مشوار طويل لجامعة القاهرة فى كشف الآثار منذ عهد طه حسين حتى «حفائر دهشور»

مشوار طويل لجامعة القاهرة فى كشف الآثار منذ عهد طه حسين حتى «حفائر دهشور»

مشوار طويل لجامعة القاهرة فى كشف الآثار منذ عهد طه حسين حتى «حفائر دهشور»

لم يكن الكشف الأثرى العالمى الذى أعلن عنه الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، والدكتور خالد العنانى وزير الآثار، فى تونة الجبل بالمنيا، أول الاكتشافات الأثرية المهمة التى تقف وراءها سواعد وعقول علماء كلية الآثار جامعة القاهرة، كما لم يكن الكشف وليد الأمس، فتاريخ حفريات كلية الآثار بمنطقة تونة الجبل ممتد منذ 1931 حين وافق عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين، وكان وقتها يشغل منصب عميد كلية الآداب، على تخصيص مبلغ 500 جنيه للكشف عن جانب من آثار منطقة الأشمونين بمحافظة المنيا، يقوم بها سامى جبرة، أحد رواد علم الآثار، فتوجه إلى منطقة تونة الجبل، وظل يعمل فى الحفائر بها لمدة أكثر من عشرين عاماً حتى تمكن من العثور على مدينة كاملة وسراديب تحت الأرض.

{long_qoute_1}

كما كشف «جبرة» عن وثائق مهمة ونصوص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالإله تحوت، أثبت فيها توصله إلى مبدأ التوحيد قبل إخناتون، ولقد لقى هذا العمل مؤازرة كبيرة من الدكتور طه حسين حتى إنه كان يزوره كثيراً فى منطقة تونة الجبل، واتخذ له فى هذه المنطقة استراحة خاصة به، وما زالت هذه الاستراحة قائمة حتى الآن. ثم قام بنشر نتيجة أبحاثه فى كتاب صدر باللغة الفرنسية، وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمته إلى اللغة العربية ونشره تحت عنوان «فى رحاب المعبود توت» وكان ذلك عام 1971.

وكانت حفائر دهشور آخر ما قام به، وفى الثمانينات كانت بداية حفريات كلية الآثار بمنطقة سقارة الأثرية، التى بدأها الدكتور سيد توفيق، العميد الأسبق لكلية الآثار، وأسفرت عن كشف أربع وثلاثين مقبرة أثرية بسقارة. وامتدت اكتشافات كلية الآثار بمنطقة سقارة ولكن تلك المرة فى القرن الحالى حين نجحت بعثة كلية الآثار العاملة فى سقارة تحت رعاية الدكتورة علا العجيزى عن اكتشاف مقبرة ضخمة للقائد العسكرى والكاتب الملكى «بتاح مس» وذلك خلال موسم الحفائر الثانى للبعثة العاملة فى جبانة كبار رجال الدولة جنوب الطريق الصاعد لهرم الملك أوناس بمنطقة سقارة.

وترجع المقبرة للنصف الأول من الأسرة التاسعة عشرة (1320- 1200 ق.م)، وتعتبر من أطول المقابر المكتشفة، ويصل طولها إلى نحو سبعين متراً وتتجه من الشرق إلى الغرب، وهى مصممة على شكل المقابر التى سادت عهد العمارنة ونهاية الأسرة الثامنة عشرة (1370 ق.م) بمنطقة سقارة، وتشبه فى تصميمها مقبرة «بتاح أم ويا» حامل الختم الملكى فى عصر الملك إخناتون، وتقلد صاحب المقبرة عدة مناصب، منها: «الأمير الوراثى والكاتب الملكى والمشرف على معبد بتاح معبود مدينة منف وقائد الجيش والمشرف على شونة الغلال والمشرف على الخزانة».

{long_qoute_2}

وفى المنطقة نفسها، أسفرت حفريات الكلية عن اكتشاف عدة لوحات جنائزية منها لوحة نذرية غير مكتملة النقش، وصور عليها ثالوث طيبة آمون وموت وخنسو ويظهر صاحب المقبرة وعائلته وهم يتعبدون، وهذا يشير إلى العودة لعبادة إخناتون الدينية التى دعا فيها إلى عبادة الإله آتون. كما عثر فى الرمال على قطع متعددة من أجزاء من تماثيل لصاحب المقبرة وزوجته، أهمها رأس تمثال ملون ربما لزوجته أو لإحدى بناته، كما عثر على جزء كبير سفلى لتمثال جالس بالحجم الطبيعى خاص بـ«بتاح مس» ومثبت فى الأرضية أمام إحدى المقاصير، فضلاً عن العثور على بعض الأوانى الفخارية وتماثيل الأوشابتى والتمائم الجنائزية التى تمثل عين حورس وبعض المعبودات ومصنوعة من الأحجار شبه الكريمة ومائدة للقرابين، كما تم العثور على بقايا مناظر جدارية مثبتة فى مكانها تصور أجزاء من رحلة المتوفى وعائلته للصيد فى أحراش الدلتا للطيور والأسماك.

من جانبها أشارت د.هبة مصطفى، نائب رئيس البعثة والمسئولة عن النشر العلمى، إلى أن هذه المقبرة قد استخدمت أعمدتها فى تشييد الكنائس خلال العصر المسيحى، وتعرضت للسرقات منذ القرن التاسع عشر، حيث قطع جدار المقبرة إلى أجزاء صغيرة، وبالفعل يتم العثور على بعض هذه القطع ضمن المخلفات الموجودة داخل المقبرة، ويجرى حالياً تجميع هذه القطع المكتشفة وتسجيلها وترميمها وتجميعها عن طريق البرامج التكنولوجية الحديثة مع الحاسب الآلى لمعرفة أماكنها الأصلية فى جدران المقبرة قبل هدمها أو تقطيعها من قبل السارقين.

كما عثر فى 2005 على تابوت فى بئر على عمق 12 متراً وحدد عمر التابوت من خلال العثور على مصباح حجرى عليه نص مكتوب باللغة الديموطيقية. ويخص التابوت أم كاهن الملك منقرع وعثر على عدد من القبور التى تعود إلى الأسرة 27، وآثار أخرى تعود لعصور سابقة عليها فى بئر دفن مقبرة «حوى نفر» التى يرجع تاريخها إلى عصر الأسرة 19 أى إلى نحو 1300 سنة قبل الميلاد. يبلغ طول ضلع بئر الدفن مترين وعرضها 1٫5 متر، وبها عدة دفنات على أعماق مختلفة تبدأ من عمق 7 أمتار ونصف المتر وتنتهى على عمق يقرب من 30 متراً. وتحتوى البئر على عدة فتحات فى الاتجاهات المختلفة وتشير الدفنات التى عثر عليها إلى أن المقبرة التى استخدمت فى عصر الأسرة 19 قد تم استخدامها فى العصور اللاحقة. واعتبرت «العجيزى» أن من أهم القطع الأثرية التى عثر عليها أيضاً لوحات حجرية كانت تخص المجموعة الهرمية للملك زوسر (2687 - 2668 قبل الميلاد) من الأسرة الخامسة أعيد استخدامها فى بناء جدران البئر.

وخلال أعمال بعثة كلية الآثار جامعة القاهرة جنوب الطريق الصاعد بهرم الملك أوناس بمنطقة سقارة‏ عثرت البعثة الأثرية لكلية الآثار برئاسة الدكتورة علا العجيزى على مجموعة من التوابيت الخشبية الملونة التى لم يتم فتحها من قبل وترجع للعصور المصرية المتأخرة من القرن السادس قبل الميلاد وهى خاصة ببعض الكهنة وكبار الموظفين وعثر أيضاً على أوانٍ ملونة للأحشاء وصندوق خشبى وبقايا التابوت الخشبى الملون للمدعو ماعى الكاتب فى دار الحق من عصر الملك رمسيس الثانى من الأسرة التاسعة عشرة ‏(1304‏ ق‏.‏م‏/1237‏ق‏.‏م‏).‏

وفى مايو 2014 أعلن عن اكتشاف بعثة كلية الآثار العاملة فى سقارة لمقبرة أثرية تخص رئيس سجلات الجيش، باسر، فى الأسرة العشرين من الدولة المصرية الحديثة فى التاريخ الفرعونى، «عصر الإمبراطورية»، جنوب الطريق الصاعد لهرم «أوناس»، المجاور لهرم «زوسر» بمنطقة سقارة الأثرية، وكان الكشف واحداً من أهم الاكتشافات لمقبرة كاملة النقوش والزخارف، وبحالتها الأصلية وبألوانها الزاهية، ليس ذلك فقط بل لكونها على هيئة معبد فى الوقت نفسه، وهو ما اعتبر تراثاً جديداً من المقابر الفرعونية، المنتشر فى منطقة سقارة الأثرية، خاصة أن الحفريات بدأت فى أكتوبر لعام 2013 وبعد سبعة أشهر فقط من أعمال الحفريات، التى شارك فيها هيئة التدريس والطلاب المشاركون وعمال ورسامون، كان الاكتشاف الذى أضيف لكنوز عدة نتيجة جهود وعقول وأيادٍ مصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة.


مواضيع متعلقة