أشعة رنين مغناطيسى للصحف القومية

كيف لطبيب حاذق أن يكون سبباً فى عافيةٍ مستدامة لمرضاه دون أن يبدأ رحلته العلاجية ممتلكاً أدواتٍ تشخيصيّة دقيقة وخارطة صحية؟ كيف له تحديد الأعراض ومعرفة سبيل الدواء دون جمع كل ما يحتاج إليه من تقارير وتحاليل وأشعة وتاريخ طبى للمريض؟ ليكون العلاج مبنياً على عين اليقين بعيداً عن كل وهم أو ضبابية، وصولاً إلى الشفاء.

وكذلك يكون الشأن الصحفى، فى مقاربة هى قاب قوسين أو أدنى من المشهد الصحى، فنحن الآن أمام صحف قومية مصرية عريقة شرعت مؤخّراً عبر مظلّتها التنظيميّة، الهيئة الوطنية للصحافة، فى تغيير مجرى التنفّس القيادى، كما تبنّت المشروع الوطنى لإصلاح المؤسسات القومية، وما تبع ذلك من تشكيل لجان نوعية فى التدريب والتطوير وتقويم الأداء الصحفى وغيرها، وكلها جهود محل تقدير وتعكس الإرادة نحو التغيير، لكن لا إرادة بلا إدارة عصرية تواكب أفضل الممارسات الصحفية العالمية تخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً ومتابعة، وإلا ستبقى الجهود دونها متناثرة بلا عوائد فاعلة، لأنها لا تُغنى عن رؤية ثاقبة عبر المجهر التشخيصى والتحليل الموضوعى، ومن ثم رسم معالم خارطة طريق لمواجهة الأمراض والآثار الجانبية والتحديات مع التركيز على الاحتياجات والتوقعات، والتعامل مع واقع جديد يواكب الثورة الصناعية الرابعة فى عالم الصحافة.

لنفترض أن الهيئة الوطنية للصحافة استضافت أفضل عشرة خبراء فى تطوير المؤسسات الصحفية فى العالم، من المختصين فى السياسات التحريرية والصحافة الرقمية وغيرها من مجالات تخصّصية لمدة أسبوع فى منتجع خارج القاهرة، حيث يتم عقد جلسات العصف الذهنى والتفكير خارج الصندوق؛ ولنفترض أن قادة الصحف القومية من رؤساء مجالس الإدارة والتحرير والمديرين قد حضروا مجتمعين إلى هذا المنتجع وخصّصوا أسبوعاً من رحلتهم المهنية الحياتية للاستثمار فى خلوة عنوانها «المؤسسات الصحفية المصرية.. تشخيص واستشفاء واستشراف»، بهدف تشخيص دقيق وواضح وصريح لموضع آلامهم وتحديد آمالهم وطموحاتهم بمنهج مؤسسى علمى، مع الاستعانة بأفضل الممارسات التطويرية الصحفية الإقليمية والعالمية، ثم الجلوس حول طاولة مستديرة لتحديد بداية الرحلة التطويرية والأهداف المستقبلية، وضمان أننا على الدرب ماضون مع الاتفاق على هوية «رحلة التطوير المؤسسى الصحفى»؛ وليس المشاركة فى «منتدى» عابر تتبعه تصريحات صحفية وقتية فحسب.

يقينى أنّنا سنكون مع نهاية الأسبوع أمام مخرجين رئيسيين: الأول: جملة الأمراض التشخيصية المشتركة بين كل المؤسسات الصحفية القومية، التى يجب التعامل معها بمنهجية دقيقة ومخرجات مرتبطة بطبيعة كل مؤسسة وخصوصية موقفها الفنى والمالى والإدارى الحالى. والثانى: روشتة علاجية جماعية توافقية تمثل دستوراً إصلاحياً هيكلياً يعتمده كلّ رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير والمعنيين، ويجب أن يشمل الجرعات العلاجية والمدة الزمنية وأوقات المراجعة الصحفية خلال رحلة الاستشفاء، على أن يكون شركاء الصحف القومية متحدين فى الرؤية والعزم والهدف نحو الإصلاح الصحفى بروح فريق مؤسسى لتفعيل آليّات «التمكين القيادى الصحفى»، واعتماد منظومة استراتيجية موحّدة ليكون لدى كل مؤسسة رؤية ورسالة وقيم وأهداف مرتبطة بالعاملين والمتعاملين والشركاء والخدمات، كما يمكن تخصيص وتحديث شاشة عرض للمؤسسات الصحفية من خلال إحدى قاعات هيئة الصحافة لترصد العافية الصحية ومؤشرات الأداء ونتائج كلّ مؤسسة بصفة دورية للمتابعة والتقييم.

باختصار، لا بديل عن تشخيص دقيق للتوصل إلى نموذج هيكلى تشاركىّ يُقره الجميع، به أهداف تطويرية واقعيّة استشرافيّة تدعمها وترعاها الدولة؛ فالصحافة المصرية زاخرة بكفاءات قادرة على إبداع «نموذج التميّز فى الإدارة الصحفيّة العصريّة» إذا مُنحت الصلاحية والثقة والموارد والدعم لتُحدد أين نحن، وأين نريد أن نكون؟