«البدرشين»: فتحات الأسوار على شريط السكة الحديد «موت.. رايح جاى»

كتب: سارة صلاح

«البدرشين»: فتحات الأسوار على شريط السكة الحديد «موت.. رايح جاى»

«البدرشين»: فتحات الأسوار على شريط السكة الحديد «موت.. رايح جاى»

بجوار شريط السكة الحديد بمنطقة البدرشين بالجيزة، يجلس عامل المزلقان وحيداً داخل غرفته التى لا تتسع سوى لـ«مصطبة» يريح عليها جسده النحيل بين الحين والآخر، مرتدياً زيه الرسمى، واضعاً حول عنقه «صفارة»، فهى وسيلته لتنبيه المارة بقدوم القطار، بمجرد سماع صوت الجرس، يهم مسرعاً ناحية «الحاجز الحديدى» لإغلاقه بإحكام، خوفاً من تخطى سائقى «الموتوسيكل» و«التكاتك» المزلقان لحظة قدوم القطار.

«بعمل اللى عليا وبقفل المزلقان قبل ما القطر ييجى بمدة، لكن الناس ماعندهاش صبر إنها تستنى وبتحاول تعدى»، يقولها الرجل الأربعينى، الذى طلب عدم نشر اسمه، مشيراً إلى أنه يتعرض كثيراً لمشادات كلامية مع بعض المارة بسبب عبورهم شريط السكة الحديد رغم تشغيل جرس الإنذار: «الناس مش خايفة على عمرها، ولو سيبت حد فيهم يعدى وحصل حاجة هيرجعوا يعاقبوا ويلوموا عامل المزلقان زى ما بيحصل فى كل حادثة مع إننا بنبقى عاملين اللى علينا». يواصل الرجل الأربعينى الذى يقف بمفرده على المزلقان لمدة تتجاوز الـ12 ساعة يومياً حديثه، قائلاً: «مفيش حد بيقف معايا، حتى كان فيه عسكرى مرور بينظم الطريق لكنه بقاله فترة مش موجود، فبضطر أفضل موجود على طول، حتى الحمام مش بقدر أروحه عشان ماسيبش المزلقان».

{long_qoute_1}

وفيما تجرى من أعمال تطوير المزلقانات إلكترونياً، يقول بصوت منخفض: «بقالهم فترة بيقولوا إنهم هيطوروه لكن لسه مفيش حاجة مع إن المزلقان الإلكترونى أفضل كتير وبيريحنا لأنه بيكون مزود بكاميرا بترصد المخالفات وبتشيل المسئولية من على العامل».

«الكبارى اللى اتعملت مالهاش لازمة غير إنها ضيّقت الطريق والضغط كله بقى على المزلقان ده»، هكذا بدأ «أحمد سيد»، سائق، حديثه، لافتاً إلى عدم وجود عسكرى مرور ينظم الحركة، مما يتسبب فى مشاجرات كثيرة بين السائقين: «أول ما السكة بتفتح العربيات والتكاتك بتندفع وممكن يخبطوا فى بعض وعشان كده بتحصل خناقات كتير فى المنطقة».

ويضيف الشاب العشرينى: «الناس بتعدى رغم إن القطر بيكون جاى لأن المزلقان مش بيتقفل كله، ففيه جزء منه بس اللى بيتقفل بحديدة، لكن باقى المزلقان بيكون مفتوح للى عايز يعدى، ولولا إن العامل بيقف يصفر للناس هيحصل حوادث كتير»، مطالباً بضرورة تطوير مزلقان السكة الحديد بعدما أصبح المزلقان الوحيد لإيصال الأهالى إلى داخل المدينة: «مفيش اهتمام بالمزلقان، حتى بعد ما عملوا بلاط عليه اتكسّر وبقى محتاج يتجدد تانى، ده غير إن المزلقان بقى مقفول بسبب التكاتك اللى بتقف تحمل الناس وهى خارجة من السوق والباعة اللى بيفرشوا حواليه، كل ده بيخلى الطريق يقف».

ورغم إنشاء كوبرى للمشاة بديلاً عن إغلاق مزلقان السكة الحديد فإن معاناة أهالى البدرشين ما زالت مستمرة، حيث تجاوز طول كوبرى المشاة الـ500 متر بحسب كلام سكان المنطقة، مما جعل المرور من فوقها أمراً شاقاً بالنسبة لهم، الأمر الذى دفعهم إلى عمل «فتحة» لا تتجاوز متراً فى سور السكة الحديد تمكنهم من العبور للناحية الأخرى، إلا أنها جعلتهم فريسة سهلة لموت العشرات منهم.

«بلاش تعدوا، القطر جاى سريع هيخبطكم» كلمات تلقائية تخرج من فم «أم مصطفى»، بائعة، كلما رأت شاباً «متهوراً» يعبر شريط السكة الحديد دون الاهتمام بصوت صافرة القطار التى تتعالى كلما اقترب من فتحة «الموت» كما يسميها أهالى المنطقة، أو كلما شاهدت أطفالاً صغاراً لاتتجاوز أعمارهم الـ10 سنوات يتسابقون فيما بينهم على «مين هيعدى الأول» دون أن يدركوا خطورة ما يفعلونه: «صوتى بيروح من كتر ما بزعق للعيال اللى بتعدى من غير ما تشوف القطر قرّب ولا لأ، ده غير الشباب اللى بتجرى وهو جاى وكإنه خلاص مصالحهم هتقف لو استنوا شوية». تنظر السيدة الخمسينية بعينيها الضيقتين ناحية الفتحة، وتقول: «كل ما بسمع صوت القطر قلبى بيتقبض وعينى بتيجى عليها لأنى بخاف الناس تعدى من غير ما تاخد بالها أو تفتكر إن القطر لسه بعيد، لكن أنا عارفة إنه فى ثوانى هلاقيه بيعدى»، وتتابع «أم مصطفى» حديثها بنبرة منخفضة: «مفيش هنا عامل ينبه الناس اللى بتعدى إنها تاخد بالها وده اللى بيخلى الحوادث تحصل، ولولا ولاد الحلال اللى بيحذروا الناس وهى بتعدى كان زمانه دلوقتى كل شوية حد يموت».

وتصمت «أم مصطفى» التى تجلس على بعد خطوات من الفتحة قليلاً، وكأنها تريد أن تتذكر شيئاً، ثم تعاود حديثها قائلة بنبرة يملأها الحزن: «عمرى ما هنسى شكل الشاب اللى مات السنة اللى فاتت وهو بيعدى من الفتحة، ومحدش لحقه والناس بقت تلم لحمه من على الأرض وتجمعه لحد ما الإسعاف جت أخدته»، مضيفة: «دى مش أول حادثة تحصل هنا، قبل كده فيه ست هوا القطر طيرها فاتخبطت فى العمود وماتت فى ساعتها».

وتختتم السيدة الخمسينية حديثها غاضبة: «يا ما الناس اشتكت من الفتحة دى، وبعد كل حادثة بيطالبوا المسئولين بإنهم يعملوا سلم الناس تعدى عليه لكن مفيش حاجة بتحصل».

فى الناحية المقابلة لهذه الفتحة التى تكفى بالكاد لمرور شخص واحد، يقف «محمد شعلان»، أمام محله، يروى التفاصيل التى دفعت أهالى المنطقة إلى كسر جزء من سور المزلقان للعبور إلى الناحية الأخرى: «قفلوا المزلقان اللى كان هنا وعملوا كوبرى للعربيات وكوبرى للمشاة، لكن ده طوله حوالى 500 متر، ومن الصعب على الناس إنها تطلع مطلع زى ده، وخاصة الستات والرجالة الكبار، فعملوا الفتحة دى عشان تسهل عليهم المسافات»، مشيراً إلى أن الفتحة تم إغلاقها أكثر من مرة، إلا أن الأهالى يقومون بفتحها على الفور مرة أخرى ليتمكنوا من العبور دون اللجوء إلى كوبرى المشاة: «اتقفلت نحو 3 مرات، وفى كل مرة بعد ما تتقفل بنحو نص ساعة تتفتح تانى لأن الكوبرى ده قسم البلد نصين، فالستات اللى عايزه تروح السوق لازم تمشى المسافة دى كلها رغم إنه جنب المزلقان، وكذلك اللى جاى من ناحية الشرق».

ويؤكد «شعلان» أنه اشتكى أكثر من مرة لرئيس مجلس المدينة السابق بشأن إغلاق الفتحة وإنشاء سلم حديدى فى نفس المكان للحفاظ على أرواح الأهالى والطلبة إلا أنه لم يستجب إليه أى مسئول، على حد تعبيره: «اشتكينا وطالبنا المسئولين بعمل سلم بدل ما نعرّض حياة الناس للخطر، خاصة إن كوبرى المشاة مالهوش لازمة ونادراً لما حد يعدى عليه لكن محدش استجاب لينا».


مواضيع متعلقة