أهالى قويسنا يكتشفون 3 صوب زراعية للتنقيب عن الآثار فى «تل أم حرب»

كتب: محمود عبدالرحمن

أهالى قويسنا يكتشفون 3 صوب زراعية للتنقيب عن الآثار فى «تل أم حرب»

أهالى قويسنا يكتشفون 3 صوب زراعية للتنقيب عن الآثار فى «تل أم حرب»

هاجم أهالى قرية مصطاى، التابعة لمركز قويسنا بالمنوفية، 3 صوب زراعية، مُقامة على أرض مملوكة لأحد رجال الأعمال من أبناء مدينة قويسنا، تقع بالقرب من منطقة أثرية، أنشئت منذ ما يقرب من العام ونصف العام، فى غفلة من المسئولين فى هيئة الآثار ومديرية الزراعة بمحافظة المنوفية، بعد انتشار صور ومقاطع فيديو لبعض أبناء القرية بحوزتهم قطع أثرية، بالإضافة لحدوث العديد من المشاكل والخلافات بين بعض الأشخاص المتعاملين فى تجارة الآثار، ووصلت تلك الخلافات إلى التراشق عبر مواقع التواصل الاجتماعى على مرأى ومسمع من الجميع.

{long_qoute_1}

وأسفر اقتحام الأهالى للصوب الزراعية عن اكتشاف وجود عدد من الحفريات بشكل منظم، بالإضافة لبعض الحُفر التى تم ردمها، وقام الأهالى بإبلاغ مركز شرطة قويسنا واتهام أصحاب الأرض بالتنقيب عن الآثار. يقول النائب أحمد رفعت، عضو مجلس الشعب عن قويسنا وبركة السبع، أحد أبناء قرية مصطاى، إن «الصوب الثلاث تم إنشاؤها منذ نحو عام ونصف العام، فى واقعة غريبة، لأنها ملاصقة لمنطقة أثرية يوجد عليها حراسة خاصة من هيئة الآثار، ولا يوجد فى محيطها أى مشروعات زراعية، وبعد شكاوى عديدة من أبناء القرية والقرى المجاورة لها للمسئولين، اتهموا فيها مُلاك الأرض (زوجة رجل الأعمال المتوفى وشقيقه وزوج شقيقتها) بالتنقيب عن الآثار، خاصة بعد انتشار فيديوهات عديدة لأشخاص معروفين من أبناء مدينة قويسنا بالاتجار فى الآثار، قُمت بإبلاغ المسئولين بضرورة نزول حملات تفتيشية على تلك الصوب، والتحقيق فى شكاوى الأهالى، إلا أن شيئاً لم يحدث، وتم إبلاغى بأن صاحب الأرض حاصل على ترخيص مزاولة من وزارة الزراعة، فاتجهت بسؤالى لوكيل وزارة الزراعة فى محافظة المنوفية، المهندس عبدالرافع جاد، فقال إن المسئولية كلها تقع على عاتق هيئة الآثار، لأن القطعة المقام عليها الصوب الزراعية تقع ضمن حيازة وزارة الزراعة وليس وزارة الآثار، وهو ما يعنى أن مسئولية التنقيب تقع على عاتق وزارتَى الداخلية والآثار، أما مديرية الزراعة فدورها ينتهى عند منح ترخيص إنشاء صوب زراعية فقط».

{long_qoute_2}

وأضاف «رفعت» أن المسئولين فى محافظة المنوفية لم يتحركوا لوقف ما وصفه بالمهزلة التى تدمر تاريخ مصر، باستيلاء بعض الأشخاص على آثار منطقة «تل أم حرب» المصنّفة كأحد أهم المناطق الأثرية فى محافظة المنوفية، «الأمر الذى دفعنى ومعى مجموعة من أبناء مركز قويسنا لمهاجمة الصوب، بعد إبلاغ بعض الجهات الأمنية العليا، ومديرية أمن المنوفية، التى أوفدت رئيس مباحث قسم شرطة قويسنا وقوة مرافقة له، جاءوا معنا ورصدوا بأعينهم وجود حفريات كبرى للتنقيب عن الآثار، وتم تحرير محضر بالواقعة، وجار ضبط أصحاب الأرض».

وأكد عضو مجلس النواب أن «خفراء المنطقة الأثرية التابعين لهيئة الآثار أكدوا له أنهم قاموا بإبلاغ المسئولين فى الهيئة بوجود حفر وتنقيب عن الآثار داخل تلك الصوب الزراعية، وأن الرد جاء إليهم بضرورة التزام الصمت، منعاً لحدوث مشاكل تتعلق بالأمن القومى، وتم إجبارهم على عدم إرسال شكاوى للمسئولين فى وزارة الآثار حفاظاً على «أكل عيشهم»، وبعد اقتحام الأهالى للصوب وإثبات وجود حفريات فى محضر رسمى، تقدمت باستجواب عاجل لوزير الآثار، وطلبت حضوره إلى مقر مجلس النواب للرد على تلك الفضيحة»، على حد تعبيره.

{long_qoute_3}

وقال صبرى عطية، أحد أبناء القرية، وشاهد عيان على الواقعة، إن «عمليات التنقيب عن الآثار فى منطقة مقام تل أم حرب الأثرية تحدث ليل نهار تحت ستار الصوب الزراعية، الأمر الذى يسهل معه دخول وخروج معدات الحفر ووجود مجموعة عمل منتظمة من (الأنفار)، وبعد تيقن أبناء القرية مما يحدث فى الداخل من تنقيب عن الآثار، بعد أن قام أحد أبناء القرية بالتسلل داخل تلك الصوب وتصوير عمليات الحفر، قمنا بمهاجمة تلك الصوب، وإثبات ما يحدث بداخلها فى محضر رسمى بهدف تقديم المتعدين على أملاك الدولة للعدالة».

وأضاف الرجل الستينى أن المنطقة الجبلية الملاصقة لحدود مدينة قويسنا تنتشر فيها جريمة التنقيب عن الآثار بشكل ممهنج، وما يحدث من تجارة آثار فى تلك المنطقة، هو حديث الناس بشكل مستمر، إلا أن خوف الأهالى من الاصطدام بمافيا الاتجار يجعلهم يرفضون تقديم بلاغات رسمية لقسم الشرطة، خوفاً من عاقبة ذلك، خاصة أن العاملين بتلك المافيا دائماً ما يتحدثون عن علاقاتهم القوية بأشخاص «مسنودين» فى وظائف عليا من أبناء مركز قويسنا: «كل واحد بيشوف أو يسمع يقول ماليش دعوة بدل ما يضطهدونى أو يؤذونى فى أسرتى، فكل واحد بيلمّ هدومه عنهم وخلاص».

وأشار أيمن زين، أحد شهود العيان، إلى أن القصة بدأت نتيجة فساد القائمين على العمل فى محافظة المنوفية -على حد قوله- سواء فى مديرية الزراعة أو هيئة الآثار، لأنهم على علم تام بهؤلاء الأشخاص الذين يسرقون تاريخ وحضارة محافظة المنوفية، والأكثر من ذلك، أنهم سمحوا لهم بالتنقيب عن الآثار والاتجار فيها برخصة رسمية تتمثل فى منحهم حق إقامة صوب زراعية فى تلك المنطقة الهامة، بالرغم من أن القانون يلزم أهالى القرى المجاورة لتلك المنطقة الأثرية بضرورة الإبلاغ قبل هدم منازلهم للحصول على رخصة بناء، حتى لا يتم اتهامهم بالتنقيب عن الآثار، ويستمر وجود لجنة تابعة لهيئة الآثار مع أصحاب المنزل المراد إعادة بنائه طوال فترة «رمى القواعد الخرسانية»، ولكن فى هذه الحالة الغريبة سمح المسئولون لبعض رجال الأعمال بإقامة صوبات زراعية فى منطقة جبلية.

وأضاف الرجل الأربعينى أن «الصوب الثلاث عبارة عن أرض جرداء لا يوجد فيها إلا بعض شتلات باذنجان، وداخل الحفر الثلاث المفتوحة وجدنا جدراناً أثرية وعظاماً آدمية، وبعض الأنفاق الممتدة داخل بطن الأرض نعتقد أنها فى طريقها إلى مقام أم حرب الأثرى، الذى يضم مئات القطع الأثرية التى تشرح جزءاً هاماً من تاريخ مصر، وقام أصحاب الأرض بإنشاء بوابات خشبية بـ«مفصلات» على فوهة تلك الحفر، لتسهيل مهام الحفر، بالإضافة لبعض المعدات الخاصة بالحفر والتنقيب».

وقال مصدر مسئول بهيئة آثار منطقة وسط الدلتا (طلب عدم ذكر اسمه) أن محافظة المنوفية إحدى المحافظات القليلة والفقيرة فى آثارها الفرعونية، وبالرغم من ذلك يوجد بها العديد من الأماكن التى نالت شهرة عالمية واهتمت بها البعثات الأجنبية، وفى مقدمة تلك المناطق تل آثار قويسنا، موضوع التحقيق، التى كانت جاذبة لعدد من البعثات المصرية والأجنبية، وفى أوائل التسعينات من القرن الماضى تم عمل أكثر من بعثة مصرية تابعة لوزارة الآثار وجامعة المنوفية فيها، وبعد ذلك عملت بها البعثة الإنجليزية أكثر من موسم واستخرجت العديد من الآثار الهامة.

وأضاف المصدر أن منطقة تل آثار قويسنا كانت جزءاً من الإقليم التاسع وامتداداً له من ناحية الجنوب، وكانت عاصمته مدينة «بو أوزير» أو قرية أبوصير بنا، التى أصبحت حالياً تابعة لمركز مدينة سمنود بمحافظة الغربية، لذا فالتنقيب عن الآثار فى تلك المنطقة يُعتبر جريمة فى حق الآثار والتراث وفى حق مواطنى محافظة المنوفية أنفسهم، ذلك لأن الآثار ليست مملوكة لوزارة الآثار فقط، ولكنها تخص كافة أطياف الشعب المصرى، ولا يجوز لأى فرد العبث بها عشوائياً، ولكن رغبة عديمى الضمير فى الاغتناء السريع بطرق غير شرعية، دفعتهم للعبث بها ونبش ما خلّفه لنا الأجداد.

وعن طرق التفتيش والمراقبة التى تتم على المناطق الأثرية، أشار المصدر إلى أن المنطقة موضع التنقيب تتبع إدارياً منطقة آثار وسط الدلتا ومقرها مدينة طنطا، ولها مدير عام ومدير آخر يعاونه، بالإضافة إلى كبار المفتشين وصغار المفتشين المتعاقدين، وبجانب هذا الهيكل الإدارى يوجد بها حراسة (خفر) ومراقبو أمن ويوجد برامج مرور شهرية دورية للأثريين يغطون بها كل أيام الشهر لتأمين المواقع والمناطق الخاضعة للإشراف عليها من واقع قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لعام 2010 ولا يجوز قانوناً إجراء أعمال حفر أو بحث عن الآثار إلا بعد الرجوع إلى منطقة آثار المنوفية التى تخاطب منطقة آثار وسط الدلتا والتى بدورها لا توافق إلا بعد عرض الأمر على اللجنة الدائمة بوزارة الآثار للموافقة أو الرفض، وبالمثل يتم التعامل مع العقارات التى ينوى أصحابها تجديدها أو هدمها، فيتم اتخاذ نفس الإجراءات معها، لذا لا بد من التحقيق الفورى ضد كل من تقاعس عن أداء الواجب المنوط به واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده، لكن مع الأخذ فى الاعتبار التفريق بين أعمال الحفر التى تتم خلسة فى أماكن مستترة بعيدة عن الأعين لا يستطيع أى من مراقبى المواقع اكتشافها ولا يمكن ملاحظتها إلا عن طريق بلاغ أو شكوى مقدمة من أحد المواطنين، وفى تلك الحالة يجوز لمدير عام المنطقة أن يقوم بتشكيل لجنة من أثريين وفرد شرطة وإخصائى مساحة وأملاك للمعاينة الفورية وكتابة تقرير نهائى حول هذه الشكوى ومدى جديتها، أما إذا كانت أعمال الحفر تتم على مرأى ومسمع من الجميع، فالعقوبة تكون مختلفة، وهنا يجب مجازاة مشرفى الآثار وأفراد الأمن وكافة الذين لهم علاقة بالأمر.

من جانبه، قال المهندس أحمد عبدالله، وكيل وزارة الزراعة فى المنوفية، إنه قام بتشكيل لجنة تضم عدداً من مسئولى الزراعة فى محافظة المنوفية للتحقيق فى الأخبار المتداولة عن التنقيب عن الآثار داخل الصوب الزراعية فى المنطقة الجبلية فى قويسنا، مؤكداً أن دور مديريات الزراعة يتوقف عن الاطمئنان على وجود زراعة حقيقية داخل الصوب الحاصلة على التراخيص الرسمية من المديرية، وفى حالة ثبوت وجود أى تقصير من المسئولين بالمديرية سوف يتم تحويله للشئون القانونية على الفور.

وأضاف وكيل وزارة الزراعة أنه تولى المسئولية منذ ثلاثة أشهر فقط، والأخبار المتداولة عن التنقيب تشير إلى ضلوع المنقبين فى تلك المهنة، والمسئولية الكبرى تقع على عاتق هيئة الآثار، لأن تأمين تلك المناطق الأثرية يتبعها مباشرة، والزراعة ليس لها علاقة بهذه المناطق من قريب أو بعيد، باستثناء منح تراخيص الصوب الزراعية، لذا فاللجنة الآن تبحث حقيقة تلك التصاريح، خاصة أنها ممنوحة فى منطقة أثرية.

موقع آخر للتنقيببعض الأهالى داخل الصوبة الزراعية


مواضيع متعلقة