«خُدّام موائد الرحمن» بالسيدة زينب: «فمن تطوع خيراً فهو خير له»

كتب: أحمد عصر

«خُدّام موائد الرحمن» بالسيدة زينب: «فمن تطوع خيراً فهو خير له»

«خُدّام موائد الرحمن» بالسيدة زينب: «فمن تطوع خيراً فهو خير له»

شهر كريم ينتظرونه من العام إلى العام، وأيام «مباركة» لا يمكن أن يتركوها تمضى دون أن يتلمسوا ما فيها من خير، فيجتهد كل منهم وفق قدراته «المحدودة» لينال قسطاً وفيراً من «بركة» إفطار الصائمين، تلك هى «عقيدة» من عرفوا باسم «خدّام الموائد»، فهم لا يملكون من المال ما يقيمون به مائدة، وإنما يملكون وقتاً استقطعوه من زخم حياتهم، وسخروه للعمل فى «موائد الرحمن» لنيل «شرف» إفطار صائم.

«أول خدمة أكل ابتديت فيها كانت السنة اللى فاتت فى السيدة زينب، وبعد كده ربنا فتحها على صاحب المائدة، وبقى ليه موائد فى السيدة عائشة والسيدة رقية والسيدة نفيسة»، يقولها العشرينى «محمد عباس»، بعد أن شمر عن ساعديه كم جلبابه، وبدأ فى تجهيز مائدته فى أحد مساجد السيدة زينب، التى يخدم بها منذ أن بدأ شهر رمضان، وهو ما يعطيه دائماً شعوراً بالرضا: «بكون فرحان وحاسس إن الدنيا ملهاش لازمة وفانية».

جاء «محمد» من محافظة الأقصر إلى القاهرة من أجل العمل، ليستقر بها منذ أعوام، ويتردد على أسرته الصغيرة فى الجنوب كلما أتيحت له الفرصة، ورغم طبيعة عمله الشاقة، حيث يعمل سائق لودر فى الإنشاءات الجديدة لمستشفى 57357، إلا أن ذلك لم يمنعه عن تقديم خدماته للصائمين فى شهر رمضان، حيث يبدأ عمله فى المستشفى فى الثامنة من صباح كل يوم وينتهى مع الواحدة ظهراً، ليذهب بعدها إلى مسكنه فى منطقة «عين الصيرة»، يأخذ قسطاً من الراحة ثم يقوم متجهاً إلى منطقة السيدة زينب (حيث المائدة)، ليبدأ طقوس يومه المعتادة، حركة مستمرة من الشاب العشرينى تزيد سرعتها كلما اقترب موعد أذان المغرب والتف الصائمون حول سفر المائدة، ليخلع «محمد» عباءته التى تعيق حركته، فيظهر من تحتها جسده الهزيل الذى لم يكف عن الحركة طيلة الوقت: «ممكن نفطر فى اليوم 70 أو 80 وممكن 100 صايم».

لا ينتهى صيام «محمد» بمجرد أن يُرفع أذان المغرب، وإنما تستمر حركته وكأنه لم يحن مغربه بعد، فيدور بين الصائمين ويسألهم عما إذا كان ينقصهم شىء «حد ناقصه تمر أو بلح، حد عايز عيش»، يعلق على ذلك قائلاً: «كل ما أسقى واحد أحس إن أنا اللى شربت، ولما نخلص أبدأ بقى أقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت».

قبيل أذان المغرب دخل أحدهم مسرعاً، ميّزته بشرته السمراء، التى اكتسبها من أصوله الجنوبية، وأخذ يساعد فى تجهيز المائدة دون حديث، وكأنه أمر اعتاد عليه ومن حوله، بتلك الطريقة انخرط «بلال حسن» 50 عاماً، مع غيره من خدّام المائدة الذين سبقوه، ليظل هو مسرعاً فى حركته بصورة ملحوظة، وكأنه يعوض ما فاته من تجهيزات قام بها أصدقاؤه: «بخلص شغل الساعة 4 العصر ويا دوب آجى جرى على المائدة»، عادة اكتسبها «بلال» منذ عقود، حينما كان يأخذه والده وهو طفل صغير ويطوف به على مقامات آل البيت، حتى تشوق قلبه إلى العمل بها فى الكبر: «أنا على الحال ده بقالى 25 سنة».

وخلف أوانى الطعام وقف «محمود بشندى»، 28 سنة، يناول من معه أطباق الطعام ليضعوها أمام الصائمين، فى حركات سريعة منه، وتنبيه مستمر على من معه بأن يعطوا كل صائم طعامه كاملاً من أرز وخضار وسلطة وعيش وعصير التمر أو البلح، إلى أن خرج بنفسه وبين يديه آنية كبيرة وضع بداخلها قطع اللحم التى قام بتوزيعها على الصائمين: «أول ما بدأت خدمة الموائد كان من 7 سنين، والمائدة كانت فى الحسين، عبارة عن فول نابت، بعد كده ربنا كرمنى بأهل الفضل اللى بيعملوا موائد كبيرة وأنا بقف معاهم أساعدهم فى التوزيع».


مواضيع متعلقة