حمدى الكنيسى: عشت رمضان فى بريطانيا والهند ولم أشعر بمذاقه إلا فى مصر

كتب: أحمد البهنساوى وانتصار الغيطانى

حمدى الكنيسى: عشت رمضان فى بريطانيا والهند ولم أشعر بمذاقه إلا فى مصر

حمدى الكنيسى: عشت رمضان فى بريطانيا والهند ولم أشعر بمذاقه إلا فى مصر

رمضان بالنسبة له هو الجو الروحانى الذى كان مسيطراً على أجواء الشهر الكريم حينما كان طفلاً صغيراً، وهو أيضاً شهر النجاحات فى مجال مهنته، سواء عندما التحق بالإذاعة المصرية قديماً، أو عند تغطيته الإذاعية لحرب أكتوبر المجيدة التى وقعت فى شهر رمضان، يعود الإعلامى حمدى الكنيسى إلى طفولته فيتذكر أنه لم يكن هناك وسائل ترفيه، فكان انشغال الناس خلال رمضان يقتصر على الصيام والمناسك فقط، كثير من الروحانيات يفتقدها الكنيسى فى رمضان الآن، يقول إنه تربى عليها صغيراً، كما شبّ على ما أطلق عليه «لمة العيلة»، والحب والاحترام الذى كان يسود بين الجميع، الآن اختفى كل هذا، استبدل الشباب «لمة العيلة» بـ«تويتر»، و«فيس بوك»، و«إنستجرام»، وابتعدوا عن طقوس رمضان التى اعتاد عليها الإعلامى الكبير قديماً.

{long_qoute_1}

«روح رمضان» أيضاً يرى «الكنيسى» أنها اختفت بسبب الفضائيات العديدة وسباق المسلسلات وصراع الإعلانات، كان مسلسل واحد أو اثنان كافيين لأن يستمتع المشاهد المصرى، وفى نفس الوقت كان يتعلم منهما شيئاً، إذ كانت المسلسلات التى تُعرض على شاشة التليفزيون المصرى تعمل على زرع الأخلاقيات والتربية فى نفوس الأبناء، كما كانت تؤكد على أهمية الترابط الأسرى والاحترام بين أفراد الأسرة الواحدة، وبالإضافة إلى ذلك، كانت فوازير رمضان التى يعرضها التليفزيون تمثل عاملاً ترفيهياً عائلياً، فكانت الأسرة تتابعها، كما تتابع عدداً من البرامج الدينية التى كان يقدمها كبار علماء وفقهاء الدين الإسلامى، وهى برامج يقول الكنيسى إنها كانت بعيدة كل البعد عن التشدد الدينى، أو زرع الفتنة الطائفية بين المصريين، وكذلك برامج «المنوعات» التى كان يقدمها رواد الإعلام المصرى، ولم يخرج منها أى ألفاظ بذيئة تخدش حياء المشاهدين، وبرامج مثل «قصاقيص» و«المجلة الثقافية» التى كان الكنيسى نفسه يقدمها على أثير الإذاعة المصرية، وغيرها كثير من البرامج لكبار رواد الإذاعة المصرية، كانت تجمع الأسرة المصرية فى كل الأوقات وليس رمضان فقط، غاب كل هذا وحل محله ما يفوق الأربعين مسلسلاً يعرضها ما يقرب من ثلاثين قناة فضائية، وهى مسلسلات يرى الكنيسى أنها لا تحمل هدفاً، بل تعتمد على قصص وحكايات عشوائية ومكررة، وتعمل على نشر العنف والبلطجة والأخلاقيات البذيئة والألفاظ الخارجة والشتائم المسفّة بين الأطفال والشباب، أما بالنسبة للإعلانات، فيكثر استفزازها لمشاعر المصريين سواء إعلانات «التبرعات» أو إعلانات «الكومبوندات» والشقق الفاخرة، والمطاعم الفاخرة، والشاليهات فى الساحل، والسيارات، بالإضافة إلى الإعلانات التى تحتوى على إيحاءات خارجة وغير لائقة بالعرض وقدسية الشهر الكريم.

يتذكر «الكنيسى» الفترة التى بدأ فيها مشواره الإذاعى والصحفى، فيقول إن الأعمال التى كان يقدمها كان لها تأثير عند الناس، ولم تكن هناك وقتها منافسة شرسة بين الإذاعة والصحف، وبالتالى فإن مسلسلات رمضان فى الإذاعة كان لها مستمعوها، ومجرد سماع صوت مدفع الإفطار كان له وقعه، والبرامج الإذاعية كان لها ناسها وكانت مشهورة، وأيضاً برامج القرآن الكريم، حيث كانت كل محطة تذيع القرآن بصوت شيخ من مشايخ القراءة وكانت مواعيد ثابتة وواضحة: «الآن الأمور داخلة فى بعضها، والقرآن محدش يعرف مين بيقرأ، فضلاً عن برامج المقالب، زمان كان التليفزيون يعرض أعمالاً للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، مثل أرابيسك وليالى الحلمية وغيرها، أما الآن فلم يعد هناك استمتاع حقيقى بالجو الرمضانى الروحى ولم يعد هناك برامج فنية وسياسية كما كان يحدث».

{long_qoute_2}

ومن التليفزيون للتراويح يتذكر «الكنيسى» أن الجميع كانوا يتسابقون للذهاب إلى المساجد لحضور الصلاة بعد انتهاء «الإفطار» مباشرة، وكانت جميع المساجد الكبيرة والصغيرة والزوايا تشهد تجمعات كبيرة فى ذلك الشهر الكريم. وفى السحور كان المسحراتى سمة أساسية من سمات «رمضان زمان»، حيث كان الجميع فى القرى والمدن والنجوع البعيدة يقدرون قيمته، وينتظرون سماع صوت «طبلته» ونداء «اصحى يا نايم، رمضان كريم».. أما الآن فقد تاه صوت «المسحراتى» وسط ضجيج وزحام المدن والقرى، وكلاكسات السيارات، وأصوات مكبرات الصوت للمحلات الكبرى وغيرها من عوامل الضجيج فى مصر. من أكثر الأشياء التى يعتز بها الكنيسى عمله كمراسل حربى أثناء حرب أكتوبر، يقول عن تلك الفترة: «من أول يوم كنت أعرف أن لى حقاً فى الإفطار وفوجئت أن المقاتلين معظمهم صائمون ونسيت الجوع والعطش فى الجبهة، وما شجعنى أكثر وروى ظمئى ما أعيشه وسط المقاتلين وما أشاهده من بطولات وانتصارات كانت بالنسبة لنا حلماً».

يتابع «الكنيسى»: «بروح رمضان وصيحة الله أكبر كان رمضان حينها حاجة تانية خالص، يكفى إنى نسيت الجوع والعطش كما قلت من الفرحة بالانتصار وإسقاط طائرة إسرائيلية فى الموقع الذى كنت به، وكانت ضمن الجسر الجوى الذى أرسلته أمريكا لإسرائيل، ورأيت طياراً هبط بالباراشوت واتضح أنه يحمل جنسية أمريكية وإسرائيلية، فهى أجواء لا تُنسى، أيضاً كنت أعود إلى القاهرة وقت الإفطار وأفطر فى أى مكان حتى أرسل الشرائط لماسبيرو تمهيداً لإذاعتها».

يتذكر «الكنيسى» أنه بمجرد بدء الحرب قام بإرسال زوجته وبناته عند حماه وعاش بمفرده ليتفرغ لعمله.

عاش «الكنيسى» رمضان فى إنجلترا حينما عمل مستشاراً إعلامياً للسفارة المصرية هناك، ورأى أن فرق المواعيد وتجمعات المسلمين القليلة لا تشعره بالروحانيات التى اعتاد عليها، نفس الشىء حدث فى الهند وقت عمله مستشاراً إعلامياً فى سفارة مصر بنيودلهى، كذلك حين عمل خبيراً دولياً لدى اليونيسكو من 1975 وحتى 1978 قبل رئاسته للإذاعة المصرية، وحتى حين كان يعمل مذيعاً بإذاعة صوت العرب، وكان يجوب الدول العربية، فإنه يؤكد أنه لم يجد أفضل من طعم رمضان وروحانياته فى مصر.


مواضيع متعلقة