وزارة التخطيط واستشراف المستقبل
فى مسيرة الرحلة التنموية للرقى بالمجتمعات، تستوقفك دروب تشخيصية وتخطيطية وتطويرية ترسخ لمنطلقات واقعية تلبى احتياجات آنية وطموحات واعدة. فى زيارتى الأخيرة إلى القاهرة، جمعنى لقاء استثنائى مع أحد نُسّاك العمل التطويرى ومسئول ملف الإصلاح الإدارى، أخذتنى ذاكرتى إلى صورته منذ أعوام قليلة، وقد أصبحت ملامحه اليوم مثقلة بهموم الشأن العام ومسئولياته المحتكمة لمحدودية الموارد، وكأن أصحاب الهمم والبناء أضحوا عملة نادرة فى غياب الرؤية التنموية الشمولية.
فى حنايا اللقاء مع أحد صناع الأمل والتفاؤل والعمل الجاد فى صمت أمين، والبحث عن كل قيمة مضافة لجدارية الوطن، تجد ذاتك حاضرة أمام خماسية التطوير التى تشغل عقله ووقته ليخصص عدة ساعات لاستشراف المستقبل عبر جلسة معرفية تشاركية وتفكير خارج الصندوق. تضع أولى الحلقات الخماسية (الفاعل الحكومى) أو (الخادم المدنى الوطنى) أو(رأس المال البشرى) فى أولى الأولويات، ولهذا تشاركنا شجون الحديث حول هذا الهم المتجدد فى المسئولية التنموية البشرية، وأثلج صدرى حين تجاوزت محاور العمل مسكنات العَرَض إلى مواجهة المرض من خلال خطوات جادة فى قانون الخدمة المدنية ولائحته المرتقبة، وعبر برامج تدريب وتمكين لثروة تقدر بـ7 ملايين رأس مال بشرى فى 33 وزارة ونحو 234 هيئة و27 محافظة، وتنقيب دائم عن مواهب مؤسسية وقيادية تمتلك أدوات ولغة العصر، إنه الأمل والاستثمار الأمثل لأكثر من 25% من الميزانية المصرية تمثل رواتب حكومية؛ مع تركة مثقلة بثقافة الأداء بدون أثر ومخاصمة التطوير، والتعامل مع الوظيفة بفقه الأبدية والندية.
وفى الحلقة الثانية، انتقلنا إلى منظومة الخدمات الحكومية وما تم من جهود كبيرة سيرى المواطن أثرها قريباً، إضافة إلى خطط إشراك القطاع الخاص بصورة محوكمة فى تقديم الخدمة وفق رؤية (توفير الخدمات) عبر قنوات مبتكرة وبمواصفات ترتقى بمجتمع طال انتظاره إلى خدمة حكومية متميزة. إننا أمام نقلة غير مسبوقة فى مواجهة هذا الوجع المصرى من مستوى الخدمة الحكومية. أما الحلقة الثالثة، فتجعلك تنحنى احتراماً لواقعية جعلت من (بيتنا أولاً) أولى الأولويات، عبر تحديث الهيكل التنظيمى للوزارة؛ ليكون نموذجاً تحتذى به الوزارات الأخرى، وبالتوازى مع تحديث المشتركات والثوابت الاستراتيجية للوزارات لتعزف جميعها سيمفونية واحدة هيكلياً وتنظيمياً مع الاحتفاظ لكل وزارة بخصوصياتها.
فى الحلقة الرابعة، كانت رؤية مصر 2030 محور حديثنا، ولأنه أمين فى علمه وعمله، فقد أثنى على جهود زملاء العمل وما قدموه منذ الأعمال التحضيرية للرؤية فى عام 2014، والمستقبل القريب سيشهد تضافر جهود شركاء العمل لتمضى قاطرة مصر التنموية بثبات نحو مستقبل واعد. أما الحلقة الخامسة، فهى خاصة بالشراكات الواعدة عبر (وحدة المسئولية المجتمعية)، وتسعى الوزارة إلى استحداثها فى هيكلها التنظيمى، ليكون المجتمع شريكاً أساسياً فى الرحلة التنموية المصرية.
إلى أصحاب المواطنة الإيجابية.. بين أيديكم وزارة تسعى إلى تحقيق بصمة نوعية فى جودة حياة المصريين من خلال نهج استشرافى معرفى يستحق التقدير والإشادة، تقوده وزيرة هى مايسترو مشهود لها بتاريخ زاخر فى إعلاء المصلحة الوطنية والعمل المؤسسى المتميز، ويعاونها سدنة تنمية مستدامة يخجلونك بتواضعهم الإنسانى وغيرتهم الوطنية أفعالاً لا أقوالاً، فصدورهم وعقولهم تشرع أبوابها لأصحاب المبادرات والعمل الجاد؛ ليساهموا فى التطوير فى صمت لا يكسره إلا صوت النتائج.
كفانا تحليلات وتنظيرات وانتقادات غير موضوعية؛ فالرحلة التنموية فى البلدان التى احتلت مراتب متقدمة فى التنافسية العالمية لم تبدأ من أروقة قنوات البرامج التلاسنية والخصومة المجتمعية والتناحر الوظيفى وإعلاء المصالح الشخصية، ولكنها انطلقت بسواعد وطنية مخلصة ونفوس مقدامة وهمم عالية ومبادرات فاعلة؛ لأنها لا تؤمن إلا بلغة العمل المؤسسى وروح الفريق وقيم المواطنة والتفاؤلية مهما كان الواقع أليماً والخطب جللاً.