«نعمة ونعمات وبهية».. جيرة وصداقة ومعاناة مع فيروس «سى»

كتب: شيماء عادل وسمر عبدالرحمن

«نعمة ونعمات وبهية».. جيرة وصداقة ومعاناة مع فيروس «سى»

«نعمة ونعمات وبهية».. جيرة وصداقة ومعاناة مع فيروس «سى»

على إحدى ضفتَى نهر النيل الفاصل بين محافظتَى كفر الشيخ والبحيرة، حيث البيوت البسيطة المصنوعة من الأحجار والطين تعبّر عن الواقع الاجتماعى لقاطنيها، وجوه يملؤها الألم والأمل، الألم لما أصاب أهلها من أمراض، والأمل فى الشفاء من تلك الأمراض، فى حارة ضيقة وطريق محفور بالمطبات، أزقّة مُتربة تغمرها مياه الصرف الصحى، وبيئة ملوثة تحاصرها القمامة، وشوارع متعرجة ومنازل متلاصقة، هنا تجد سيدات يجلسن على عتباتها، وجوههن رسمت قسوة الحياة أخاديد عميقة عليها، جمعتهن صداقة متينة لم تهتز يوماً، وجمعهن المرض والظروف البائسة رغم تباين أقدارهن، كما جمعتهن قريتهن «معدية رشيد»، إحدى توابع الوحدة المحلية لقرية الجزيرة الخضراء بمركز مطوبس بكفر الشيخ، يبلغ عدد سكانها أكثر من 5 آلاف نسمة بـ1250 أسرة، ورغم اختلاف نشأتهن، يتخذن من شوارعها وحواريها مكاناً مفضلاً للقاء والحديث عن مآسيهن.

{long_qoute_1}

لم تتوقع نعمة ونعمات وبهية يوماً إصابتهن بمرض واحد إلا أن القدر فضّل أن يُكمل صداقتهن بالإصابة بـ«فيروس سى»، وإن اختلفت طرق علاجهن، فالأولى أوقفت علاجها فى نصف الطريق بسبب ضيق ذات يدها وعدم وجود مصاريف، والثانية أكملت علاجها للنهاية إلا أنها اكتشفت أنه دون فائدة، والثالثة منعتها بطاقة الرقم القومى من بدء رحلة علاجها.

أمام منزل مكون من 3 طوابق تغمر عتبته مياه الصرف الصحى، تجد نعمة محمد محمد بهنس، 60 عاماً، ترتدى عباءتها البسيطة وحجابها، تتعجب لحالها وتدمع لضيق ذات يدها، فبعدما كانت تعمل وتساعد زوجها وأبناءها أصبحت لا حول لها ولا قوة بعدما نهش مرض فيروس «سى» جسدها النحيف.

«اكتشفت إصابتى بفيروس سى بالصدفة عندما سمعت فى مكبرات الصوت بمساجد القرية عن وجود قافلة طبية لعمل تحاليل مجانية للكشف عن الفيروس، فهرولت نحوها للاطمئنان على صحتى، إلا أننى اكتشفت إصابتى بالفيروس، فذهبت أنا وشقيقى لمركز أبحاث الكبد بالإسكندرية لإجراء تحاليل طبية أخرى للتأكد، وعندما تأكدت من إصابتى، بدأت رحلة البحث عن العلاج لمدة استغرقت 7 أشهر، فحصلت على جزء منه من الدولة والآخر على نفقتى الخاصة»، هكذا لخصت «نعمة» حكايتها مع المرض، مشيرة إلى أنها فضّلت الحصول على العلاج من مستشفى رشيد العام بمحافظة البحيرة، لقرب المسافة لها، حيث إنها تعبر إلى مدينة رشيد عبر معدية فى عرض نهر النيل، بينما تقطع مئات الكيلومترات لتذهب إلى كفر الشيخ لتلقى العلاج.

أضافت «نعمة»: «الدولة ادّتنى برطمانين علاج كبسولات ورفضت تصرف لى شريطين من الأقراص (برشام) باقى العلاج، بشتريه بـ50 جنيه كل أسبوع، وكمان بدفع 80 جنيه تحاليل علشان أشوف نسبة الفيروس نزلت ولا لأ، و26 إيصال علاج بقطعه من شباك التذاكر بمستشفى رشيد العام، وقعدت مابقتش اروح علشان مش معايا فلوس خالص».

كما كشفت «نعمة» عن مأساتها فى الحصول على العلاج قائلة: «مسئول صرف العلاج قال لى الدولة مابتطلعش غير دول ليكى، وأنا شفته بيدّى نفس العلاج لواحدة تانية، الدنيا ماشية بالواسطة وأنا مش قادرة أدفع 50 جنيه كل أسبوع فأوقفت العلاج لأن مفيش فلوس خلاص».

{long_qoute_2}

وأوضحت «نعمة» والدموع تتساقط من عينيها: «لم أستطع استكمال علاجى لعدم وجود مصاريف وتكاليف التحاليل والعلاج، نفسى أخفّ وابقى كويسة، خايفة المرض ياكل جسمى أكتر»، مناشدة الرئيس السيسى النظر إليها ومثيلاتها المصابات بالفيروس.

تتحرك قليلاً، وعلى بُعد خطوات فى نفس الشارع تجد نعمات عيسى درويش، البالغة من العمر 65 عاماً، تجلس داخل منزل مكون من طابقين تم بناؤه بالطوب اللبن، وجهها تملؤه التجاعيد، راضية بما كتبه الله لها، لكنها كانت تتمنى أن يتم شفاؤها من فيروس «سى» بعدما تناولت جرعات العلاج الثلاث، بالإضافة إلى الحقن.

«عرفت أنى مصابة بفيروس سى بعد ما عملت تحاليل فيروس سى فى عربية كانت موجودة، كنت قاعدة ماكنتش عارفة حاجة وجارتى جات قالت لى تعالى نروح نعمل تحاليل، رحت أعمل تحاليل لقيت عندى الفيروس ورحت مستشفى رشيد العام لتلقى العلاج بدلاً من الذهاب لكفر الشيخ، ورحت وخدت 3 جرعات واتعالجت، لكن اكتشفت إن الفيروس زى ما هوّ وأخدت حقنة فى الشهر ده، لكن لسه باقيلى حقنة مارحتش آخدها علشان ميعادها لسه ماجاش».

تؤكد «نعمات» أن المرض أصاب عشرات السيدات الموجودات بنفس القرية والشارع، ومنهن فتيات فى عمر الزهور اكتشفن إصابتهن به بسبب تلوث مياه الشرب وعدم وجود صرف صحى، إضافة إلى تهميش المنطقة، فلا وحدات صحية ولا خدمات ولا مرافق، مشيرة إلى أن ترعة الرشيدية القديمة هى مصدر الأمراض والأوبئة.

وعندما تعلم بهية عطا عيد، 72 عاماً بوجودك فى المكان تهرول مسرعة إلى مكان وجودك، تجد سيدة مرتدية عباءة بسيطة تحاول التقاط أنفاسها، وحين تهدئ من روعها، تجدها تطالبك بحل مشكلة بطاقتها الشخصية التى منعتها من بدء رحلة علاجها، تنتظر زيارة الرئيس السيسى لافتتاح مشروع الاستزراع السمكى الذى يبعد 5 كيلومترات عن قريتها، ترى أن الزيارة سوف تنعكس عليها، وربما يساعدها أحد فى استخراج بطاقة رقمها القومى.

«مفيش فلوس والحالة تعبانة، يمكن لما الريس يزورنا حاجات كتير تتغير، مش قادرة آخد علاج رغم إنى مُصابة بفيروس سى ومعايا بطاقة من كفر الشيخ بس عاوزة أغيّرها لرشيد علشان المكان قريب أروح آخد منه العلاج، مؤكدة أنها كانت لا تعلم عن فيروس سى شيئاً وأنها عندما سمعت من مكبرات الصوت فى أحد المساجد بوجود سيارة لعمل تحاليل طبية، هرولت مسرعة نحوها وأجرت تحاليل فتأكدت أنها مُصابة بالفيروس».

وعن تعاملها مع الفيروس وبدء رحلة العلاج كشفت السيدة العجوز أن بطاقة الرقم القومى الخاصة بها استخرجتها من محافظة كفر الشيخ وهى منتهية وتريد تجديدها، إلا أنها تريد تجديدها من مركز رشيد التابع لمحافظة البحيرة لتصرف العلاج دون قطع مسافات طويلة فى السفر إلى كفر الشيخ فى الوقت التى تعبر فيه إلى الضفة الأخرى من نهر النيل عبر «مركب» لتصل مركز رشيد.

«عاوزة أعمل البطاقة من رشيد علشان مش قادرة أمشى أنا ست كبيرة، أنا قاعدة فى البيت وابنى مكلم واحد علشان يعمل لى البطاقة وأصرف العلاج واخفّ، الظروف تعبانة والحياة صعبة»، مناشدة الرئيس السيسى بحل مشاكل قريتها والنظر لمواطنيها «الغلابة».

 

الحاجة نعمة


مواضيع متعلقة