وانطلق مدفع الإفطار فى «رمسيس».. «الميدان يسع من الصايمين ألف»
«محمد» يوزع حبات التمر على الصائمين فى «رمسيس»
«وانطلق مدفع الإفطار، حان الآن موعد أذان المغرب، حسب التوقيت المحلى لمدينة القاهرة».. جملة ينتظر الصائمون سماعها يومياً عبر ميكروفونات مسجد الفتح بميدان رمسيس، يَعقبها رفع مؤذن المسجد لأذان المغرب، ليستمع إليه عشرات المُنتظرين فى ساحات ميدان رمسيس، ما بين أسر كاملة، وصُحبة شباب، وبائعين، وبعض أفراد الشرطة الذين يقضون خدمتهم داخل ساحة الميدان أمام مأكولاتهم ومشروباتهم، فيهرولون لكسر صيامهم على بعض حبات التمر، وأكواب العصير التى يقوم بتوزيعها مجموعة من الشباب على كل من يمر بالميدان قبيل رفع أذان المغرب ببضع دقائق، ويستمرون فى ذلك، لبضع دقائق أخرى بعد رفع الأذان.
محمد العشرى، شاب عشرينى، صاحب عمل خاص بالقرب من ميدان رمسيس، اعتاد منذ شرائه لمكتبه المطل على الميدان، منذ خمس سنوات، على النزول بـ«علبة بلح»، قبل رفع أذان المغرب، والمرور على الجالسين فى حدائق الميدان لإعطائهم «تمرة يكسروا بيها صيامهم»، دون أن ينقطع عن تلك المهمة إلا فى حالة وجود عزومات عائلية داخل منزله، عندها يوكل أحد العاملين معه فى المكتب للتوزيع بدلاً منه.
يقول «العشرى» إنه يأمل من ذلك الحصول على أجر إفطار صائم، ولكن الأمر تحول عنده من عادة يومية إلى روحانيات ينتظرها من العام إلى العام، حيث يجد لذة إيمانية خاصة تدخل قلبه، عندما ينزل بنفسه ليعطى من يجلس بالميدان منتظراً صوت الأذان، لا يعرف إن كان غنياً أم فقيراً، فالأمر عنده أبسط من ذلك، لا يحكمه فيه سوى ابتسامة من يأخذ منه، وهو يردد دعوة «ربنا يكرمك يا بيه»، وبنفس الابتسامة، يواجهه بها، من حصل على تمرة أو كوب عصير من غيره، من «شباب الخير» الذين يملأون شوارع مصر كلها فى رمضان، وليس الميدان فقط، مرددين عبارة «معلش خدنا من غيرك، كل سنة وانت طيب».
عمل الخير، من وجهة نظر الشاب العشرينى، لا يقتصر على رمضان دون غيره، ولكنه يرى أن للخير مواسم، وللروحانيات أيضاً، وشهر رمضان كله نفحة خير وبركة، لذلك ينهى مهمته فى توزيع التمر على الجالسين فى الميدان، ويذهب للمساهمة فى «التخديم» على ضيوف إحدى موائد الرحمن القريبة من مسجد الفتح، والتى يشرف عليها مجموعة من أهل الخير.
على العشب الأخضر بحديقة الميدان، وضع مجموعة من المواطنين علب كشرى، وأطباقاً مغلفة بورق حرارى، بجوار زجاجات مياه مثلجة وبعض أكواب العصائر على بعد خطوات من سيارات الأجرة المتراصة خلف بعضها فى خط مستقيم، خشية من رجل المرور الذى وقف وسط السيارات يحذرهم: «محدش يخرج عن الصف يا أسيادنا، الجو صيام، ومش عاوز أسحب رخص حد»، فينادى سائقوها على زبائنهم للذهاب بهم إلى «العتبة، أو التحرير، أو عبود، والإسكندرية»، وغيرها من الأماكن.
تامر الزناتى، صاحب محل عصائر يقع بناصية أحد الشوارع المطلة على الميدان، منذ الصباح الباكر، يعمل مع عمال المحل الأربعة فى تجهيز عصائر التمر والمانجو والبرتقال، مع زجاجات المياه المعدنية بأحجامها المختلفة، لبيعها حتى الدقائق القليلة التى تسبق صوت الأذان، ومع رفع الأذان تحول هو ومن معه فى المحل للعمل فى توزيع العصائر على المارين بالميدان، دون الحصول على مقابل مادى: «شوية العصير اللى بنوزعهم دول بركة رمضان، ويمكن ربنا بيسترها معانا طول السنة علشان دعوة صايم بيدعيهالنا وهو بياخد مننا كوباية العصير علشان يجرح صيامه».
اعتاد الرجل الخمسينى على قضاء لحظة الإفطار فى الميدان منذ ما يزيد على 35 عاماً، هى فترة عمله بمحلات العصير فى المنطقة، لذلك فهو يرى أن «الناس اللى بتفطر فى بيتها وبتقفل على نفسها الباب قبل المغرب بساعة واتنين، مايعرفوش حاجة عن رمضان، شهر الصيام كله هنا، فى وشوش الناس المستعجلة، والناس التعبانة، والناس اللى ملحقتش مواصلاتها وناموا على الأرض لحد ميعاد المواصلة التانية بعد المغرب، وأصحاب الفرشات، اللى بيسيبوها ويتجمعوا فى أى ركن يفطروا مع بعضهم من غير ما يخافوا على حاجتهم، وراجل الشرطة اللى بيفطر جنب السواق اللى متخانق معاه قبلها بخمس دقايق من الأدان».