نقابات أطباء مصر

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

أعتقد أن «أبقراط» لو علم ما سيفعله أطباء مصريون فى التعامل مع مرضاهم فربما كان قد تراجع عن كتابة القسم الأبقراطى الشهير أو على الأقل طلب عدم استخدامه فى مصر.

القسم الإنسانى الذى يردده الأطباء فور تخرجهم وقبل تسلمهم وظائفهم يقول فى أجزاء منه: «أصون حياة الناس فى كافة أدوارها فى كل الظروف والأحوال باذلاً وساعياً فى استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق».

مشكلة «أبقراط» أنه لم يتوقع تدهور نفوس البشر بهذه الطريقة، وأن أطباء سيهتمون بجمع المال ولو على حساب «استنقاذ الروح من الألم والهلاك من المرض»، ويعتبرون المريض نشاطاً تجارياً وليس مهنة إنسانية.

فى مصر نقابة الأطباء لا تتدخل فى شئون الأطباء وهم ينحرون المرضى برسوم مذهلة للكشف الطبى وبأساليب جديدة وتفاصيل مذهلة لزيادة دخولهم على حساب الناس، والنقابة لا تتدخل فى تصرفات الأطباء داخل المستشفيات الخاصة لأنها لا يحق لها التدخل فى هذه المستشفيات، والنقابة، وهذا هو الأهم، يقتصر دورها على حماية حقوق العمل للأطباء، رغم أننا نرى النقابة وهى تتدخل فى شئون السياسة العامة للدولة ولم تعتبر نفسها هيئة لحماية علاقات العمل.

أتذكر واقعة لامتناع مستشفى عن صرف مسكنات لمريض عقب مغادرته غرفة العمليات، ورفض الطبيب المسئول التدخل إلا بعد سداد رسوم غير مستحقة، وكان رد مسئول بالنقابة: نحن لا يحق لنا التدخل فى شئون المستشفيات الخاصة، وفى المقابل فإن النقابة تتدخل وبضراوة فى شئون المستشفيات الحكومية من خلال الأطباء لفرض ما تعتبره ضمانات عمل حتى ولو كانت غير ذلك.

مشكلة نقابة الأطباء مثل أغلب النقابات فى مصر التى تُغلب مصلحة أعضائها على مصالح الوطن وجموع الشعب، ولا أعلم من يحمى حقوق المرضى فى العيادات والمستشفيات العامة والخاصة، ولماذا يغطى نشاط النقابة كل حقوق الأطباء ولا يتناول مواجهة تصرفاتهم تجاه حقوق المرضى، كما نص عليه قسم «أبقراط»، فقط إجابة عن سؤال: هل أسعار الأطباء فى العيادات والمستشفيات الخاصة تتوافق مع ارتفاعات الأسعار؟ وهل يجوز أساساً التعامل مع المرضى بمنطق السلعة التجارية؟

لا يتوقف الأمر عند نقابة الأطباء، بل يتجاوزه مثلاً إلى نقابة أطباء الأسنان التى يفرض أعضاؤها شروطاً -وأنا أقصد الكلمة- قاسية منها إلزامه بسداد قيمة كشف فى أغلب الحالات لا لزوم له، ورفع أسعار العلاج بصورة مذهلة تتجاوز القدرة على التخيل، مثلاً قيمة «حشو ضرس عقل» يبلغ الآن ألف جنيه فى منطقة تنتمى إلى الطبقة الوسطى!!

وتسأل النقابة عن دورها فى حماية المرضى من انفلات الأطباء فى تحديد أسعار الفحوصات الطبية؟ يأتيك الرد نحن غير معنيين بذلك، وهذه الأمور تتجاوز صلاحياتنا.

الحقيقة أننا أمام ظاهرة فى منتهى الخطورة، فعلاج الشعب مسألة أمن قومى، ليست ادعاءً ولا مبالغة وإنما هى كذلك، وتفضيل المصالح الفردية والشخصية وسياسة جمع المغانم سيترك آثاراً سلبية عميقة على المجتمع فى ظل إهمال حقوق المرضى وغض النقابات الطرف عن أداء أطباء أحالوا المرضى من حالات إنسانية إلى سلعة تجارية لتحقيق الأرباح والمكاسب.

دور النقابات قبل إبداء الرأى فى قضايا الوطن يجب أن يحقق التوازن بين حقوق أعضائها وبين حقوق الناس، خصوصاً فى قضايا أرواح البشر، رحم الله «أبقراط» الذى قال: «أن أثابر على طلب العلم وأسخره لنفع الإنسان لا لأذاه»، والأذى طبعاً متنوع.