«السيسى» والطرف الغائب فى معركة تحرير الأرض المنهوبة!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

ليس صحيحاً أن الرئيس السيسى اهتم فجأة وهو فى قنا بأراضى الدولة المنهوبة، إنما الصحيح والدقيق ولأمانة التسجيل التاريخى أنه منح أجهزة الدولة مهلة محددة لإنجاز الإزالات المطلوبة لكن ولتنشيط الذاكرة يحق أن نذكر الناس بعدد من الإجراءات تمت كلها فى سياق حرب الرئيس السيسى على الفساد والتى بدأت فور توليه المسئولية وتمت على أكثر من صعيد تداخل بعضها فى بعض حتى لا نعرف من بدأ فيها قبل الآخر.. فمثلاً.. أعيد الاعتبار لهيئة الرقابة الإدارية بإطلاق يدها فى كل الملفات وبلا أى سقف بعد أن كانت فى سنوات سابقة طويلة مكبلة اليدين بملفات غير مسموح الاقتراب منها، فضلاً عن سقف وظيفى لا يجوز تجاوزه يتوقف غالباً عند وكلاء الوزارة أو المديرين العموم حتى إن الكل يعرف أن وزيراً ومحافظاً حوكما فى عهد الرئيس مبارك لخلافات كبيرة مع متنفذين كبار فى الحكم ولم يكن الأمر ضمن أى حرب على الفساد!

وربما الجميع يعرفون قرار الرئيس بتشكيل لجنة استرداد أرض الدولة التى بدأت بفكرة استرداد فروق أسعار الأراضى وقد أسندت لرجل يثق فيه المصريون كما يثق فيه الرئيس حتى اشتهرت إعلامياً باسمه، وكانت لجنة «محلب» التى أدارت الملف بانضباط ونظام وهدوء واستردت عشرات الألوف من الأفدنة وحولتها إلى أموال سائلة بمزادات أطلق عليها «حق الشعب» ظلت علنية يراقبها شعبنا وتراقبها الأجهزة المعنية بشفافية مطلقة حتى بلغت الأموال السائلة مئات الملايين دخلت الخزينة العامة ووفقت أوضاع الآلاف بلا ضجيج وبلا حادث واحد خارج عن القانون أو حتى خارج عن اللياقة!

لن نعيد على القراء عدد القضايا التى ضبطت ولن نعيد حجم ومستوى الشخصيات التى خلف القضبان الآن لكن فى قضية أراضى الدولة المنهوبة تحديداً يجب أن نتوقف عند واقعتين مهمتين الأولى هى استعادة أرض بمساحة كبيرة جداً فى القاهرة بلغت الـ24 ألف متر كانت بحوزة رجل أعمال شهير جداً قدرت بمبلغ 800 مليون جنيه وفى الفترة الزمنية نفسها تم التحفظ على 12 من كبار رجال الأعمال فى مقدمتهم رجل أعمال شهير أيضاً على صلة مصاهرة بالرئيس مبارك ولم يتم إيقاف التحفظ إلا بعد استرداد مبلغ تجاوز 239 مليون جنيه، أى إن قضيتين فقط أعادتا للدولة ما يزيد على مليار جنيه «حتة واحدة»، لكن المبلغ ليس هو ما يلفت النظر ونريد أن نتوقف عنده، إنما ما نريد التوقف أمامه أن الدولة بدأت فعلياً بـ«الكبار» وبمن يظن البعض أنهم نافذون متنفذون لن تقدر الدولة على الاقتراب منهم وبما يكرس أوضاعاً قديمة لنظم ذهبت إلى غير رجعة وبما يبرز اختلال ميزان العدل وفكرة الانحياز لطبقة معينة مباح لها كل شىء!

لكن.. اليوم نقف أمام معادلة جديدة.. فإنجاز قضيتين فى بضعة أشهر ورغم أهميتهما لكنهما مرتا بسلام لكن اليوم يفتح «السيسى» وجع مصر كلها وفى وقت واحد وبما سيغضب البعض وسيطيح بأحلامهم فى «التكويش» على ثروات كبيرة كانت وربما لم تزل فى حوزتهم.. شيدوا عليها مدناً وكومباوندات وقرى سياحية وشركات عملاقة ومؤسسات ضخمة ومزارع كبيرة وعزباً خاصة شاسعة وممتدة لا تمثل بالنسبة لهم ثروات وحسب وإنما هى أيضاً عنوان لـ«الهيبة» وللنفوذ الاجتماعى، وبالتالى فهذه القوى لن تسلم بسهولة وإن سلمت فى معركة استرداد أراضى الدولة فى صورتها المباشرة الجارية على الأرض ذاتها فإنها لن تنسى ما جرى لها وستلجأ إلى إدارة الصراع بأدوات أخرى وفى ساحات بديلة.. وبمعنى أبسط ستسعى للثأر من الدولة ومن الرئيس تحديداً وستحشد نفسها فى هذا الاتجاه.. وبعضهم قادر على إرباك الأسواق مثلاً فى عدد من السلع ومنهم من يقدر على ترويج شائعات هنا وهناك تزيد من سخونة الحرب الإعلامية المشتعلة أصلاً ضد الدولة والرئيس ولم تتوقف للحظة واحدة!

كثيرون الفترة الماضية طالبوا الرئيس السيسى بأن يتحمل كل المصريين آثار «الإصلاح الاقتصادى»، بمعنى أنه ليس من العدل أن تدفعه الطبقات المتوسطة والكادحة وحدهما وربما يقف ذلك خلف قرار الرئيس باسترداد أموال الدولة من «الحيتان» الكبيرة التى استولت على أجود الأراضى ووظفتها بأكبر قدر من التوظيف در عليها أموالاً طائلة، وهنا يجب الإشارة لأمرين مهمين أولهما أن معركة استعادة أرض الشعب كبيرة ومهمة تتطلب التفافاً شعبياً كبيراً خلف وحول الرئيس وهذا لا يتم إلا بأن يلعب الإعلام دوراً مهماً فى توضيح أبعاد الموضوع ولكن كيف سيحدث ذلك وبعض المتضررين يمتلكون عدداً من هذه الوسائل؟!

الأمر الثانى هو انحراف البعض بتنفيذ تعليمات الرئيس ويتجاوز فى تنفيذها بسوء فهم لها وبعدم وعى لأبعادها، وبالتالى يفقدها أعز ما فيها وهو شعبيتها وجماهيريتها، وبالتالى يبدو الأمر وبطريق الخطأ أن الدولة والرئيس فى مواجهة مع قطاعات واسعة من المصريين وليس كما فهمناه سعياً من الرئيس لضبط التوازن الاجتماعى وتدبير أموال هى للشعب لتذهب إلى الشعب!

استرداد الأرض واحدة من أشرف معارك «السيسى» تعيد الحق لأهله وتستعيد هيبة القانون بعد سنوات من الفوضى الشاملة تركت البلاد نهباً لطموحات بعض المنتمين لطبقة بعينها ودفعت مصر كلها الثمن ولم تزل تدفعه ولن تنتهى المعركة بغير خسائر أقلها «خدوش» يريدها البعض فى وجه الدولة وأولى خطوات الانتصار فى المعركة أن نفهمها وندركها ونعيها ليس لأنها معركة اجتماعية يديرها الرئيس نيابة عن الفقراء ضد الأغنياء.. لا.. بل باعتبارها معركة المجتمع كله ضد خارجين عن القانون.. إنها معركة كبيرة علينا أن نسترد أولاً الالتفاف الشعبى لها وإعادة صياغتها وأهدافها من جديد ثم تقديمها للناس.. ذلك هو بداية الفوز فيها!