كاميرا "حسام الدين مصطفى".. حركة وإغراء وتاريخ و"حرافيش"

كتب: حسن معروف

كاميرا "حسام الدين مصطفى".. حركة وإغراء وتاريخ و"حرافيش"

كاميرا "حسام الدين مصطفى".. حركة وإغراء وتاريخ و"حرافيش"

يستطيع الجمهور أن يشهد لنجمه المفضل أنه "متعدد المواهب" إذا غنى ومثّل في آن واحد، لكن الأمر صعب كثيرا أن يشهد الجمهور لمخرج بذلك، فهو يعتبر "الإخراج" منهج واحد في مختلف الموضوعات، من برع في الدراما يبرع في السينما، ومن بزع في أفلام الأكشن سيكتسح الأفلام الرومانسية.

من "درب الهوى" و"نساء ضائعات" إلى "غابة من السيقان" و"الأخوة الأعداء"، تقترب كاميرا حسام الدين مصطفى من خطين متشابكين، المرأة كمؤثر في المجتمع وكمتأثر منه، لم يكن الإغراء في عيون مصطفى هو "الجسد"، بل امتد إلى ما هو أبعد، وصل إلى مزيج بسيط ومستفز للمشاهد بين حركة الجسد والصوت والموسيقى التصويرية، خلق البعد الجديد للنص الأصلي، ومد ظلا من الرواية أو السيناريو على المشاهد أدخله في عالمه ولم يفلته.

يقع "عبد العزيز" في حب "أوهام" فوق "سرير الدعارة"، هذا آخر مكان يتخيل المشاهد أن يأخذه إليه المخرج ليرى ميلاد حب اعتاد وقتها أن يراه في الحدائق أو مدرج الجامعة، مع التنويه بأن يسرا لم تكن في ذلك الوقت تشير من قريب أو بعيد إلى فتاة إغراء، لكن القصة بينها وبين أحمد زكي غطت دراميا على إغراء مفتعل من "مديحة كامل"، التي تقع بين "عبد الحفيظ باشا" وبين مراد، من جهة تأثرت حالة الإغراء بكلمات أستاذ الفلسفة، فيما تأثرت سياسة أحد أجهزة الدولة الحساسة بالإغراء ذاته.

تتحرك كامير حسام مصطفى ببطء بين صفحات التاريخ المصري، تنقل لنا نقاطا مضيئة من عهود بعيدة أو قريبة، تحييها جيلا بعد جيلا من واسطة الكتاب إلى واسطة المشاهد المتحركة في السينما والتليفزيون.

وصلت كاميرا حسام الدين مصطفى إلى عصر تكالبت فيه الأخطار على الأمة الإسلامية، حتى سقطت بغداد في يد المغول، ترصد فارسا عاش يتيما بين قيد العبودية، حتى جاءت لحظته صعد بسرعة البرق إلى سدة الحكم، بعد أن ضمته مصر هاربا، ومن قلعة الجبل بالقاهرة قاد أمة من المحيط إلى الخليج لصد المعتدين، ولكن "سيف الدين قطز" في "فرسان" حسام مصطفى لم يكن قطز في الإنتاج المصري الإيطالي لفيلم "وا إسلاماه"، ففروسية أحمد مظهر جعلته خارجا للتو من كتاب التاريخ، بينما فروسية احمد عبد العزيز ألصقته أكثر بالبيئة المصرية التي وقعت فيها الأحداث، فمع براعته في التمثيل لم يكن عبد العزيز فارسا في هيئته، لكن كاميرا حسام الدين مصطفى جعلت منه فارسا "بعينيه" وبتعبيرات وجهه، التي اعتمد عليها كثيرا خلال المسلسل في توصيل "الفروسية".

تفاصيل "الفرسان" التي ارتكز إليها مصطفى كانت السبب الرئيسي في نجاح المسلسل جماهيريا، رغم أنه قوبل بالنقد بعد ذلك لضعف اداء بعض الممثلين، بخاصة جمال عبد الناصر، الذي أدى دور "بيبرس البندقداري"، والمعروف أن بيبرس كان قوقازيا أشقر، لكن العمل الفني تتحكم فيه العديد العوامل حتى تصل به إلى النجاح،وهذا ما فرده مصطفى في مسلسله من قصص إنسانية تعلق بها المصريون والعرب عن أزمة تشبه واقعهم شغلتهم عن التركيز على لون بشرة جمال عبد الناصر.

التفاصيل نفسها أعادها في مسلسل الأبطال، ومواجهة المصريين للمحتل الفرنسي ثم البريطاني ومحاولات الخروج من نير السيطرة العثمانية باسم الدين والخلافة، وتطور الشخصية المصرية بتطور الأحداث، وأيضا في "الرصاصة لا تزال في جيبي"، وفاطمة التي تعادل الأرض الطيبة ومحمد الفلاح المتعلم الذي يلبي نداء الواجب في الداخل والخارج ومروان الضابط الشاب الذي يستطيع قيادة رجاله من الهزيمة وحتى النصر ويكون نموذجا لهم، كل هذا المزج استطاع به حسام الدين مصطفى أن يخلق "تاريخا شعبيا" داخل أعمال التاريخية، تاريخا يقترب من مصر والمصريين ويبتعد قليلا عن تعقيد الكتب، دون تزوير أو إخلال ولكن بمعالجات وإن اعترض عليها البعض فإن النجاح الشعبي لها رد هذه الاعتراضات.

أعمال حسام الدين مصطفى سواء التاريخية أو الاجتماعية أو المنقولة عن روايات مثل "السمان والخريف" في كفة، وفيلم "الحرافيش" في كفة أخرى، واختياره للجزء الثالث تحديدا "الحب والقضبان"، الذي يموج بتفاعلات إنسانية وانفعالات حية لا تموت ولا تتقادم بمرور الزمن، العمل لم يكن منقولا من رواية تاريخية، بل من ملحمة "الحرافيش" ذات الأجزاء العشر للأديب العالمي نجيب محفوظ، لكنها تدور في فترة تاريخية تفاصيلها مرت بالفعل على الشارع المصري في عصر "الفتوات"، صراعات تدور بين قيم الخير والشر، بين المال والحب والأخوة والأمانة والمسؤولية والسلطة والنفوذ، استطاعت كامير حسام الدين مصطفى أن تستولدها من حركات ممثليه ومن أصوات الشارع والناس وملابسهم وطعامهم، الحوار لم يكن البطل الحقيقي في هذا الفيلم بل كانت الصورة التي تتسارع برشاقة النصر والفرح أحيانا وتتسمر تسمر الحزن والهم أحيانا.

 


مواضيع متعلقة