-لا مؤاخذة- علاء الأسوانى
أول من لفت نظرى إلى أن هناك كاتباً يسمى «علاء الأسوانى» هو السيناريست المبدع وحيد حامد. كان ذلك عقب صدور «عمارة يعقوبيان»، التى تُسمى مجازاً «رواية». قال لى وحيد يومها إنه اشترى حقوقها بخمسة عشر ألف جنيه، وكان رقماً كبيراً بالنسبة لكاتب مغمور فى ذلك الوقت. ولأننى أثق فى ذائقة وحيد حامد الأدبية، وانحيازه السياسى والاجتماعى -على نحو ما بدا فى معظم، إن لم يكن كل، أعماله السينمائية والتليفزيونية- فقد هرولت إلى قراءة هذه «العمارة» وكأننى سأقرأ عملاً لماركيز أو ميلان كونديرا أو نجيب محفوظ أو عبدالرحمن منيف أو غيرهم من فطاحل الأدب. اشتريت نسخة من «العمارة» واحتشدت لقراءتها، وبعد حوالى سبعين صفحة أغلقتها وتخلصت منها لأول شخص طلب استعارتها. لم أشعر وقتها بأنها مجرد «رواية سيئة»، بل شعرت أنها ليست «رواية» من الأساس، أى لا تنتمى إلى هذا النوع من الإبداع بأى معيار.. ربما باستثناء معيار «الحكى»، وهو ما يجعل والدتى -رحمها الله- مؤهلة للفوز بجائزة نوبل فى الأدب.
على أية حال.. تحولت «العمارة» إلى فيلم سينمائى أنتجته شركة «جود نيوز» التى يملكها عماد الدين أديب، بتكلفة هى الأضخم فى ذلك الوقت، وبعدد من نجوم الصف الأول لم يتوافر لأى عمل فنى من قبل. وقد حقق الفيلم جماهيرية لا بأس بها، بصرف النظر عن الفضول الذى أثارته شخصية الصحفى الشاذ جنسياً (لعب الدور خالد الصاوى) لدى شريحة واسعة من المتفرجين. وعلى الرغم من أن «عمارة يعقوبيان» هو الأضعف بين أعمال وحيد حامد.. فإن سحر السينما -وحرفية وحيد على نحو خاص- هو الذى أنقذ النص الأصلى، ومنحه قيمة لم يكن يحلم بها صاحبه. أما عورات هذا النص فقد تكفّل الناقد الراحل فاروق عبدالقادر بفضحها فى مقال مطول نشره فى مجلة «المصور».
بعد ذلك انهالت أعمال «علاء يعقوبيان»، وتُرجم الكثير منها -أو كلها- إلى لغات أخرى، لكنها فى ظنى تُرجمت لأى سبب.. إلا أن تكون أعمالاً أدبية. وفى غضون ذلك أضاف هذا «العلاء» إلى سجله «الأسوانى» كتابة الرأى، وأصبحت الصحف تتخاطفه كما لو كان توماس فريدمان، وتحولت حفلات توقيع إبداعاته «الأسوانية» -سواء كتبه السياسية، التى هى فى الغالب تجميع لمقالاته، أو أعماله الأدبية، التى ليس فيها من الأدب سوى «حكى» هذه المقالات- إلى ما يشبه فرح العمدة. وفى الأخير تحول هو شخصياً إلى «ولىّ» من أولياء الكتابة غير الصالحين: له أتباع ودراويش يستنشقون غبار مواكبه، ويتخاطفون قصاقيصه كالأحجبة، وله فى كل «مكتبة شروق».. مقام. وبموجب هذه «الولاية» احتسب نفسه عند النخبة معارضاً لنظام حكم الرئيس مبارك، وكهذه النخبة أيضاً ركب انتفاضة المصريين ضد هذا النظام فى 25 يناير، وشارك فى الحرب التى أشعلها الإخوان -دون أن يدرى- ضد المجلس العسكرى أثناء الفترة الانتقالية، ودخل فى عراك سوقى مع الفريق «البائد» أحمد شفيق أثناء انتخابات الرئاسة. وبكل ما فيه من غل وعناد ونزق وقصر نظر و«ثورية مفتعلة».. أعلن انحيازه الكامل للإخوان، وكان واحداً من الجوقة الداعمة لمرشحهم محمد مرسى، رغم أنه قاطع انتخابات الإعادة حسبما قال.
كانت تلك خطيئته التى لا تمحوها توبة ولا يغفرها ندم. وإذا كان له فى ذلك عزاء.. فعزاؤه الوحيد أن لائحة المتورطين فى هذه الجريمة تضم أسماء أخرى كثيرة ممن يحسبون أنفسهم «نخبة»، وهم بجريمتهم تلك.. كانوا أشد خطراً على انتفاضة يناير وعلى مصر كلها من خلايا الإخوان النائمة.
وفى لقاء تليفزيونى أجراه الإعلامى عماد الدين أديب أمس الأول، الأحد، حرص على تسمية علاء الأسوانى بـ«الأديب العالمى»، ولا أعرف فى الحقيقة ما الذى بقى لنجيب محفوظ بعد ذلك وهو الفائز بجائزة نوبل، أرفع جوائز الأدب فى العالم! وخلال اللقاء تحدث هذا العلاء -الذى لا يحمل من اسم «الأسوانى» سوى شكل ومحتوى «محمد العمدة»- عن ثورة يناير كما لو كان الأب الروحى لها. وفى تقديرى أن هذه الثورة لم تفسد -أو لم تتعثر- بسبب افتقادها لـ«قيادة»، بل لكثرة آبائها الروحيين: من البرادعى إلى أسماء محفوظ، مروراً بالأخ علاء يعقوبيان ونخبته العمياء. وفى سياق حديثه عن الإخوان وما يفعلونه الآن.. وصف نظام حكمهم بأنه «احتلال»، وكان مصراً طوال الحديث على ألا يسمى محمد مرسى «رئيساً»! يا سلام!!.. كأن الأخ علاء اكتشف فجأة أن الإخوان جماعة فاشية، وأن مرسى لا يصلح رئيساً!
ألم تقرأ تاريخهم الأسود يا أديب الحشو النابه؟ ألم تكن تعرف أن محمد مرسى أخذها جرياً بظهره من سجن وادى النطرون إلى قصر الاتحادية؟ ألا تخجل من نفسك وقد أجلستنا أنت وحمدى قنديلك وبلال فضلك وغيرهما على خازوق.. لن يخرج إلا بالدم؟ ألا ترى أن من الأفضل لنا ولك أن تختبئ فى عيادتك وتريحنا من حضورك الثقيل إلى أن تنزاح الغمة وتنجو مصر من جريمتك الشنعاء؟ أليس حرياً بك أن تطور أدواتك فى الكتابة، لعلك تصبح روائياً «بالفعل».. لا بـ«خلع الضرس»؟