«النقشبندى».. إمام المداحين

«النقشبندى».. إمام المداحين
تحمحم الشيخ ذو اللحية الكثة القصيرة، واعتدل فى جلسته على المقعد المزخرف الوثير، مال بجذعه ميلتين خفيفتين يمنة ويسرة، بينما تحرس كفاه أذنيه، أسبل عينيه وهام فى الكلمات التى ينشدها: «يا رب صمنا فتقبل صومنا.. واملأ بخير الصالحات يومنا.. وبالأمانى صحونا ونومنا.. واهد إلى الصراط المستقيم قومنا.. والطف بنا إن شئت يوماً لومنا».
فى قرية بهامش المنصورة، قرية دميرة، ولد سيد محمد النقشبندى لأسرة من أصول أذربيجانية، انتقلت للعيش فى طهطا بسوهاج، وهناك فى طهطا حفظ «سيد» ذو الأعوام العشرة القرآن ونال تعاليم الإنشاد الدينى فى حلقات مريدى الطريقة النقشبندية، الشاب الأسمر الذى سافر إلى طنطا بالغربية سرق قلوب مستمعيه قبل آذانهم، صوته أصل القرار.. ثابت وفيه قوة ونعومة فى ذات الوقت، ذاع صيته عام 1966 وهو فى السادسة والأربعين من عمره، تهافتت على أدعيته الآذان، فصار الشيخ «الصيّيت» المنشد مطلوباً بالاسم فى بلدان المسلمين من طرفها إلى طرفها.
فى مقام البياتى الموسيقى، عزف النقشبندى بصوته أنشودته الأكثر خلوداً: «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى.. من لى ألوذ به إلاك يا سندى؟».. التوشيح الذى ملأ أثير بيوت المسلمين شرقاً وغرباً، ارتبط لديهم بشهر رمضان الكريم.. فكان ثريدهم وقت الجلوس إلى مائدة الإفطار، قرعات الطبول وهمهمات الذاكرين بإيقاع معلوم وأصوات الكورال فى الخلف تهيئ الآذان للصوت الدسم بغير سوء، صوت «أستاذ المدّاحين» وهو يتبتل: «أقوم بالليل والأسحار ساجية.. أدعو وهمس دعائى بالدموع ندى».
اسمه فى الفارسية معناه الرسام أو النقّاش، غير أن «النقشبندى» كان ينقش حب الله فى القلوب بريشة صوته، وصفو طريقته النقشبندية، إحدى الطرق الصوفية التى كان والده أحد شيوخها. مُنح وسام الدولة من الدرجة الأولى مرتين؛ الأولى من الرئيس السادات عام 1979، والثانية فى ليلة القدر عام 1989 من الرئيس السابق مبارك.
عام 1966 قُدِّر للشيخ النقشبندى أن يلتقى الإذاعى أحمد فرّاج فسجّل مع الشيخ المبتهل بعض التواشيح لبرنامجه الإذاعى «فى رحاب الله»، أُعجب «فرّاج» بالصوت المتين فسجّل للشيخ أدعية لبرنامجه «دعاء»، ومن ثم اشترك فى تسجيل حلقات تليفزيونية لبرنامج «فى نور الأسماء الحسنى».
تعاون المبتهل الشيخ سيد النقشبندى مع أباطرة الموسيقى فى ستينات وسبعينات القرن المنقضى، حيث لحن له عدد من الملحنين مجموعة من ابتهالاته، ومن بينهم محمود الشريف وسيد مكاوى وأحمد صدقى وحلمى أمين وبليغ حمدى الذى لحن له ابتهال «مولاى» الشهير.
غادر «النقشبندى» دنيانا إلى الرفيق الأعلى إثر تعرضه لأزمة قلبية منتصف فبراير من العام 1988، لكن المنشد الراحل ترك لنا مكتبة تزخر بما فيها من السبائك الصوتية، فأتم تسجيل القرآن الكريم كاملاً بتلاوة حفص عن عاصم، وساعات من الأناشيد الدينية التى بقيت علامة فى مكتبة الإنشاد الإسلامى، فضلاً عن تسجيله المميز للآذان فى مقام الحجاز.