ما يمكن قوله فى هجوم رفح الإرهابى (1)

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

يصنَّف الهجوم الإرهابى المسلح الذى وقع بقرية «البرث» جنوب رفح، بكونه عملية إرهابية نوعية، بالنظر إلى أعداد الإرهابيين المنفذين، وقدراتهم التسليحية المستخدمة فى العملية، بجانب المهارة والتدريب على إدارة التنسيق بين تلك الأسلحة واستخدامها بالطريقة الأمثل، التى تستهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر فى صفوف قوات التأمين. يسبق تلك المعطيات، كى يتسق وصف «النوعية» على هذا الهجوم، أنه جاء بغرض الاستيلاء على نقطة عسكرية؛ ليُعد هذا الاستيلاء (المرحلة الأولى) للعملية، حيث كان ملحقاً بها مرحلة تالية أظنها هى الأخطر، وهى التى ستتكفل بالإجابة عن أسئلة المرحلة الأولى للهجوم.

فيما بعد الحملة العسكرية التى تمت على منطقة «جبل الحلال» شهدت قدرات التنظيم الإرهابى انحساراً ملحوظاً، وانخفضت بشدة قدراته على تنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة؛ لتنعم المنطقة بفترة هدوء ملحوظة امتدت لشهور. لم يتجاوز خلال تلك الفترة مجمل الهجمات الإرهابية رقم الـ«15 عملية»، الغالب فيها كان له طابع فردى كإطلاق نيران على أفراد الشرطة، أو زرع عبوة فى طريق إحدى الدوريات الأمنية. البعض من تلك العمليات تم إحباطه مثلما حدث كـ«مرة وحيدة» عندما حاولت سيارة مفخخة اقتحام حاجز أمنى بالعريش، وتمكّن أحد جنود الشرطة من استهدافها بالتسليح الاعتيادى، وانفجرت السيارة بالعنصر المنفذ. هذا المشهد عكس بوضوح الفقر الشديد لإمكانيات التنظيم البشرية والتسليحية، ووصل على أثره العمل العسكرى والأمنى لمحطة نجاح ظاهرة لم تخف عن أعين الجميع، لكن المشهد «تعكّر» فجأة من دون مناسبة عندما تم الإعلان عن مشاركة القبائل فى مكافحة الإرهاب. حيث جاء هذا الإعلان على خلفية حوادث مسلحة جرت ما بين التنظيم الإرهابى ومجموعة من «قبيلة الترابين»، تلك الحوادث عكست حينها خلافاً حول عوائد التهريب إلى قطاع غزة، كتبت عنه فى هذه الزاوية مقالاً بعنوان «ليس أخطر فى سيناء.. من سلاح القبائل وجهاد التبغ». سجلت فى المقال تفاصيل هذا الخلاف وما استتبعه من إعلان قبائلى ألحّ إعلامياً أن يصوره كانتفاضة قبائلية شاملة ضد الإرهاب.

يمكن الرجوع إلى المقال المشار إليه، وهو موجود بموقع الجريدة، وحظى بمتابعة واسعة حينئذ، وتلقيت بسببه «للمرة الأولى» انتقاداً حاداً من قبَل بعض الأبواق الإعلامية السيناوية التى كانت غارقة حينها فى إصدار بيانات الحماسة، فى الوقت الذى استند فيه رفضى المطلق لما كان يجرى لعنصرين رئيسيين، أولهما هشاشة الوضع القبلى وتوازنات النفوذ الاجتماعى والمصالح فيما بينها، وهو الذى ثبتت صحته سريعاً بعد أسابيع من تلك الفورة، ليظل المشهد المروج له قاصراً على «قبيلة الترابين»، فيما شهد غياباً لباقى المكونات الأخرى. والثانى كان بصيغة تساؤل استشرافى مزدوج، عن تلك الصحوة التى برزت حينها فى الوقت الضائع: هل جاءت لسرقة أضواء الانتصار على الإرهاب، بعد الجهد الكبير والتضحيات التى قدمتها «القوات المسلحة» كى تنجح فى الوصول بالمشهد إلى تلك المحطة التى بدا فيها الانتصار الكامل على مسافة أمتار من هذا الإعلان المريب. والأخرى كانت تستفسر عن المسافة التى ستقطعها «قبيلة الترابين» على طريق العداء المفاجئ مع التنظيم الإرهابى، قبل أن تعود أدراجها إلى الانحياز لمعادلة المصالح التى تجنيها من الخدمات المتبادلة مع عناصر التنظيم. وواقع الأحداث التى جرت فيما بعد أجاب وحده أن المسافة المقصودة يبدو أنها لم تطُل، وربما لم تُنتج شيئاً ملموساً على الأرض، سوى مزيد من الاحتقانات القبلية المكتومة والتعقيدات التى لم تكن مبررة بالمطلق.

بالطبع تلك الإشارة السريعة للمشهد القبلى ليست ذكراً لكل ما جرى فيه، ولكنها ملمح واجب طرحه بالعودة إلى الهجوم الذى وقع جنوب «رفح» التى هى، وللمفاجأة، ليست كذلك فى قلب أراض وقرى ونفوذ تام لـ«قبيلة الترابين». هذا ما استلزم الرجوع للمشاهد التى لم يُمر عليها كثيراً، وبالضرورة تفتح تساؤلات النكوص عن تلك المقاومة المزعومة، خاصة مع هذا العدد الكبير من الإرهابيين والسيارات المدججة بالسلاح التى يقيناً لم تهبط من السماء. ليصير التعقيد الذى حذرنا منه فى المقال السابق المشار إليه حاضراً اليوم فى ساحة طرح الأسئلة التى لها علاقة بمن قدّم دعماً لوجيستياً ما، كى يتمكن هذا العدد الضخم من الوصول للنقاط العسكرية المستهدفة، وهى حلقة وجوبية من حلقات تنفيذ العملية لا غنى عنها. ومكمن التعقيد هنا أن التساؤل صار مفتوحاً على اتساع هائل واحتمالات متناقضة ومتضاربة فى آن واحد.

فهل مَن تورط فى تقديم هذا الدعم من «الترابين»، حيث يُعد ارتداداً عما أعلنوه من الانحياز لقوات الجيش والأمن، بعد أن وجدوا أن المصالح مع التنظيم تدر ربحاً ونفوذاً أغلى ثمناً من هذا الانحياز المؤقت؟ أم أن المتورط من «الترابين» فعلاً لكنه جناح داخل القبيلة قام به بقصد ضرب هذا الانحياز المستجد، الذى فُرض من بعض الشخصيات المعلومة بالاسم، وتم جر باقى القبيلة إليه، مما تسبب فى الإضرار بمصالحها؟ وعليه قام بذلك، خاصة أن العملية تمت على أرضهم وبين ظهرانيهم، وهم الأقدر على هذا التلاعب. كلا الاحتمالين قائم بذات النسبة، لكن من تعقيد الواقع أنهما ليسا وحدهما، بل تتشارك معهما احتمالية قيام قبيلة أخرى بهذا التورط متعمدة تنفيذه على أرض «الترابين»، فالحدود ما بين نفوذ القبائل على الأرض غائمة وسائلة بالقدر الذى يمكن معه التخطيط لضرب مكاسب ونفوذ «الترابين» مع سلطات الدولة، بالأخص عندما تكون الأحداث قد استبعدت هذا الطرف الآخر الذى وجد نفسه «مهمشاً» من الطرفين. وليس بالضرورة أن يكون هذا الآخر قرار «قبيلة» كاملة، فيكفى البعض منهم أن يجلس بعيداً يرقب «الغبن» الذى وقع عليه وعلى عشيرته، ليتقدم مستهدفاً نقض هذا الغزل.

نستكمل الجوانب الأخرى لما تم فى هذا الهجوم الأسبوع المقبل إن شاء الله.