يعيش مع أسرته أوضاعاً صعبة فى ظل الإصلاح الاقتصادى وزيادات الأسعار المستمرة

كتب: عبدالفتاح فرج

يعيش مع أسرته أوضاعاً صعبة فى ظل الإصلاح الاقتصادى وزيادات الأسعار المستمرة

يعيش مع أسرته أوضاعاً صعبة فى ظل الإصلاح الاقتصادى وزيادات الأسعار المستمرة

لحية سوداء كثيفة، تغطى معظم ملامح الوجه الدائرى الذى يعلوه شعرٌ تراجع للخلف كثيراً بفعل مرور السنين وعوامل الوراثة، يُلقبه زملاؤه بـ«الشيخ أشرف»، نظراً لهدوئه وتدينه، يعيش أشرف محمد، 45 سنة، فى أحد شوارع منشية البكارى، بالجيزة فى شقة متواضعة، ورثها عن والده، مع أسرة مكونة من 8 أفراد، بالإضافة إلى والدته المسنة. «الوطن» قضت معه يوماً كاملاً لرصد تأثير ارتفاع الأسعار على أسرته، وأهم الأشياء التى يعانى منها يومياً.

تعود جذور أشرف، الذى بدأ يومه بخبر وفاة أحد زملائه بمدرسة منشية البكارى الثانوية، إلى أب مولود فى قرية ميت الخولى، مركز منية النصر، محافظة الدقهلية، قبل أن ينتقل للعيش فى مدينة السلام بالقاهرة التى قضى طفولته وشبابه فيها، وتخرج فى الثانوية الصناعية، وحصل على مؤهل فوق متوسط، من المعهد الفنى الصناعى فى بداية التسعينات من القرن الماضى، «أبويا كان عنده محل بقالة وكنت باشتغل معاه، لكن بعد ما اتجوزت فى سنة 1995 سبنا المحل ونقلنا لمنطقة منشية البكارى بالجيزة، فى بداية الألفية الجديدة، ومن ساعتها وأنا متبهدل فى الشغل».

{long_qoute_1}

بعد انتقال أشرف إلى منشية البكارى عمل فى شركات كثيرة بمدينة السادس من أكتوبر براتب شهرى قيمته 250 جنيهاً فقط، رغم إنجابه 4 أطفال، وظل على هذا الوضع سنوات عديدة حتى انتقل إلى العمل فى شركة تصنيع أجهزة تليفزيون براتب 650 جنيهاً فى عام 2010، وظل بها حتى اندلاع ثورة 25 يناير التى تسببت تبعاتها فى تعثر الأوضاع الاقتصادية للكثير من المصانع المصرية التى سرحت آلاف العمال وكان من بينهم أشرف.

يفضل أشرف الحديث عن أوضاعه الاقتصادية الصعبة بعيداً عن البيت المزدحم بالأبناء، محاولاً إبعادهم عن المقابلة الصحفية لعدم إحراجهم وفقاً لتعبيره، «بعد الثورة الدنيا كانت ملخبطة معايا جداً، يوم شغال و10 لا، والمصاريف كانت بتزيد وبتتراكم عليّا، لحد ما رحت اشتغلت أمين معمل فى مدرسة ثانوية بنظام العقد، فى 2013، وكنت باقبض 650 جنيه فى الشهر أول ما اشتغلت، لكن بعد ما زودونا بقيت أقبض 800 جنيه»، يقول أشرف إنه لا يخضع لتطبيق الحد الأدنى للأجور الذى يبلغ 1200 جنيه، لأن المسئولين يقولون إنه ليس على قوة موازنة الدولة بل على قوة الصناديق الخاصة، «بيقولوا انتوا متأمن عليكم لكن أنا مش عارف وكل ما نطالبهم بزيادة يقولوا لسه ما اتنقلتوش على موازنة الدولة، عشان كده قلت أشتغل شغلانة تانية عشان أقدر أصرف على أولادى اللى كلهم فى التعليم، واشتغلت فعلاً موظف أمن فى مول فى الطالبية هرم، وكنا بنقبض 1000 جنيه، عن 8 ساعات شغل يومياً، من الساعة 11 مساء إلى 7 صباحاً، ومكنتش باقدر أنام بعد كده عشان كنت بروح المدرسة فى الفترة المسائية من الساعة 12 إلى الساعة 5، يدوب كنت بروح أخطف ساعتين نوم قبل ما أروح الشغل، اللى بأفضل فيه لحد الصبح، وكنت طول الوقت عايش فى دوامة أو ساقية لا تنتهى».

معاناة أشرف فى الجمع بين عملين استمرت 3 سنوات كاملة، قبل أن يتم طرده من العمل الليلى، بصحبة 5 من زملائه بعد إلحاحهم الشديد على رفع المرتب، «كنت عايش بـ1800 جنيه فى الشهر، ويدوب كان بيكفينى ودلوقتى عايش بـ800 جنيه، طبعاً مش عارف أعيش بيهم أسبوع واحد بسبب تعليم العيال ومصاريف الأكل والشرب».

{long_qoute_2}

والدة أشرف المسنة اختارت العيش معه فى شقته بمنشية البكارى، وهى لا تمثل عبئاً عليه لأنها تتقاضى معاشاً شهرياً، بل وتقوم بالوقوف بجانبه عند اشتداد أزماته المادية إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لأنها تتكفل بالإنفاق على علاج نفسها، «ما بحاولش أتقل عليها لأنها بتصرف على نفسها، لكن لو هى ميّلت عليّا وادتنى فلوس مرة، ما برضاش أطلب منها تانى، كتر خيرها بتصرف على نفسها»، لكن أكثر ما يؤرق «الشيخ أشرف» حالياً هو مستقبل ابنته الكبرى، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية البنات جامعة عين شمس، «بنتى ما دفعتش المصاريف بقالها 3 سنين، ومطالبة بسداد 2500 جنيه، وكانوا هيمنعوها السنة دى من دخول الامتحان، عشان ما دفعتش المصاريف، لكن بعد مقاومة وتصميم دخلت الامتحان، ولو فيه أى ورقة أو طلب عاوزة تمضى عليه من الكلية ما بيرضوش عشان ما دفعتش المصاريف، طلبنا منهم يعطونا جواب للشئون الاجتماعية لإعفائنا من المصاريف أو تخفيضها وبرضه ما وافقوش، وأنا مش عارف بصراحة أعمل معاها إيه، حظها كده معايا، وغصب عنى، أنا كان نفسى أدفع لها المصاريف عشان تبقى زيها زى زمايلها وما تبقاش محرجة أو حد من الموظفين يجرحها بكلمة، بتصعب عليّا الصراحة ونفسى أجيب لها اللى هى عايزاه، لكن العين بصيرة والإيد قصيرة، والبنت كتر خيرها حاسة بظروفى وما بترضاش تطلب منى إلا الحاجات الضرورية، لأنها الكبيرة كمان والابن أو البنت الكبيرة بيكونوا أكتر ناس بيحسوا بأبوهم وبيكونوا قريبين منه عكس الأطفال الصغيرة».

يضيف «أشرف» بنبرة منخفضة ممزوجة بالحزن «بنتى دلوقتى داخلة رابعة كلية، واتقدم لها من كام شهر عريس، والموضوع أرقنى نفسياً وكان مطير النوم من عينى، أنا دلوقتى مش قادر على تعليمها هى واخواتها هجهزها إزاى، افرض العريس ده كان جاهز، وأخدنا مهلة سنة أو سنتين برضه مش هقدر أجهزها فى المدة دى، لو كنت أقدر على جهازها كنت سددت الديون اللى عليّا 7 آلاف جنيه، لأنى كنت باستلف من بعض جيرانى وزمايلى فى المدرسة».

يتابع «أمين معمل» مدرسة منشية البكارى الثانوية، بنبرة مرتفعة ممزوجة بالغضب «أنا بحب الشغل ومبحبش قعدة البيت، ولولا إنى قاعد فى شقة أبويا كان زمانى دلوقتى باشحت فى الشارع، لأن إيجار الشقة ميزانية تانية لوحدها، وعلى قد ما أقدر ما بصرفش كتير، مصاريفى الشخصية ضعيفة قوى، جيبى بيكون فيه فلوس على قد المواصلات بس، 20 أو 30 جنيه بالكتير، لا أدخن ولا أشرب الشيشة، ولا باقعد على قهاوى، إلا إذا كان فيه ماتش مشفر للنادى الأهلى أو المنتخب»، لا يتذكر «أشرف» آخر مرة قام فيها بقضاء إجازة ترفيهية مع أبنائه، بسبب الضغوط الاقتصادية المستمرة، وارتفاع أسعار المواصلات «فى عيد الفطر اديت لاتنين من ولادى 30 جنيه عشان ينزلوا يتفسحوا، لما وصلوا منطقة الطوابق فى شارع فيصل كانوا صرفوا 20 جنيه بس على المواصلات ما بين توك توك وعربيات نقل ركاب، وقالوا لنفسهم مش هنعرف نروح فى أى حتة تانية، ورجعوا على البيت تانى، شوف بقى لو أنا أخدت معايا الست عيال، ورحنا التحرير مثلاً هنصرف مواصلات قد إيه، بعد رفع سعر الأجرة، ده أنا عشان أروح الشغل الصبح فى المدرسة باخدها مشى عشان أوفر أجرة التوك توك، وقبل العيد ما جبتش هدوم جديدة للعيال باستثناء الطفلين بتوع الابتدائى عشان هما بيحسوا بفرحة العيد والباقيين كبروا شوية مش هتفرق معاهم لو ما جابوش فى العيد، نزلت أشترى لقيت الطقم الواحد أقل حاجة بـ250 أو 300 جنيه، الناس هتعمل إيه فى الظروف اللى زى دى هتسرق أو تموت يعنى»، يُرجع أشرف ظهره للخلف على كرسى أحد مقاهى منشية البكارى، ثم يتنهد طويلاً ويقول بصوت مرتفع «عندى بنت تانية رايحة 3 ثانوى، وواحدة تالتة رايحة 2 ثانوى، وانت عارف أسعار الدروس الخصوصية، الحصة الواحدة كانت بـ50 جنيه، وقبل الامتحانات كانت لازم تحجز قبلها بأسبوع، ده غير الملازم اللى بيشتروها، وعندى ولد فى 3 إعدادى، وولد وبنت فى الابتدائى، عندى ولدين و4 بنات، والحد الأدنى اللى الواحد ممكن يعيش الآن فى الظروف الصعبة إلى احنا فيها مش أقل من 3 آلاف جنيه، عشان الواحد يعيش على حد الكفاف وليس التمتع بالحياة، أنا مش عارف هفضل كده لحد إمتى، عايش عالسلف وتراكم الديون»، يعترف أشرف بأنه لم يقم بشراء كيلو لحمة واحد من أى محل جزارة منذ سنوات، وأنه يقوم بشراء اللحوم من سيارات الجيش والتموين بجانب الدواجن الحية والمستوردة «أنا بصراحة ما بحسش إنى أكلت لحمة غير فى عيد الأضحى عشان أهل الخير بيوزعوا علينا، لكن لو رحت اشتريت كيلو اللحمة النهارده بـ120 أو 130 جنيه من عند الجزار، مرتبى هيتبقى منه كام، وبعدين الكيلو مش هيكفى 9 أفراد، مرتبى كله على بعضه ما يجيبش 6 كيلو لحمة، أنا آخر مرة اشتريت فيها حاجة لنفسى كان من 3 سنين لما اشتريت قميص جديد، باستخسر فى نفسى الحاجة عشان العيال، ده أنا نفسى أشترى جزمة من فترة ولما بشوف الأسعار باكتفى بالفرجة بس، ونفسى أجيب تليفون جديد لبنتى اللى فى الكلية عشان تبقى زى زمايلها مش عارف، مش مهم أنا المهم العيال تبقى مبسوطة، ده حتى لو فيه توك توك أقدر أشتغل عليه بعد الشغل براحتى يبقى كويس، أى شغلانة حلال أقدر أصرف منها على عيالى».

وعن زيادة دعم بطاقة التموين يقول الرجل الأربعينى؛ «دعم الفرد كان بـ21 جنيه، يعنى زجاجة زيت وكيس سكر، وبعد الزيادة بقت 2 كيلو سكر وزجاجتين زيت وده كويس طبعاً، لكن أنا بطاقتى كان فيها 6 أفراد وبدون مبرر سقطوا اسمين، وكل ما أروح لهم فى التموين يقولوا هنرجعهم، طبعاً الاسمين اللى سقطوا فرقوا معانا فى التموين اللى بنعتمد عليه فى السكر والزيت والعيش، لكن البطاقة ليست سحرية وبتشترى كل حاجة، يعنى بنشترى الرز والمكرونة واللحمة والفراخ والبيض والخضراوات من بره وأسعارها كل يوم بتزيد عشان ارتفاع سعر النقل».

يختتم أشرف حديثه قائلاً «مراتى هى كمان تعبانة وكان عندها جلطة فى المخ واتعالجت منها وبتعانى من مرض الضغط، وطبعاً الله يكون فى عونها، شايلة حمل تقيل والضغوط الاقتصادية اللى بمر بيها بتأثر عليها، نفسها تعيش كويس والدخل مش مكفى، واحنا مش بس لوحدنا على الوضع ده، فيه آلاف وملايين زينا كده».


مواضيع متعلقة