قلب الصعيد وزيارة الرئيس

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

بالأمس قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة «قنا». إنها المرة الأولى منذ توليه سدة الحكم فى البلاد، افتتح العديد من المشروعات، بعث الأمل مجدداً فى النفوس، حدثنا عن «قنا» الواعدة، عن الصعيد وتطلعاته، عن خطته للتنمية والتعمير.

سعد أبناء «قنا» كثيراً، أدركوا أن الدولة ليست بعيدة عنهم، وأن الإيمان بالمستقبل الواعد لن يكون حلماً وفقط.. هنا فى أرضنا «البكر» والناس البسطاء، لا طريق إلى اليأس، حتى فى أصعب الظروف، مرت على محافظتنا وصعيدنا الذى هُمش كثيراً أزمات متعددة، تجاوزناها بفعل الإيمان بالوطن، ماضيه وحاضره ومستقبله، أدرك الناس أن أزماتهم هى جزء من أزمة عامة، حتى وإن شعروا بالظلم والتهميش، كان الصبر دوماً هو عنوانهم فى التعامل مع هذا الواقع وتلك الأزمات.

وخلال أحداث الخامس والعشرين من يناير، كانت قنا وغيرها من محافظات الصعيد عاقلة فى رؤيتها، حريصة على الكيان الوطنى، تحركت الفئات الاجتماعية المختلفة لتحمى منشآت الدولة من أى محاولات للهدم والعبث.

كان البعض يتساءل: أين الصعيد من أحداث الثورة؟

وكان الصعيد يرد: فارق كبير بين نبل الأهداف والسعى إلى تغيير الواقع والنظام وبين محاولات هدم الدولة وضرب مؤسساتها.

لم يدرك البعض أن الصعيد كان يتصرف ويتعامل مع الأحداث بحكمة إلا بعد مضى فترة طويلة من الوقت، هنا عكس الواقع الاجتماعى نفسه بأصالته وانتمائه الوطنى وإحساسه بالخطر قبل وقوعه. وإذا مضيت فى شوارع الصعيد، مدنه وقراه ونجوعه، لن تجد شعاراً واحداً قميئاً يهتف بسقوط ما كان يسميه الخونة «حكم العسكر»، تجولت برفقة اللواء أحمد جمال الدين خلال عام 2013، فى العديد من محافظات الصعيد، لم نرَ لهذا الشعار أصلاً ولا ترجمة فى شوارعنا. كان ذلك يعنى الانتماء والحرص على المؤسسات وفى مقدمتها القوات المسلحة برجالها الشرفاء الذين ضحوا وتحملوا، كنا نعانى، ونشعر بغياب السلطة التنفيذية لعقود طويلة عن تنمية الصعيد، ولكننا كنا ندرك أن اللحظة مقبلة بلا جدال.

وعندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر الشباب فى «أسوان» فى يناير الماضى عن الصعيد المهمش، الذى تم نسيانه على مدى عقود من الزمن، تنفسنا الصعداء، أخيراً جاء الرجل الذى تحدث بما يجيش فى العقول، قالها بكل صراحة ووضوح، ووعد بتغيير الواقع.

إن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كان صريحاً ودقيقاً عندما أكد فى تقريره عن العام 2016 أن 58٪ من أبناء الصعيد تحت خط الفقر، وأن الصعيد يعانى من أزمات عنيفة فى الخدمات والبطالة.

لقد كان ذلك بمثابة إنذار، أدرك الرئيس خطورته، خاصة أنه كان يعلم من خلال التقارير حقائق الواقع الذى صبر عليه أبناء الصعيد كثيراً، حرصاً على الدولة وحماية للكيان.

والصعيد بطبعه طارد للتيارات الغريبة والقوى المتآمرة على الوطن، ولذلك عندما ترددت بعض الأسماء التى اتهمت بالتورط فى أحداث الكنيستين، تحركت القبائل من تلقاء ذاتها لتشجب وتدين وتتبرأ من المتورطين، خوفاً وحرصاً على سلامة البلاد.

وعندما وصل الرئيس بالأمس إلى قنا، وافتتح المشروعات الجديدة التى حولت منطقة المراشدة بالقرب من المدينة إلى منطقة واعدة وجاذبة للاستثمار، أدرك الكثيرون أن الشرارة قد انطلقت، وأن مشروع «المثلث الذهبى» سيكون بداية أكثر قوة للانطلاق التنموى وبعث الأمل خصوصاً فى نفوس الشباب والعاطلين.

إن وجود الرئيس وسط هؤلاء البسطاء بتلقائيته، وفهمه لحقائق الواقع، هى رسالة للحكومة وللمستثمرين ورجال الأعمال، خاصة أبناء الصعيد منهم بأن يتحركوا سريعاً، ليبنوا ويؤسسوا لتنمية مستدامة ومشروعات من شأنها أن تساعد أبناء قنا والصعيد للخروج من أزماتهم المستمرة والمستحكمة. إن ذلك يستوجب أيضاً إحداث ثورة إدارية وخلق كوادر ناجحة، وتفعيل الجهاز التنفيذى ومحاسبته على التقصير فى حق المواطنين، حتى تبدو الصورة كاملة.

لقد تحدث د.على عبدالعال، رئيس مجلس النواب مؤخراً أمام البرلمان، وقال إن هناك عدداً من محافظى الصعيد يعرقلون الاستثمار، وقال: إن رئيس الوزراء يعرف أسماءهم، فهل تحرك أحد ليسأل من هم؟ ولماذا الصمت عليهم؟! لقد مر الأمر مرور الكرام، وهذا هو الخطر بعينه، الذى يعنى عدم الاكتراث والصمت على الواقع الصعب، فهل تمنح الدولة «قبلة» الأمل والحياة للصعيد مجدداً؟ لقد جاء إلى قنا فى يوم ما رجل يسمى «عادل لبيب» أحدث نهضة فى المحافظة لا يمكن أن تنسى، ولا يمكن أن يتم تجاهلها، لأنها أصبحت واقعاً، يعيش فى الشوارع والمنشآت، بل وسلوك الناس.

لقد استطاع عادل لبيب أن يحدث ثورة نهضوية فى قنا، فأصبحت بلدتنا مثار إعجاب وتفوق، ومن تخلفها التنموى والبيئى، راحت قنا تحتل المركز الأول، وتحصل على جائزة الأيزو، والبيئة، والإدارة، وكانت التجربة وما زالت مثار دهشة أمام كل الجهات المعنية الداخلية والخارجية.

لقد ركز عادل لبيب، منذ البداية، على السلوكيات، خطط، ونفذ، وتابع، وكان فى كل ذلك عادلاً وحاسماً، اكتسب قلوب الناس، وجسد آمالهم وكنا دوماً وما زلنا نفخر بتجربتنا.

وعندما جاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى هنا خلال فترة تولى عادل لبيب، قال له فى مؤتمر جماهيرى «إن تجربة قنا شكلت نموذجاً يجب الاحتذاء به».

من هنا يمكن القول إن تغيير الواقع ليس صعباً، وإن الإدارة وحسن الأداء والكفاءة هى العناوين المهمة للنجاح، ولذلك نتمنى أن تشكل زيارة الرئيس ورؤيته بداية جديدة للانطلاق إلى الأمام.