وكان كتاب «الظلال» لـ«قطب» من أحب الكتب إلى قلبه، وعكف على قراءته عشرين سنة، حتى كان ينوى أن يكتبه بخطه من شدة شغفه به، وحين مر على آية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، توقف عندها وسأل ثم قرر ثم اتخذ الإجراء الفعلى (حكومتنا كافرة)، وقد ذكر هذا «تركى البنعلى» فى كتابه: «اللفظ اللسانى فى ترجمة العدنانى»، وأما «تركى البنعلى» فمن البحرين، وهو مفتى تنظيم داعش، والمشرعن لجرائم القتل، وسأتناول فى مقال آخر مدى التقارب والتشابه والتطابق بين ما ينادى به «البنعلى» وما ينادى به الدكتور «القرضاوى».

3- ألحت قيادات ومشايخ الإخوان فى إيصال فكرة مفادها أن الجيش المصرى خائن لا وطنى، وانقلابى لا شرعى، وقتل الساجدين، وهتك الأعراض، وعزل الرئيس الإسلامى، وعذب دعاة الشرع وسجنهم، وحمى الخونة واللصوص، وقضى على الإسلام.. تلك كلها معتقدات مستقرة فى عقل كل إخوانى ومتعاطف معهم، بعضهم يُظهر هذا علناً، وبعضهم يقولها سراً.. والمقصود أن هذه المعتقدات هى الشرارة التى ينطلق منها القاتل لسفك دماء جنودنا الأبرار.. بعد ذلك لا تسأل عن التنظيم الذى ينتمى إليه القاتل!! بل سل عن الشرارة والمعتقدات التى انطلق منها.. (يُتبع).