يونيو واليابان وحلمى بكر!
- الإنفاق العام
- التخطيط للمستقبل
- الترع والمصارف
- التنمية فى مصر
- الجيش اليابانى
- الحديد والصلب
- الحرب العالمية الثانية
- الدمار الشامل
- الدول العظمى
- آثار
- الإنفاق العام
- التخطيط للمستقبل
- الترع والمصارف
- التنمية فى مصر
- الجيش اليابانى
- الحديد والصلب
- الحرب العالمية الثانية
- الدمار الشامل
- الدول العظمى
- آثار
كان الاعتقاد أن الطريقة الوحيدة كى تعيش كل هذه الملايين فى اليابان فى هذه المساحة الصغيرة من الأرض التى تصل إلى ثلث مساحة مصر تقريباً وأغلبها غير صالح للحياة البشرية عليه وفى بلد بلا موارد وبلا مواد خام تضربه الزلازل كل حين، هو التمدد الاستعمارى فى الدول المحيطة لفتح أفق للحياة وللتجارة، وانتصرت اليابان بالفعل وفى خلال خمسة عشر عاماً فقط على الصين وروسيا وكوريا فى ثلاث حروب متتالية.. ولذلك كانت المبالغة فى التعامل معها فى الحرب العالمية الثانية لا مفر منها، بدءاً من قصف أمريكى بلا هوادة تسبب وحده دون أسلحة ذرية فى مقتل مائة ألف يابانى أغلبهم فى طوكيو، وبعد فخ تحطيم الأسطول الأمريكى فى «بيرل هاربور» الذى مررته الولايات المتحدة لتمتلك المبرر لاستخدام القنابل الذرية، وهو ما أدى فعلاً إلى مقتل 120 ألفاً فى هيروشيما و60 ألفاً فى نجازاكى على التوالى، فضلاً عن مئات الآلاف من الجرحى أغلبهم لم يعد سليماً، ومنهم من أصبحوا للأسف عبئاً على المجتمع، فضلاً عن ملايين المشردين بخلاف الدمار الشامل للحياة وللطبيعه وللمبانى ولكل شىء تبقى آثاره حتى اليوم!
جعلت الولايات المتحدة من اليابان بالفعل مثلاً وعبرة.. حتى وقعت وثيقة استسلام فى إذلال لا مثيل له وأُجبرت على تسريح الجيش اليابانى العظيم الذى اقترب من 6 ملايين مقاتل بتسليحه الضخم الكبير الجبار، ووقعت اليابان كلها تحت رحمة الولايات المتحدة من سنة 1945 إلى 1951 باحتلال مباشر مهين!
السؤال: كيف بعد ذلك يمكن أن يتقدم بلد كاليابان؟
الدبلوماسى الأمريكى ابن الدول المعتدية «إدوين أشاور» يتصدى للإجابة عن السؤال فى كتابه «اليابانيون»، مناقشاً سر هذا الشعب الأسطورى الذى حول الانسحاق السابق ليس إلى العودة للحياة فحسب وإنما إلى معجزة شاملة بكل المقاييس حولت اليابان ليس إلى دولة متقدمة بل إلى دولة فائقة التقدم، يسمونها تندراً بـ«كوكب اليابان»، ولخص السبب فى أمرين، الأول هو: «هزيمة التاريخ والانتقام منه»! والثانى هو «بناء الإنسان»، فاستطاعت اليابان بالإرادة الفولاذية ليس فقط بطى صفحة الهزيمة والاستسلام وإنما بتمزيقها كلية والالتفات التام للنهوض بحاضرها وقتئذ والتخطيط للمستقبل بشكل شامل، استحوذ التعليم على أهمية كبرى منه إلى حد أن الدكتور حسن عبدالعاطى أستاذ التربية يلخصه باعتماده على الثقافة المحلية وقيم اليابانيين وعدم الانسياق وراء الثقافة الغربية أو الغريبة، وشمل التعليم فى اليابان ثلث السكان وربع الإنفاق العام!
فى مصر.. الدولة التى بدأت مشروعها الثانى للنهضة فى منتصف الخمسينات وتنتصر فى معركة كبرى مع الدول العظمى ليس فى بورسعيد فحسب وإنما فى معركة هى الأخطر يسمونها عالمياً بـ«نقل التكنولوجيا» التى أصرت الدول العظمى أن تحتكرها فنقلناها لنصنع فى مصر الأدوية والإلكترونيات والكيماويات والحديد والصلب والسلاح ونقلة كبيرة فى النسيج وغيرها من الصناعات المهمة، مع دور كبير لمصر فى السياسة الخارجية أدى إلى زعامتها للوطن العربى ولأفريقيا والشراكة فى قيادة العالم الثالث، مع نهضة تعليمية هائلة فتحت باب العلم واسعاً لأبناء الطبقات المحرومة التى بنت بسواعدها مصر فعلياً، فكل المشاريع الكبرى التى بناها محمد على وأولاده كان الفاعل الأساسى فيها هم الفلاحون الذين حفروا قناة السويس والترع والمصارف والطرق ودُفنوا فيها بعد معاملة مذلة أدت إلى وفاة مئات الألوف منهم حتى إن الدكتور جمال غطاس رئيس تحرير «لغة العصر» يؤكد فى دراسة له عن حكام مصر أن معدل الإنفاق الأول فى الخمسينات والستينات لم يكن للتسليح ولا حتى للصناعة إنما كان فى التعليم، حيث تضاعف أعداد المدارس والجامعات والمعاهد عدة مرات!
ومع ذلك لا نجد من بعض المصريين كل يونيو من كل عام بل وبعضهم طول العام، مثل الملحن حلمى بكر وعدد آخر من السياسيين والإعلاميين، إلا انتقاد نكسة يونيو!! التى جاءت لوقف التنمية فى مصر وليس لعدوان مصر على أحد!! وبدلاً من الوعى بتمزيق صفحة 5 يونيو للأبد ودفع همم المصريين وطاقاتهم للأمام ورفع معنوياتهم بالتوقف عند انتصارات وبطولات المصريين فى 56 وفى الاستنزاف وفى أكتوبر 73 التى تحدث عنها الرئيس السيسى، والذى أعاد الاعتبار لعيد النصر ولبورسعيد ولكل أبطال القناة وكرمهم، ويتحدث دائماً عن الإرادة وعن القدرة على العمل والإنجاز إلا أن هؤلاء تجدهم كما لو كانوا يحتفلون كل عام مع الإسرائيليين بذكرى «الانتصار» الإسرائيلى، حتى إنهم يرفضون وبحماس بالغ مصطلح «النكسة» ويصرون فى حماس مماثل على مصطلح «الهزيمة» مهما حاولت إفهامهم أن الهزيمة تكون فى الحرب وليس فى معركة واحدة، ومهما شرحت لهم حالة اليابان التى هُزمت ولم تنتكس حتى إنها استسلمت بالفعل!!
بالطبع هؤلاء مع آخرين من ذوى المصالح يقدمون الانتقام من عصر بعينه ومن زعيم بعينه على مصالح بلادهم بحسابات غير صحيحة، حتى بعد نصف قرن من يونيو، بينما انتقم اليابانيون من الهزيمة ومن التاريخ ذاته ولم يلتفتوا للوراء، ولا تجد عندهم من يعاير بلاده بأى كبوة ولا من حاكم على حساب الأمة كلها!!
هل عرفنا لماذا تقدمت اليابان ولم نتقدم! وهل عرفنا من أين نبدأ؟