هل انتهى عهد «الجزيرة»؟
- أمير قطر
- استقرار المنطقة
- الأسبوع الماضى
- الأمير تميم
- الأنباء القطرية
- الإعلام العربى
- الجزيرة مباشر مصر
- الحرب الأهلية
- الحكومة الحالية
- أحوال
- أمير قطر
- استقرار المنطقة
- الأسبوع الماضى
- الأمير تميم
- الأنباء القطرية
- الإعلام العربى
- الجزيرة مباشر مصر
- الحرب الأهلية
- الحكومة الحالية
- أحوال
سيمكن للعلاقات القطرية مع دول الخليج العربية ومصر أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الأخيرة، التى تفجرت الأسبوع الماضى، بل يمكن أيضاً أن تتحسن وتتخطى الكثير من العراقيل، لكن الأكيد أن «الجزيرة» لن تعود إلى ما كانت عليه، ولن تصمد أمام الواقع الجديد، وستكون مجبرة على تغيير جوهرى لأدائها وسياساتها.
تفاجأ العالم العربى، مساء الثلاثاء الماضى، بتصريحات منسوبة إلى أمير قطر، عبر وكالة الأنباء القطرية، ومنصات إعلامية أخرى تابعة لها، تسىء إلى العلاقات القطرية - الخليجية، وتشكك فى مستقبل «ترامب»، وتعزز موقع إيران الإقليمى، وتدافع عن «حماس» و«حزب الله» و«الإخوان»، والأهم من ذلك أنها تلمح إلى استهداف عدائى سعودى ضد الدوحة.
وقبل أن تنفجر ردود الفعل المناسبة على هذا التعبير السياسى العلنى المثير، سارعت الدوحة إلى إعلان أن وكالة أنبائها الرسمية تم اختراقها، كما تراجع وزير الخارجية القطرى عن تصريحات قال فيها إن بلاده ستسحب سفراءها من السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين، والكويت، معتبراً أنه تم «نزعها من سياقها وتحريفها»، وهو أمر لم يكن مستساغاً أو مقبولاً لدى أصحاب الشأن من جانب، والمتابعين المهتمين من جانب آخر.
من بين ردود الفعل التى اتخذتها العواصم المعنية بالتصريحات القطرية، يهمنا أن نركز على الهجمة الإعلامية المنسقة التى استهدفت مواقع «الجزيرة» وعدداً من المنصات القطرية و«الإخوانية» الأخرى، التى تشترك جميعها فى التعبير عن سياسة تنظيم «الإخوان»، التى تدعمها الحكومة القطرية بالمال والإعلام والدبلوماسية.. وربما بالسلاح أيضاً.
لقد تم حجب موقع «الجزيرة» ضمن سلسلة أخرى من المواقع الإلكترونية الإخبارية فى السعودية ومصر والإمارات، كما عبرت الدول الثلاث بشكل واضح عن أن ذلك الموقع تحديداً (الجزيرة) له صلة بالإرهاب والإرهابيين.
منذ نشأت «الجزيرة» فى منتصف التسعينات من القرن الماضى وهى تملأ الدنيا وتشغل الناس فى منطقتنا، خصوصاً أنها انتهجت سبيلاً جديداً آنذاك فى تعاطيها مع القضايا محل الاهتمام فى عالمنا العربى.
يقتضى الإنصاف القول إن «الجزيرة» سجلت اختراقاً مهنياً فى ساحة الإعلام العربى آنذاك، وإنها ألقت بحجر ضخم فى بركة مياه راكدة، وهو المشهد الذى يظهر فى أحد «بروموهاتها» على أى حال، وإنها أيضاً تطرقت إلى قضايا سُكت عنها فى الفضاء الإعلامى العربى طويلاً، واستضافت مصادر كانت تتعرض للإقصاء والتهميش، وطرحت آراء لم تكن قادرة على الوصول إلى الناس.
من بين مزايا «الجزيرة» وإيجابياتها التى يجب أن نذكرها فى هذا الصدد، أنها طورت الأداء التليفزيونى العربى، وحشدت موارد ضخمة لتنفيذ محتوى بصرى عصرى، عوضاً عن ذلك المحتوى البالى الذى شهدناه، وما زلنا نشهده، فى كثير من فضائياتنا العربية، التى تحول التليفزيون إلى مجرد إذاعة يجلس فيها مذيع أمام «الميكروفون» لكى يحدث الجمهور بأى شىء يرد على خاطره.
تلك كانت بكل تأكيد نقلة إعلامية مهمة، دفعت الكثير من وسائل الإعلام العربية لاحقاً إلى تطوير أنماط أدائها بحيث تصبح أكثر احترافية وأقل ميلاً للخط الدعائى المعتاد، بل أيضاً أُجبرت دول عربية كبيرة على أن تطور مشروعات إعلامية مهمة، لكى لا تبقى «الجزيرة» فى ساحة المنافسة وحدها.
لكن فى مقابل تلك الإيجابيات التى لا يمكن أن نتغاضى عن ذكرها، ظهرت «الجزيرة» كما لو كانت أداة دعاية مباشرة لكثير من المشروعات السياسية التى استهدفت استقرار المنطقة.
لم تشفع الاعتبارات المهنية التى ظهرت فى أداء «الجزيرة»، حين كانت تتصدى لتغطية الأحوال فى القارات البعيدة لها عندما تعلق الأمر بالمحيط الحيوى القريب، فوجدنا منها انحرافاً واضحاً وانحيازاً منهجياً لا يخدم إلا الرؤية التى تتبناها السياسة القطرية.
لم تكن «الجزيرة» قادرة على أن ترى انتهاكات حقوق الإنسان فى قطر، أو الحريق الكبير الذى يقع فى مجمع تجارى يملكه نافذون فى الدوحة، أو التظاهرات الطائفية فى ذلك البلد القريب الصديق، أو قضايا الفساد فى تلك الميليشيا المقربة، لكنها مع ذلك كانت ترى تظاهرة فى إحدى حوارى شارع فيصل يسير فيها 15 شخصاً يطالبون بعودة «مرسى»، وتفرد لها الساعات الطوال.
اتبعت «الجزيرة» خطاً معوجاً، واستخدمت المعايير المزدوجة، وكالت بأكثر من مكيال، ففقد الجمهور الثقة فيها، وتزعزع اعتبارها.
باتت أيضاً وسيلة لبث رسائل الإرهابيين وذرائعهم، ومنحهم «الأكسجين» اللازم لمواصلة عملهم، عبر الترويج لهم، وتفعيل رسالتهم بإنزال الرعب فى قلوب الجمهور المستهدف.
سيمكننا أيضاً أن نورد عشرات الإثباتات على أنماط المحتوى التى بثتها «الجزيرة» بهدف تمجيد العنف والفوضى، والحض على التخريب فى أكثر من دولة. بالنسبة إلى ما سُمى «الربيع العربى»، ستكون «الجزيرة» سبباً فى تفجره، واتساع أثره، وانحرافه عن مقاصد الإصلاح، واتجاهه إلى الفوضى، وتحوله إلى أنماط من الحرب الأهلية أو النزاعات المسلحة أو الإرهاب.
تلك مسئولية كبيرة تقع على عاتق وسيلة إعلام قررت أن تتحول إلى أداة سياسية مباشرة، وأن تتخلى عن قواعد ومعايير مهنية صدعت رؤوس الناس بالحديث عنها.
ستكون «الجزيرة مباشر مصر» و«الجزيرة مباشر سوريا» لاحقاً من بين أهم النماذج على تحول العمل الإعلامى إلى داعم مباشر للإرهاب والعنف. لقد حملت «الجزيرة» فى نسختها المحلية المصرية أنماط محتوى حرض فيها ضيوف ومذيعون على قتل الناس فى مصر علناً. هو أمر لم يحدث إلا فى الممارسات الإعلامية المواكبة للحرب الأهلية فى رواندا على سبيل المثال.
ومع كل ذلك الحقد الأسود، المعجون بممارسة إعلامية مبهرة، توافرت لها موارد ضخمة وقدرات فنية عالية، لم تكن «الجزيرة» سوى أداة دعاية وردية للحكومة القطرية وكل حكومة وميليشيا ترتبط معها باتفاق أو صداقة أو مصلحة.
لم يكن الانقلاب الخليجى - المصرى على قطر أخيراً بسبب «الجزيرة» وحدها، وإنما كان سببه سلسلة من السياسات القطرية التى تستهدف زعزعة أمن تلك الدول واستقرارها لحساب مشروع قطرى كبير، ومع ذلك فإن «الجزيرة» ستكون فى صلب أى تسوية لهذا الخلاف العميق.
ثمة عدد من السيناريوهات للمسار الذى ستأخذه الأزمة الأخيرة، أولها أن يتم تغيير الأمير تميم، بشكل يفتح الباب لوجود صفحة جديدة فى العلاقات القطرية - العربية.
السيناريو الثانى يتعلق بتغيير سياسى قطرى تتبناه الحكومة الحالية، وتتعاقد فيه مع الدول الخليجية ومصر على بنود محددة، تنطوى على تغيير سياسى عميق فى مسار الدوحة الراهن، بشكل يعالج الهواجس كلها فيما يتعلق بالعلاقات مع المنظمات الإرهابية، وإيران، ومصر، وإسرائيل.
أما السيناريو الثالث فيتصل باستمرار الأزمة وتعمقها وتحولها إلى أشكال متطورة من العداء والتضاغط السياسى بين قطر الوحيدة والأضعف، والتحالف المصرى - الخليجى الأكبر والأقوى.
وأياً كان السيناريو الذى ستتخذه الأزمة لاحقاً، فإن «الجزيرة» لن تبقى على حالها أبداً.
لن يتم غلق «الجزيرة» على الأرجح، لكنها لن تعود قادرة على ممارسة أدوارها السابقة أو الحصول على القدر ذاته من التأثير والنفاذ.