ابتسامة العيد.. فرحة مؤقتة أم سعادة دائمة؟

ترتبط الأعياد بمظاهر التعبير عن الفرحة والبهجة. ويعتبر عيد الفطر المبارك مناسبة لإظهار الفرح والسرور. وفى ذلك، يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه. وفى رواية أخرى: «للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح، وإذا لقى ربه فرح بصومه»، أما فرحه يوم يفطر: بأن الله أعانه على أن صام هذا الشهر، فإذا دخل شوال، انتهى الصيام وبقى الأجر والغفران. وقال الحافظ بن رجب: أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك فى وقت من الأوقات، ثم أبيح لها فى وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً.

ويشرع فى يوم عيد الفطر التوسعة على أفراد الأسرة وإظهار الفرح والسرور، خصوصاً للنساء والأطفال، لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، أقام عائشة وراءه، وجعل خدها على خده، وجعلها تنظر لأهل الحبشة وهم يلعبون (رواه البخارى). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «إظهار السرور فى الأعياد من شعائر الدين» (فتح البارى: 2/57).

ولا يستقيم إظهار الفرح والسرور مع استمرار المسلم فى الصيام يوم العيد. ولذلك، يسن المبادرة إلى الفطر، استجابة لأمر الله، حيث حرم صوم يوم العيد إجماعاً، فالسنة أن يفطر المسلم يوم عيد الفطر قبل أن يذهب للمصلى، فعن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً (متفق عليه).

ويسن للمسلم أن يتجمل للعيد وأن يلبس أحسن الثياب، لأن الفاروق عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أخذ جبة من استبرق، وقال للنبى، صلى الله عليه وسلم: ابتغ هذه تجمل بها بالعيد والوفود، وأقره النبى، صلى الله عليه وسلم، فى التجمل بالعيد بأحسن الثياب، وإنما أنكر نوع الثوب وهو كونه حريراً (رواه البخارى).

وحتى تكتمل فرحة المجتمع فى عيد الفطر، فرض الشارع الإسلامى زكاة الفطر، مبيناً العلة فى ذلك بقوله: «أغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم» (حديث نبوى شريف). وعن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين (رواه أبوداود). وهكذا، يتعين على المجتمع إغناء الفقراء عن الحاجة للطعام فى يوم عيد الفطر، حتى يتسنى لهم مشاركة المسلمين أفراحهم.

وإذا كان عيد الفطر مناسبة لإظهار الفرح والسرور، فهو يشكل فرصة للتدريب على سلوكيات السعادة الدائمة التى لا ترتبط بأيام الأعياد. ولن يتحقق ذلك سوى من خلال نشر ثقافة الإيجابية والتفاؤل والابتسامة الدائمة والإيثار وحب الغير، واعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من منهاج المسلم. وفى ذلك، يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «تبسمك فى وجه أخيك صدقة». وعن عبدالله بن الحارث رضى الله عنه، قال: «ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله، صلى الله عليه وسلم» (رواه الترمذى). ويقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه». وإذا كانت هذه الأحاديث النبوية تقرر واجب المسلم نحو غيره، فإن حديثاً آخر يقرر واجب المسلم تجاه ذاته، وبحيث يتعين عليه أن يتحلى بالأمل والتفاؤل وعدم القنوط أو اليأس. فقد ورد فى الحديث القدسى المشهور الذى رواه البخارى ومسلم: «أنا عند ظن عبدى بى».

وبذلك، يتحول كل فرد منا إلى طاقة نور وإشعاع ومصدر للسعادة للآخرين، فقد ثبت أن الضحك والسرور ينتقلان بالعدوى. ويمكن الاستدلال على ذلك بنوادى الضحك فى دولة الهند، حيث تدخل وتجد الكل يضحك دون سبب، وتجد نفسك بعد دقائق تضحك معهم دونما سبب، فلنحرص إذن على أن تعلو الابتسامة والضحكة الصافية على وجوهنا، وأن نرسمها بالتالى على وجوه الآخرين. والمأمول هو أن يكون عيد الفطر مناسبة لتعلم السعادة الدائمة، والتدريب على الإيجابية فى تصرفاتنا، وليس مجرد فرصة للفرحة المؤقتة التى تزول بانتهاء أيام العيد...