«الجزيرة».. الصراع الأخير بين الأمير تميم ورئيس الوزراء «الراحل»

«الجزيرة».. الصراع الأخير بين الأمير تميم ورئيس الوزراء «الراحل»
لا ينفصل الصراع الداخلى فى قيادة قطر عن سياساتها الخارجية، كما أن نتائج ما يحدث على الأرض فى الدول التى كانت تتدخل فيها قطر، تلعب دوراً محورياً فى حسم الصراعات الداخلية فيها. وشكل دعم الإخوان أثناء ثورات الربيع العربى وبعد صعودهم للحكم فيها قلب السياسة الخارجية القطرية، بينما كانت قناة الجزيرة، هى قلب تلك السياسة نفسها.
على شاشات «الجزيرة» رأينا دماء تتناثر فى عهد مبارك، وأشلاء تتطاير تحت حكم بشار الأسد. كانت تلك القناة مصدر العويل والنواح الدائم فى بيوتنا على دماء يتاجر بها قادة قطر كما يتاجرون باستثماراتهم فى الخارج. احترفت «الجزيرة» مهمة تمزيق الشعوب لتقديمها وجبة سهلة الهضم لحكام لا يعرفون إلا التعطش للسلطة، أو لمزيد من الدم، ولكن، دون أن تنقل شاشاتها السوداء الكئيبة صورة حقيقية لما يحدث فى كواليس صراعات الحكم القطرى، وانهيار دعمه تدريجياً للإخوان، مع تعالى الأصوات المعارضة لهم فى قلب العائلة القطرية المالكة نفسها.
سوريا كانت بداية سقوط حمد بن جاسم، ومن ورائه إخوان مصر. كان رئيس الوزراء القطرى السابق يدعم بجنون المعارضة السورية، والجيش السورى الحر الذى يتألف من غالبية إخوانية ضد نظام بشار الأسد، بينما كان «تميم»، ولى العهد وقتها، يقف منتظراً، رافضاً لسياسة «بن جاسم» الداعمة لجماعات يراها العالم «إرهابية». وأغلب الظن أن هذه التغطية المحمومة لكل ما يحدث «ضد الإخوان» فى العالم العربى على شاشات «الجزيرة»، منذ معارضتهم حتى وصولهم للحكم، لم يكن لينفصل عن استماتة حمد بن جاسم نفسه فى الدفاع عن «استثماراته» فى الإخوان.. ضد الأمير تميم.
العالم كله قال: إن نتيجة الصراع فى سوريا ستحسم الصراع على قيادة قطر، وعندما خسر الجيش الإخوانى الذى يدعمه «بن جاسم» فى سوريا، تم حسم معركة القيادة لصالح ولى العهد الذى أصبح أمير قطر الجديد، ولكن ظلت «الجزيرة» بعيدة عن نفوذ الأمير تميم الذى كان نفوذه يقتصر على قنوات «الجزيرة الرياضية»، بينما ظلت «الجزيرة الإخبارية» بشكل ما تحت نفوذ حمد بن جاسم الذى كان مسئولاً عن مجلس إدارتها مع الأمير القطرى السابق.[SecondImage]
كان الأمير السابق حمد بن خليفة يقرر بنفسه تعيينات أعضاء مجلس إدارة «الجزيرة»، الذى كان فى المعتاد ساحة مواجهات بين الشيخة موزة، زوجة الأمير، والدة الأمير الحالى، وحمد بن جاسم رئيس الوزراء. ربما لذلك، وبعد إقالة وضاح خنفر مدير القناة وقت ثورات الربيع العربى إثر انكشاف اتصالاته بالمخابرات المركزية الأمريكية، قرر الأمير حمد تعيين الشيخ أحمد آل ثانى، ومن بعده تعيين الشيخ حمد بن تامر آل ثانى كحلقة وصل رئيسية بين الكل. ومن المعروف عنه أنه قريب من الإخوان.
لكن، وفى 27 يونيو، عزل الأمير تميم، مديرَ عام الجزيرة الإخبارية «الشيخ أحمد بن جاسم أل ثانى»، معلناً ترقيته إلى منصب أعلى فى الحكومة، ومعلناً فى الوقت نفسه دخوله إلى ساحة النفوذ الأخير لحمد بن جاسم فى قطر.
ارتباك «الجزيرة» فى تغطية الأحداث ظهر واضحاً فى تغطية القناة للثورة المصرية ضد الإخوان. بدت القناة بلا رأس.. وبلا رئيس. تسير على نفس الوتيرة المرسومة لها من قبل، دون أن تجد فيها اتجاهاً أو إبداعاً. مجرد تأييد أعمى وأسود ومطلق لحكم الإخوان على غباوته، ولشرعيته على سقوطها، مجرد منبر مزعج حاقد لأصوات لا تعرف إلا ادعاء الشهادة والمتاجرة بالدماء حتى وإن كانت دماء أبنائهم وشبابهم. وكانت «الجزيرة» هى الوحيدة التى استمرت فى بث مشاهد لمتظاهرى «رابعة العدوية» باعتبارهم تجسيداً للشعب المصرى، رغم أن أعدادهم لم تكن تتجاوز واحدا على الألف من الجموع.
لاحظت صحيفة «ديلى ستار» اللبنانية الناطقة بالإنجليزية، أنه فى الوقت الذى اندفع فيه ملايين المصريين إلى الشوارع لإسقاط حكم مرسى، تجاهلت «الجزيرة» هذه التظاهرات لتنقل صور تدريبات لمباراة كرة قدم، وكأنها ترى ميدان التحرير الذى يزأر غاضباً كأسد هصور، مجرد كلب يعوى مثلها!. كيف لتلك القناة التى كانت تقدم نفسها على أنها «نبض» الحرية والديمقراطية فى الشارع العربى ولا تكف عن بث مباشر لثورة يناير من ميدان التحرير وباقى دول الربيع العربى؟
وصلت القناة لعصرها الذهبى فى دعمها لثورات الربيع العربى، قبل أن تأخذ مكانها كأكبر داعم لحكومات الإخوان، تواصل «الديلى ستار» بأن «الجزيرة هى المتحدث الرسمى باسم الإخوان، وأن تغطيتها للأحداث الخارجية كانت انعكاساً لسياساتها الخارجية التى قدم فيها بن جاسم 3 مليارات دولار دعماً لحكم الإخوان فى مصر، مع وعد بأن تصل إلى 8 مليارات، لو كانوا قد استمروا فى الحكم».[ThirdImage]
وقال رافاييل لوفافر، المتخصص فى حركة جماعة الإخوان فى جامعة كامبريدج: «إن قناة الجزيرة ظلت تقدم دعماً لا يمكن تصوره للإخوان، ومن دونها لم يكن ليسمع صوتهم بهذا الشكل. لكنها تحولت فى نظر المصريين إلى مدافع دائم بلا كلل ولا مراجعة لنظام الإخوان الحاكم، ومنصة هجوم دائم على المعارضة، وهو ما رفع السخط ضدها ليس فقط من الجماعات السياسية المدنية فى مصر وسوريا وتونس وحسب، ولكن أيضاً لدى جيرانها فى الخليج. لم تعد الجزيرة اليوم هى المصدر الموثوق فيه للأخبار بالنسبة للمصريين، ولا تحظى بنسبة مشاهدة كما كانت فى 2011».
وتواصل «الديلى ستار» بأن تغطية القناة لأحداث الثورة المصرية ضد الإخوان تعطى الانطباع بأن دعمها للإخوان صار جزءاً من تكوينها، وكأنها تنقل رسالة بأن تغيير القيادة فى قطر ووصول السلطة للأمير تميم لن يغير من خطها مع الإخوان شيئاً.
لو صح كلام «الديلى ستار»، فإن هذا يعنى أن قناة الجزيرة ستتحول إلى «طابور خامس» يعمل ضد الأمير الجديد ومصالحه. لن تتركه يقدم صورة جديدة لقطر كما يريد، ستظل قوة معاكسة، تهدم كل ما يحاول بناءه، حتى وإن كانت «قطر» جديدة، متحضرة، تهتم ببناء نفسها بدلاً من التركيز على هدم الدول الأخرى. وإن كان بيان الخارجية القطرية تعليقاً على الأحداث فى مصر، وتأييدها للجيش والشعب معاً على حساب الحليف القطرى القديم، يعطى الانطباع بأن معركة «الجزيرة» ستكون فى طريقها أخيراً للحسم، لصالح من يفهم أكثر.