الحصار الخليجى.. وانتصارات السياسة المصرية!

١- «أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى من الأساس».. بصرف النظر عن مغزى العبارة أو مدلولاتها اللفظية وإسقاطاتها على مر الأزمان.. فلا أعتقد أن أحداً يمكنه أن ينكر أنها باتت لسان حال الكثيرين.. عقب قرار قطع العلاقات العربى المجمع مع تلك الدويلة المثيرة للجدل.. التى تبحث عن دور إقليمى.. ربما أكبر بكثير من حجمها الفعلى.. بمعايير الجغرافيا والتاريخ!

لقد أعلن العرب أخيراً عن رفضهم لسياسات نظام الحكم القطرى جملة وتفصيلاً.. ربما أتى الإعلان عنيفاً وقاسياً من وجهة نظر البعض.. وربما كان للحكومة الأمريكية دور -وإن كان سلبياً فى الأمر برمته- ولكنه قد أتى.. وهذا هو المهم!

٢- تمثل المقاطعة العربية للكيان القطرى تحولاً جذرياً فى موقف البعض تجاه الدويلة الخليجية المثيرة للقلاقل.. فقد أتى موقف الدول الخليجية معاكساً لموقفهم منذ شهور قليلة.. حين رفضوا الزج باسم قطر فى أحداث تفجير الكنيسة البطرسية فى القاهرة.. بعد أن ظهر اسمها صريحاً وواضحاً فى بيان وزارة الداخلية المصرية.. فى أواخر العام الماضى!

التحول فى موقف دول الخليج يؤكد أن الدور المصرى فى المقاطعة كان أساسياً ومحورياً.. بل ويثبت أن اتهامات النظام المصرى لقطر وقتها لم تخل من الصحة كما نعتها مجلس التعاون الخليجى فى بيانه..!

الكثير من الأحداث تثبت يوماً بعد يوم أن الحقيقة واضحة كالشمس.. ولكن أحداً لا يرغب فى أن يراها!!

٣- لم تكن العلاقات المصرية القطرية دافئة ومتينة أبداً على مر التاريخ القصير لدولة قطر نفسها.. فمناوشات سياسية ولفظية متعددة يذكرها التاريخ لنا على لسان الرئيس الراحل محمد أنور السادات.. كان أشهرها ذلك التشبيه التاريخى لها بـ«الكشك الخليجى الصغير»!

تعانى قطر منذ نشأتها من حجم الدولة المصرية وتأثيرها الإقليمى لسبب غير مفهوم.. الأمر أقرب إلى غيرة الجارة من جارتها الحكيمة.. أو لكيد «بليد» الفصل لصاحب المركز الأول فى كل الاختبارات.. ربما كان الثراء المفاجئ الذى تتميز به أحد أهم الأسباب.. ولكن أسباباً أخرى لم تعلن ربما أضافت لتلك المعاناة الكثير من الحقد الدفين!

٤- أصوات عديدة ظهرت من الداخل والخارج تحاول التقليل من الدور المصرى فى المقاطعة.. على الرغم من أن الأمر أوضح مما ينبغى توضيحه!

فالبيان القطرى الرسمى الذى تلا المقاطعة مباشرة الذى تعمد عدم ذكر القاهرة تماماً.. ومحاولات الصلح الفاشلة التى تمت برعاية كويتية مع المملكة السعودية.. كلها إشارات تؤكد الدور المصرى أكثر بكثير من نفيه.. وظهور القرضاوى فى إفطار الأمير القطرى فى الدوحة بعد المقاطعة بسويعات يشير وبقوة إلى رسائل غير معلنة للنظام المصرى!

يحاول النظام القطرى استجداء التعاطف العربى بالاختباء خلف شعبه الذى لا دور له.. أو بتسريب فكرة وجود جالية مصرية كبيرة على الأراضى القطرية.. بينما تتعامل الخارجية المصرية فى الملف القطرى ببرجماتية واضحة.. فالسياسة هى فن الوصول إلى النتائج دون النظر إلى الوسيلة.. والمكاسب السياسية التى نالتها القاهرة من المقاطعة -أو من الصلح المنتظر- ستكون أكبر حجماً من كل ما ستحصل عليه دول الخليج مجتمعة.. وهو المطلوب إثباته فى المعادلة..!

٥- المقاطعة العربية كانت أقسى من توقع الجميع.. ربما أصحاب القرار أنفسهم.. فالمقاطعة شملت للمرة الأولى حظر الطيران فوق المجالات الجوية للدول المتاخمة لقطر.. مما يحول المقاطعة لما يشبه الحصار..!

أزمات اقتصادية حقيقية فى انتظار النظام القطرى عقب إقرار المقاطعة.. فقطر -على الرغم من ثرائها المعروف- دولة محدودة الموارد الطبيعية.. ولذا فهى تعتمد اعتماداً كلياً على استيراد احتياجاتها الأساسية من الخارج.. الأمر الذى سيصبح أكثر صعوبة فى ظل الحصار العربى المفروض حديثاً!

تظل الأحداث المقبلة هى الفيصل فى الأمر.. ويظل طرفا المعادلة العربية - القطرية هما من سيحددان مستقبل النظام القطرى الحاكم.. الذى ربما ستصبح سياساته الخارجية هى السبب الرئيسى لزواله قريباً.. أو هكذا نتمنى!