جزيرة العرب.. تتكلم «أمريكانلى»!

.. ليس من شك فى أن القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية، التى احتضنتها الرياض يومى السبت والأحد الماضيين، تثير من التساؤلات أكثر مما تقدم من إجابات، فالرجل (ترامب) زار السعودية كما يزور اليابان، كان برفقته زوجته وابنته دون أن تغير «هذه» أو «تلك» طريقة ملابسها ولم تغط شعرها كما نعرف عن أدبيات العلاقات فى أرض الحجاز!

وكان هذا مثار انتقادات بعض الصحف الأمريكية (والأوروبية)، سيما أن بعض الصحف الأمريكية لا تزال تشعر أن ترامب دخيل على العملية السياسية الأمريكية، وأنه جاء من دائرة رجال الأعمال، ولا يعرف شيئاً عن النظام السياسى الأمريكى!

والصحيح أن أسرة ترامب، خصوصاً زوجته وابنته كانت تسير وسط جموع السعوديين المحتفلين بالرئيس ترامب كما لو أنها تسير فى الشانزليزيه! وهذا لعمرى أمر غير مسبوق فى المملكة المعروفة بكلاسيكيتها وقواعدها الصارمة وغير المفهومة، خصوصاً فى موقفها من المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها، مثل قيادة السيارة؟!

.. لسنا ضد اللقاء، أياً كان، أو عقد القمم بشكل عام.. فالحكمة السياسية تقول دائماً «الغائب.. ليس على حق»، وهذا معناه أننا لا نرفض القمة السعودية الأمريكية.. ولا القمة الخليجية - الأمريكية.. ولا القمة الإسلامية العربية - الأمريكية.. لكننا نرفض العجلة والسرعة التى تمت بها.

صحيفة أوروبية شهيرة طرحت فكرة أن يتم عقد هذه القمم الثلاث فى خلال أسبوع.. لأنه قبل أسبوع لم يكن هناك حديث إلا عن قمة سعودية أمريكية فقط! وهذه السرعة انعكست على توصيات ونتائج هذه القمم فخرجت ضحلة إلا من بعض المفاهيم المطاطة والمأثورة بشكل عام عن القمم إلى حد أن بعض وسائل الإعلام الغربية قصرت نتائج هذه القمم على العلاقات العامة واللقاءات الهامشية!

مرة أخرى لسنا بطبيعة الحال ضد هذه القمم لكن بشرط أن تأخذ حقها فى الإعداد والتنظيم الترتيب.

الشىء الثانى وباستثناء القمة السعودية الأمريكية التى تبحث فى العلاقات الثنائية وتوقيع الاتفاقات ومذكرات التفاهم فإن القمتين الأخريين (الخليجية والعربية والإسلامية) كانتا لا هدف لهما، ثم الموافقة على تكريس السلاح، تذكرت الصحف الأوروبية أن الرئيس ترامب بدا وكأنه تاجر سلاح مخضرم.. حيث وقع مع هذه الدول على اتفاقات تسليح تعد قيمتها بمئات المليارات أنقذت بالفعل الاقتصاد الأمريكى الذى كان يقف فى بعض جوانبه على شفا الإفلاس!

أما الهدف الأساسى لزيارة ترامب بهذه الطريقة فكان كما تقول إحدى الصحف البلجيكية هو إشعال الفتنة بين السنة والشيعة، أى بين السعودية وإيران، لخدمة إسرائيل وتخويف الدول الخليجية من إيران والحديث عن المد الإيرانى فى دول الخليج، والحق أن هذه القضية طرحها الرئيس الأمريكى فى أكثر من مناسبة وباع أسلحته كلها تحت وهم العدوان الإيرانى المنتظر!

ونحن نفهم أن هناك عداء بين إسرائيل وإيران حول السباق النووى، لكن ما لا نفهمه أن يدفع الخليجيون ثمن هذا العداء من خزائنهم بهذه الطريقة المفضوحة، والحق أن الإعلام الغربى (الأمريكى - الأوروبى) قد انحاز منذ البداية لوجهة النظر الأخرى، التى ترى أن هذه القمم هزيلة وغير مرغوب فيها، فالإعداد لها جاء سريعاً.. والأفكار التى تم طرحها قديمة وتكرس أننا نعيش فى فسطاطين: فسطاط الخير وتمثله الدول الخليجية، وفسطاط الشر وتحتله إيران وحدها!! أخشى أن أقول إن ترامب قد غير استراتيجيته التى أسرف فى الحديث عنها عندما تولى المقعد الرئاسى الأمريكى فى البداية، فالرجل كان يريد أن يجعل له صديقاً فى كل دولة.. فتحدث بامتنان عن الرئيس الروسى بوتين ورئيس وزراء الصين إلى حد الغزل.. لكن سرعان ما أصبح مثل رؤساء أمريكا السابقين يريد إشعال الحرائق بأى ثمن وما موقفه من إيران وكذلك كوريا الشمالية الأخير إلا مثال على ذلك! والحق أقول إننا.

وبعد أن كان يقول ترامب: «أنا لن يكون شغلى الشاغل إسقاط نظام بشار الأسد كما كان يفعل أوباما وربيبته هيلارى كلينتون، وإنما التعاون مع دول المنطقة لحرب داعش»، عاد وتحدث بنفس لهجة التهديد والوعيد للنظام السورى! ولم يعد الحوار السياسى هو الحل المطروح لسوريا وإنما التدخل العسكرى والضربات التى بدأت وقد لا تنتهى!

لقد حول الرئيس ترامب أرض الحرمين إلى ناد أو منتجع، وقذف بالمنطقة الخليجية لتكون على شفا حرب قد لا تبقى ولا تذر، وأنقذ اقتصاد بلاده دون أن يخجل من أن يكون سمسار سلاح.. ولا عزاء لقادة العرب الذين جمعهم -عن بكرة أبيهم- باتصال هاتفى.