فتح الله جولن: «أردوغان» تلاعب بسمعة الجيش لتحسين سمعته.. ويحتاج إلى العرض على طبيب نفسى (1-2)

كتب: محمد حسن عامر

فتح الله جولن: «أردوغان» تلاعب بسمعة الجيش لتحسين سمعته.. ويحتاج إلى العرض على طبيب نفسى (1-2)

فتح الله جولن: «أردوغان» تلاعب بسمعة الجيش لتحسين سمعته.. ويحتاج إلى العرض على طبيب نفسى (1-2)

كانت الأمور تسير على ما يرام مع رجب طيب أردوغان، حتى عام 2013 عندما تبدلت الأحوال تماماً باكتشاف فضائح الفساد الكبرى لحكومته، فجأة بات معلمه ورفيق دربه فتح الله جولن أستاذ وصديق الأمس القريب هو العدو الأول لـ«أردوغان»، حتى إنه اتهم حركته «الخدمة» بالوقوف وراء انقلاب يوليو الفاشل العام الماضى.

و«جولن» مثل شخصيات معارضة فى العالم لم يكن يعرف الكثيرون عنها شيئاً، حتى بات اسمه يتردد يومياً فى كل القنوات والصحف العالمية، فعندما يُذكر اسم تركيا يصاحبه اسم «جولن».

شخصية محيرة، يعتبره البعض مفكراً إسلامياً كبيراً وداعية منفتحاً يعشقه ملايين الناس داخل وخارج تركيا، بينما يعتبره آخرون، ومنهم أردوغان، «الإرهابى الذى يريد تدمير تركيا» ويجب اعتقاله فوراً. رحلة إجراء هذا الحوار مرت بالكثير من العقبات لتنجح «الوطن» فى إجراء حوار مع «جولن» بعد نحو عامين من المحاولة، بخطوات محددة وضعها أفراد حركته، فأولاً تقديم الأسئلة، ثم ترجمتها إلى اللغة التركية وتقديمها وإيصالها لـ«الأستاذ»، ثم الأجوبة، حيث يعتبر «جولن» أن أحاديثه الإعلامية «وثائق للتاريخ». تفاصيل كثيرة تحدث عنها «جولن» خلال الحوار، تعكس رؤيته للأحداث فى تركيا ومنطقة الشرق الأوسط، منها اعترافه بأن الحزب الحاكم فى تركيا «خدعه» بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.. مضيفاً: «وجدنا أنفسنا أمام طلاب سلطة، يصدرون للعالم دروساً عن الديمقراطية ويمارسون الديكتاتورية».

إلى نص الحوار:

■ من هو فتح الله جولن؟

- إنسان عادى، رأسماله الوحيد هو أنه لم يسجد لغير ربه تعالى، ويتمنى أن يقبله ربه عبداً له.

{long_qoute_1}

■ لكن أنت على رأس حركة كبيرة تسمى «الخدمة».. ما دورك فيها؟ وكيف تشكلت؟

- أنا أعتبر وجودى كفرد فى دائرة هذه المجموعة التى يعبر عنها فى الغالب بـ«الخدمة» أو «حركة المتطوعين» أو «الجامعة» من نعم الله تعالى علىّ. أما الشق الثانى من السؤال، فقد شهد أوائل النصف الثانى من القرن العشرين تقلبات جذرية فى الدين والفكر والأخلاق والثقافة، وكان لها تأثيرها الحاد على الجيل كله، شهدنا أثرها فى التراجع الحاصل على جميع الأصعدة فى جميع دول المنطقة، ومن ثم باتت الحاجة مُلحة لتنشئة جيل يكون مجهزاً بالعلوم الكونية ومتمسكاً بالقيم الدينية ومحترماً للقيم الإنسانية، جيل متدفق بالأمل والعزيمة ومتحلٍّ بالفكر الإيجابى، متمتع بقدرات يستطيع من خلالها إيجاد حلول لأزمات الإنسان.

■ وما دورك فيها إذًا؟

- شاء القدر أن أكون ضمن طليعة مباركة بذلوا جهوداً رائدة محتسبين أجرهم عند الله تعالى، وكان دورى فى هذه الطليعة أن أبين للأفراد أهمية الحاجة إلى تنشئة مثل هذا الجيل ومدى فائدة المؤسسات القائمة على ذلك ونفعيتها للإنسانية كافة، فنحن نرى أن أهم داء أصاب أمتنا فى الفترات الأخيرة هو داء الجهل وحرمان النشء من التعليم المنفتح على الآفاق الكونية والأخلاقية، ومن ثم فالتعليم هو الدواء الأمثل لهذا الداء. ولعل وظيفتى كواعظ وداعية فى المساجد كان لها العامل المؤثر فى اكتساب هذه الأفكار زخمها، حيث حركت بعض المقتنعين بهذه الأفكار إلى أن يحوّلوها واقعاً حياً يتجسد أمام الناس، ثم قمنا بترتيب لقاءات ومحاضرات وندوات فى النوادى والمقاهى والساحات العامة والجامعات المختلفة سواء فى داخل البلاد أو خارجها، حتى لا يقتصر بياننا لهذه الأفكار على جمهور المساجد فقط. واقتنع كثير من هذا الجمهور بأهمية رعاية الشباب وحمايتهم من الوقوع فى براثن التطرف والإرهاب من جهة، ومن السقوط فى فخ الانحلال الدينى أو الأخلاقى من جهة أخرى.

{left_qoute_1}

وبعد أن شعر هذا الجمهور بمنطقية هذه الأفكار وآمنوا بصدقها، بادروا إلى إنشاء أول مؤسسة سكنية طلابية تقوم برعاية الطلاب المغتربين، ثم توالت المؤسسات التعليمية الأخرى تلبية لحاجة المجتمع حتى وصلوا إلى إنشاء الجامعات.

■ ذكرتم أن من أهدافكم القضاء على الصراعات والنزاعات.. كيف تفعلون ذلك؟

- لقد أكدت طوال حياتى على فضائل التسامح والحوار والتعايش المجتمعى، وانطلقت من قاعدة «افتح صدرك للجميع، افتحه أكثر مما تستطيع»، وقاعدة «أَشعِرْ الناس أن فى قلبك لكل واحد منهم متكأً»، وهذا المنهج فى التعايش ليس بدعاً فى القول ولا العمل، بل هو منهج نبوى أصيل طبقه النبى (صلى الله عليه وسلم)، خاصة فى وثيقة المدينة المنورة مع الذين كانوا يحملون أفكاراً مختلفة، ثم بدأنا فعاليات دعونا فيها الجميع إلى نبذ الخلاف والعصبية والاجتماع على كلمة سواء بيننا، انطلقت هذه الفعاليات من تركيا منتصف التسعينات من القرن المنصرم، ودعونا فيها إلى التعاون للخلاص من الانقسامات التى تعانى منها بلادنا سواء بين العلمانيين والمتدينين أو بين العلويين والسنيين أو غيرها من الانقسامات.

{long_qoute_2}

■ وما المردود الشعبى الذى لاقته تلك الجهود؟

- لاقت هذه الجهود ترحيباً شعبياً واسعاً، والتقى على مائدة واحدة أناس كانوا بالأمس القريب لا يعرفون سوى لغة التحزب والعصبية الطائفية، فصاروا يناقشون قضاياهم بكل هدوء وبلغة راقية، وقد حمل أبناء «الخدمة» أصداء هذه الفكرة إلى كل مكان رحلوا إليه أو أسسوا فيه مؤسسات تعليمية وتربوية، فكلنا نعلم بالطبع أن مشكلة الخلاف ليست قاصرة على مناطقنا فقط، فكل المناطق فى العالم تعانى من مرض تأجيج الخلافات بين الناس وإثارة التصادم بينهم، والإنسان فى الواقع هو من يصنع هذه المشاكل، فحيثما وُجد الإنسان فإن المشاكل تتشابه والحلول أيضاً لا تختلف، وقد تبين للناس من شتى الألوان، بعد الاطلاع على هذه الخبرة، أن الاختلافات لا تؤدى بالضرورة إلى نزاعات، وإذا قوبلت برحابة صدر فإنها تضيف ثراءً للمجتمع.

■ أعطنا أمثلة على أرض الواقع؟

- أسهمت المؤسسات التعليمية والتربوية التى أسسها أبناء الخدمة فى نحو 170 دولة من دول العالم فى ترسيخ هذا المبدأ، خاصة فى المناطق التى تعانى من هذا الداء، ففى جنوب الفلبين مثلاً فتح محبون للخدمة مدرسة سموها «مدرسة التسامح الفلبينية»، وتوجد فى منطقة يقطنها 50% من المسلمين و50% من المسيحيين، ويغلب على هذه المنطقة طابع التوتر والتجاذب بين هؤلاء الأطياف، لكن المدرسة تعطى التلاميذ الفلبينيين مسلمين ومسيحيين دروساً إيجابية وذات جودة عالية فى كيفية التعايش مع الآخر، ويعمل فيها كوادر محلية من المسلمين والمسيحيين، وكذلك الأمر فى البوسنة والهرسك بين البوسنيين والصرب والكروات، وفى إقليم كردستان بين الأكراد والعرب والتركمان والقوميات الأخرى، وفى مناطق أخرى من العالم نجحت بفضل الله تلك المدارس فى تأسيس هذه القيمة ورعايتها والقضاء على القبح الناتج عن التهميش والإقصاء.

■ الحكومة التركية الآن تعمل على إغلاق تلك المدارس؟

- ما يحز فى النفس الآن أن الحكومة التركية بعد إغلاقها لكل المؤسسات فى تركيا تبذل كل جهدها وتنفق أموال الشعب للعمل على إغلاق هذه المؤسسات فى الخارج بدلاً من الاهتمام بمشكلاتها الداخلية، والتصدى لظاهرة الإرهاب التى بدأت تتنامى فى الفترات الأخيرة وتحصد الأرواح بلا وازع من دين أو إنسانية.

■ هل أنتم تنظيم هرمى؟ أنت على رأسه؟ وما طريقة عمل المجموعات المختلفة فى الحركة؟

- لا يمكن لأحد أن يصف حركة «الخدمة» بالتنظيمية أو الهرمية على النحو الذى يقصدونه، والدليل تعددية الانتماءات فى هذه الحركة، وإنما نستطيع أن نصف «الخدمة» بأنها حركة لمجموعة من المتطوعين بالمنطق القرآنى المرتبط بمعقولية الفكرة، فالذين استوعبوا فكرة «الخدمة» وآمنوا بنجاحها فى القضاء على مشكلات الإنسانية، يبذلون فى سبيل خدمة الإنسانية كل غالٍ ونفيس لديهم، وهم لا يقومون بهذا البذل والعطاء والتضحية لأنهم منسوبون إلى هذه الفئة أو تلك، بل لإيمانهم بأن مشاريع هذه الخدمة تتسم بالمعقولية والنافعية، ومن شأنها أن تقضى على الآفات الثلاث التى تعانى منها الإنسانية وهى الجهل والفقر والنزاع. وهم فى اتجاههم هذا يوجهون القصد إلى الله تعالى بغية مرضاته والفوز بالسعادة فى الدار الآخرة، ولذلك فالمحرك الإيمانى يضفى على المؤمنين منهم بعداً آخر فى مسيرتهم. أما آلية عمل هذه المجموعات الخدمية فهى تعمل من تلقاء نفسها، لا انطلاقاً من مركز واحد، وذلك على الرغم من احتفاظها بمجموعة من الروابط التى تربطها بالمجموعة ككلّ من خلال تداول المعلومات وتبادل الأشخاص المهنيين داخل إطار الحياة العامة وبالتشاور البينى المؤسسى وتبادل الخبرات والتجارب.

{left_qoute_2}

■ بصراحة، هل يريد «جولن» أن يحكم تركيا؟

- لقد كان عزوفنا، منذ البداية، عن العمل السياسى والحزبى اختياراً فرضناه على أنفسنا، ولم نسمح لأنفسنا قط بتغيير هذا الموقف مهما كانت العروض والمغريات، لقد سنحت فرص كثيرة للحصول على مناصب وممارسة الحكم، وعُرضت علينا مناصب حكومية فى فترات مختلفة، لكننا لم نستجب لأى من هذه العروض. لقد كان لنا غاية واحدة ركزنا عليها ووفرنا كل طاقاتنا فى سبيل تحقيقها، وهى تحقيق رضا الله عز وجل من خلال تنشئة مواطنين صالحين متحلين بالفضائل، ونافعين لوطنهم وأمتهم والإنسانية، وبذل الجهود المشتركة فى سبيل القضاء على أعدائنا الثلاثة (الفقر والجهل والنزاع)، ومن أجل تحقيق هذه الغاية لم نسمح لأى وسيلة دنيوية أن تشتت جهودنا، ووقفنا موقفاً صارماً ضد الطموح الدنيوى أو السياسى لدى أبناء «الخدمة».

■ ما علاقتكم بمحاولة الانقلاب الفاشلة التى جرت فى 15 يوليو 2016 بتركيا؟

- ليس لى أى علاقة بما جرى من قريب أو بعيد. والعجيب هو محاولة إلصاق هذه التهمة بشخصى رغم تنديدى بها فى اللحظات الأولى من وقوعها، ومع إصرارهم المستمر على الاتهام، لم يستطيعوا أن يقدموا دليلاً واحداً ولو صغيراً، لقد تقدموا إلى الولايات المتحدة بملفات متعددة وضخمة فى طلب تسليمى، ورغم كثرة هذه الملفات وضخامتها لم تحتوى على أى دليل يثبت كلامهم، حتى فقدوا مصداقيتهم لدى الأمريكان، وباءوا بالفشل والخذلان أمامهم. لقد باتت اتهاماتهم لشخصى بالذات، ولأبناء «الخدمة» عموماً مجرد دعايات إعلامية رخيصة ليس لها أى سند من الواقع أو من القانون، وغدت وسائل إعلامهم ببغاوات تردد ما يمليه عليهم «أردوغان» وحاشيته.

■ إذاً، لماذا وصفتم هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بـ«المسرحية»؟

- بالتأكيد هى مسرحية، أو إن شئت سمِّها «سيناريو معد سلفاً»، ولا يعنى أبداً وصفى إياها بالمسرحية هو أننى أستهين بتلك الأرواح التى راحت ضحية للعبة قام بها بعض «المستهترين» من أجل تحقيق أهداف زائلة، بل على العكس أنا فى أشد الأسى على فقد هذه الأرواح الغالية، وأدعو من الله أن يمن عليهم بسابغ رحمته. لكن عندما نتأمل أفعال وتصريحات المسئولين وعلى رأسهم «أردوغان» بعد هذه الأحداث المؤسفة ستتفق معى على أنها مسرحية أو سيناريو رهيب خططوا له مسبقاً. وأبرز دليل أنهم صرحوا بأنهم قد حققوا تحت ستار «حالة الطوارئ» ما لم يكونوا يستطيعون تحقيقه فى الظروف العادية، ولا تزال الأحداث إلى وقتنا هذا تتسم بالغموض، ولم يكشف حتى الآن عن تفاصيلها، وقد دعوتهم مراراً إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة، وإن أسفرت التحقيقات عن ضلوعى فى هذه اللعبة ولو بأمارة صغيرة فأنا مستعد لتسليم نفسى دون الحاجة إلى طلب رسمى، ولكنهم لم يقبلوا ذلك، وأنا على ثقة من أنهم لن يقبلوا أبداً، لأن مسرحيتهم ستنكشف حينئذ وكما ترى فالحقائق بدأت تتكشف.

{long_qoute_3}

■ كيف بدأت الحقائق تتكشف؟

- لقد أكدت مؤسسات وهيئات دولية، آخرها البرلمان البريطانى، عدم وجود أدلة على تورط حركة «الخدمة» والعبد الفقير فى محاولة الانقلاب الفاشلة، بل حتى لا يوجد أى قرار صادر من المحكمة يدين أحداً من أبناء «الخدمة» بالتورط فى هذه المحاولة، كما صرح مسئول ألمانى رفيع المستوى أنه لا أحد يصدق ادعاءات تورط الخدمة فى محاولة الانقلاب سوى تركيا فقط، وأن الحكومة التركية لم تستطع إقناع أى شخص يعيش خارج تركيا بهذا الزعم. وكما قلت سابقاً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ أى إجراء ضدى، بالرغم من إرسال الحكومة التركية 80 مظروفاً تدعى تورطنا فى الانقلاب، ولكنها كلها لا تحتوى على أى دليل يُذكر فى هذا الصدد، كلها اتهامات مرسلة بلا أى دليل، لقد صرنا محلاً لسخرية العالم بفضل هذه القيادة الحالية.

■ ما رأيكم فيما تم التعامل به مع الجيش فى مرحلة ما بعد المحاولة الانقلابية؟ وهل تعتبرون ذلك إهانة للجيش التركى؟

- قبل الإجابة عن هذا السؤال نستطيع القول إن الدولة لم تكشف رسمياً حتى الآن عن الفاعلين الحقيقيين المدبرين لهذا الانقلاب، والاتهامات الموجهة لـ«الخدمة» هى مجرد اتهامات بلا سند أو دليل كما ذكرنا، وهناك قرابة مليون شخص تضرروا على خلفية هذا الاتهام «إذا حسبنا المعتقلين والمفصولين من أعمالهم وذويهم». ولقد عاشت تركيا باعتراف رئيس الجمهورية نفسه بعد أحداث 15 يوليو مرحلة «اختلط فيها الحابل بالنابل»، ولكنهم فى المقابل اعتبروا هذه المحاولة الانقلابية «نعمة من الله» تعالى لهم، وعملوا على استغلال هذه النعمة لتنفيذ مخططاتهم التى كانوا يخفونها دفعة واحدة، فبدأت القيادة الراهنة تختلق ذرائع وتطبق إجراءات، تهدد وحدة تركيا.

■ نعود إلى ما حدث للجيش التركى؟

- كان من فصول هذه المسرحية خلق صورة ذهنية مهينة للجيش التركى، حيث تم التلاعب بسمعة الجيش فى سبيل تحسين سمعتهم هم، وعرضت صور لضباط رفيعى المستوى على شاشات الإعلام الموالى للسلطة نفسها وعليهم آثار التعذيب أثناء التحقيق معهم، مع أنهم لم تتم محاكمتهم وإحالتهم إلى القضاء. كما مات بعض من أفراد الجنود بسبب الضرب المبرح الذى تعرضوا له فى الشوارع فى حين أنهم لم يكونوا على علم بما خرجوا لأجله، فهم كانوا يظنون أنهم فى مناورات عسكرية ميدانية.

■ لكن الشارع التركى يبدو كان مستعداً لما خطط له المستفيدون من هذه الأحداث.

- اللافت للنظر أن الشارع كان مسيطَراً عليه من قِبل عناصر مدربة تتسم بالوحشية والشراسة، وقد تناولت بعض التحليلات هذا الموضوع، فهيئتهم وطريقة تعاملهم مع أفراد الجيش تشبه إلى حد كبير أفعال العناصر الداعشية المدربة تدريباً عالياً على مثل هذه الأفعال الوحشية وغيرها من أعمال القتال كاستخدام المدرعات وقيادة الدبابات، وهذا ما يعزز من فكرة مسرحة الانقلاب. وقد تم الدفع بهذه العناصر للإيهام بأنهم أفراد متحمسون من الجمهور رافضون للانقلاب، فى حين أن مكانة الجيش التركى فى نفوس الشعب عالية جداً، فهذه المؤسسة معروفة لدى الشعب التركى على أنها «مدرسة نبوية». وعلى إثر هذه المسرحية التى اعتبروها منحة إلهية قاموا بأكبر عملية تصفية فى تاريخ الجيش التركى حتى الآن، وقاموا بهيكلته وزرع عناصرهم مكان المسرَّحين، وإضعاف قوة ومكانة الجيش التركى لصالح ميليشيات خاصة يقومون بإعدادها لاستخدامها لاحقاً فى مواجهات يتوقعونها، كما اصطحبوا قيادات الجيش معهم فى المهرجانات السياسية بغية تطويعهم، وإعطاء رسالة إلى الشعب مفادها أن الجيش الذى كان مؤسسة مستقلة، تحول إلى مؤسسة موالية للحزب الحاكم تتبنى سياساته وتؤيد قراراته.

{left_qoute_3}

■ ما الذى حدث للتجربة التركية التى كانت يوماً نموذجاً بالنسبة لنا؟

- كانت تركيا قبل 5 سنوات من الآن تتقدم فى مسار صحيح، فقد كانت على وفاق مع أغلب دول العالم، وتخطط للاندماج مع «الاتحاد الأوروبى» وفق إجراءات ديمقراطية متسارعة، وهى فى الوقت ذاته عضو مهم فى الناتو، وكان الجميع ينظر إليها باعتبارها دولة نموذجية فى مد الجسور بين الشرق والغرب، حتى صارت مثالاً يحتذى، وكَتَب الكثير عنها كتابات تحت عنوان «التجربة التركية». ولم تكن هذه التجربة وليدة اللحظة التى بدأت فيها، بل كانت حصاداً لجهود بُذلت قرابة قرن كامل، وقد استفاد الحزب الحاكم الحالى من هذا التراكم المثمر، وقدم نفسه على أنه حامى الحقوق والحريات، وتبنى شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون واحتضان الجميع، فانخدع بهذه الشعارات كثيرون، ومنهم نحن. وظلوا يرددون هذه الشعارات حتى وصلوا إلى مرحلة «التمكين»، وشعروا بالقوة وتخطوا مخاوفهم، ثم بدأ القناع يسقط وبدأ الوجه الحقيقى لهؤلاء يظهر، فوجدنا أنفسنا الآن أمام «طلاب سلطة» يلقون بكل المكتسبات الديمقراطية التى حصل الشعب عليها بالتضحيات الغالية فى عرض البحر، فهم الآن يتغنون بشعارات ديمقراطية، ويصدرون للعالم دروساً عن الديمقراطية لكن على أرض الواقع يمارسون الديكتاتورية بعينها.

■ وما سبب هذا التحول فى شخصية «أردوغان» فى رأيكم؟

- إننا مع الأسف بإزاء شخصية تحتاج إلى العرض على طبيب نفسى متخصص، يبدو أنه (أردوغان) لم يستوعب طبيعة المنصب الذى يشغله، وأطلق لخياله العنان، فكان يراوده حلم الخلافة أو إمارة المؤمنين، وكان يعتقد، خاصة بعد «ثورات الربيع العربى»، أن الفرصة سانحة له، وأن العالم الإسلامى سيتماشى مع أحلامه وطموحاته الشخصية، وقد طفح هذا على تصريحاته ومواقفه التالية، فقد سمعناه يتحدث عن عواصم العالم الإسلامى ومدنه التاريخية وكأنها أقاليم تابعة له، ويتيح لنفسه حق التدخل فى شئون دول الجوار. وبدلاً من رأب الصدع ونزع فتيل الخلافات فى هذه الدول كنا نراه يسهم فى تأجيج الأحداث، حدث هذا فى مصر، وحدث هذا فى سوريا أيضاً. كان يعتقد أنه سيحقق أحلامه تلك من خلال مثل هذه التصرفات، ولذلك كان مُصراً على اقتحام الأراضى السورية بأى ذريعة، وعَزَل كل القادة فى الجيش الذين حذروه من مغبة هذا التدخل، ونراه يورط البلاد كل يوم ورطة أكبر من نظيرتها، ويفتعل عديداً من المغامرات الضخمة للتغطية على فضائحه وأخطائه الكارثية، ولن يكون آخرها هذا الانقلاب المسرحى الفاشل.

■ هل يبدو «أردوغان» شخصية متناقضة؟

- إذا ذكرنا بعضاً من تناقضاته فسيطول بنا الحديث ومن أمثلة ذلك: بالأمس كان يدعم المنظمات الإرهابية من أمثال «داعش» بشكل علنى، ويرى لها الحق فيما تقوم به من أعمال واليوم يزعم أنه يحاربها، وكان بالأمس أيضاً يدعو إلى الإطاحة ببشار الأسد لديكتاتوريته وظلمه لشعبه، ويدعم معارضيه بالأسلحة، واليوم يسعى للتفاوض والجلوس معه على طاولة واحدة ولا يرى حلاً للأزمة السورية من دونه. والحال كذلك فى مصر والعراق وروسيا وإيران ومؤخراً «الاتحاد الأوروبى»، فهو اليوم فى موضوع الاتحاد الأوروبى يطلق كل الشعارات الدينية فى حملاته الانتخابية، ويستدعى كل المبررات التاريخية، ويؤجج عاطفة الجماهير، ويرفع من مستوى الكراهية لحسابات ضيقة ستعود بالضرر مستقبلاً على الأتراك والمسلمين فى العالم الغربى. وغداً فجأة سنراه يعتذر للغرب كما العادة، بعد أن يكون ترك خلفه هذا الكم الهائل من الانقسام والاستقطاب فى هذه المجتمعات ضد المسلمين، وبعد أن كان معماريو السلام من أبناء «الخدمة» الذين ينشئون المحاضن التربوية لخدمة الإنسانية، يقومون بإذابة هذه المرارات التاريخية فى حوض التسامح والمحبة، إذا برجال «أردوغان» يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإغلاق هذه المؤسسات فى الداخل والخارج بكل قسوة دون أدنى مراعاة للضمير والعقل والإنسانية، وليس لنا إلا أن نسأل الله تعالى أن يُرجعهم إلى رشدهم وصوابهم.

■ وكيف ترى مستقبل تركيا فى ظل هذه الشخصية؟

- إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو المزرى من انتهاكات لحقوق الإنسان، وغياب كامل للحقوق والحريات وانعدام فرص التقاضى العادل، فستنعزل تركيا عن محيطها الإقليمى وعن العالم بأكمله ما عدا الدول التى تسير على نفس الخط، وسوف تتعرض تركيا لحزمة من العقوبات بموجب المعاهدات التى وقعت عليها. ومؤخراً شهدنا محاولات من القيادة التركية الحالية للتملص من هذه المعاهدات عبر افتعال أزمات تبرر له الانسحاب منها والخروج من «الاتحاد الأوروبى» وحلف «الناتو» والانضمام إلى تكتلات أخرى. ولكن بالرغم من هذا كله فعندى شعور بالتفاؤل، فتركيا دولة مركزية، وموقعها الاستراتيجى تاريخياً وجغرافياً يفرض عليها ألا تنعزل عن محيطها الإقليمى والدولى، ومن ثم اعتقد أن هذه المسيرة العابثة ستتوقف عند مدى معين، ولن يُكتب لها الاستمرار على هذا النحو، وآمل أن يدرك المواطن التركى والرأى العام العالمى خطورة هذا الوضع ويتصدون له بالسبل المشروعة، وبعدها ستلتئم الجروح بسرعة وتعود تركيا لتواصل كفاحها النبيل فى سبيل الديمقراطية والحريات وسيادة القانون وحقوق الإنسان دون تفرقة أو تمييز.

- فتح الله جولن:

. مفكر إسلامى وداعية تركى، ولد فى 27 أبريل 1941 فى قرية «كوروجك» بمحافظة «أرضروم».

. نشأ فى عائلة عُرفت بتدينها ووالده كان مشهوداً له بالعلم داخل قريته الصغيرة التابعة لقضاء «حسن قلعة».

. تدعو كتاباته وأفكاره إلى الرقى بالإنسان وتربيته وحوار الأديان لحل الأزمات التى تواجه الدول الإسلامية.

. ساندت حركته (الخدمة) فى السابق حزب العدالة والتنمية الحاكم حالياً فى تركيا لكن ظهر الخلاف علنا بينهما منذ 2013.

. يقول دوماً إنه لا علاقة له بالعمل السياسى والحزبى وساند «أردوغان» لأنه كان ينادى بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

. بدأ عمله الدعوى فى «أزمير» فى مدرسة لتحفيظ القرآن ثم عمل واعظاً متجولاً.

. بعد متاعب مع السلطات التركية غادر إلى الولايات المتحدة حيث يقيم فى «بنسلفانيا» كمنفى اختيارى.

. تتهمه الحكومة التركية بالضلوع فى انقلاب يوليو الفاشل وطلبت من «واشنطن» تسليمه بينما ينفى هو تلك المزاعم.

 


مواضيع متعلقة