قطر الندى!

ربما حمل التاريخ المصرى الكثير من الأساطير والحكايات الشعبية التى امتزجت بالحقائق حتى لا يمكنك أن تميز الحقيقى منها.. ومن أهمها وأشهرها قصة تلك الفتاة التى يردد المصريون كلهم اسمها دون أن يعرفوا حقيقة قصتها من الأساس.. قصة الأميرة «قطر الندى»!

هى أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، حفيدة مؤسس الدولة الطولونية، التى خلد اسمها فى التاريخ بسبب حفل زفافها الأسطورى على الخليفة العباسى المعتضد.. حتى إن الأغنية الأشهر التى تحمل اسمها لا تزال حية حتى الآن «يا حنة يا حنة يا قطر الندى»!

كان خُمارويه قد تولى إمارة مصر بعد وفاة أبيه أحمد بن طولون فى عام 884م، وقد ازدهرت الدولة الطولونية فى عهده، وعُرِف عنه ترفه وإنفاقه وبذخه لِدرجة أنه أنشأ بستاناً جمع فيه كل صنوف الأشجار والطيور فى العالم.

كانت أسماء ابنته ذات جمال يحكى عنه الناس، وقد تقدم لخطبتها كثيرون ولكن خمارويه لم يقبل بأحد منهم.. حتى

توفى الخليفة العباسى المعتمد على الله وتولى المعتضد بالله الخلافة.. فبادر إليه خُمارويه بالهدايا والعطايا ليكسب دولته الصفة الشرعية، فأقره المعتضد بالله على عمله.. فسأله خمارويه أن يزوج ابنته أسماء المُلقبة قطر الندى لابنه أبومحمد على المُكتفى باللّه وهو إذ ذاك ولى العهد.. فَطلب المعتضد باللّه أن يتزوجها هو نفسه بعد أن سمع عن جمالها.. وجعل صداقها ألف ألف درهم.. كما أرسل المعتضد بالله لِخمارويه بِمصر باثنتى عشرة خلعة وسيفاً وتاجاً ووشاحاً، واعترفت الخلافة العباسية بحكم خمارويه وأبنائه من بعده لمدة ثلاثين عاماً.

ويقال إن خمارويه قد أنفق فى تجهيزها ما لا يقدر.. حتى قيل إنه صنع لها ألف هاون من الذهب.. وكان الزفاف أسطورياً لا تزال تتردد أصداؤه فى التراث الشعبى المصرى حتى الآن، حيث إنه استمر عدة أشهر، ويعد من أطول احتفالات الزفاف فى تاريخ البشرية. وهو حفل الزفاف الذى استنزف موارد الدولة الطولونية وعجل بنهايتها الدرامية!

ويحكى المؤرخون أنه كان من جملة الجهاز دكة مصنوعة بأربع قطع من ذهب عليها قبة من ذهب مُشبك فى كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة من جوهر لا يعرف لها قيمة، ومائة هاون من الذهب لدق الطيب، ويقول الإمام الذهبى:

«ألف هاون، وعشرون صينية ذهبية فى عشرة منها مشام الصندل زنتها أربعة وثمانون رطلاً، وعشرون صينية من فضة فى عشر منها مجامر وزنها نيف وثلاثون رطلاً، ومن الثياب ما ثمنه عشرة آلاف دينار ذهبى».

كما أمر خمارويه أن يبنى لابنته على رأس كل منزلة ما بين مصر وبغداد قصراً لتنزل فيه وترتاح من عناء السفر ولا تشعر بمشقته!!

لقد كان زفافاً أسطورياً.. استحق أن ينتقل إلى مرحلة الأساطير..

وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.