"الجالية السودانية في مصر".. "اللمّة تحلى في حضن البهية"

كتب: محمود عباس ومحمد شنح

"الجالية السودانية في مصر".. "اللمّة تحلى في حضن البهية"

"الجالية السودانية في مصر".. "اللمّة تحلى في حضن البهية"

لم يكن مجيئهم لمصر مقصورا على لجوء سياسي يطلبونه من أجل استقرار حياتهم، بل أتى بعضهم باحثا عن عمل يتكسب منه رزقه، وآخرون جاءوا من أجل نهل العلم من أزهرها الشريف، وفئة ثالثة ارتاحت روحها إلى شعب يجيد امتصاص الغربة من روح زائريه، لتؤكد الجالية السودانية في مصر أن العلاقة بين البلدين ستظل أزلية رغم الأقدار، يشهد عليها نيل يوحد قلب البلدين، وتخلدها كلمات تغنى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي صدح صوته بين الشعبين مدويا: "اعملوا تنولوا، واهتفوا وقولوا السودان لمصر ومصر للسودان".

تجربة وضاح ثابر، الناشط الحقوقي المقيم بمصر منذ 16 سنة، تبرهن على أن تلك البلد تضع بصمتها في قلب القادم إليها رغما عنه، فالشاب العشريني قدم من أجل لجوء سياسي يضمن له استقرارا، فيتعرف على شباب مصري يحتوونه منذ اللحظة الأولى لقدومه، "ماكنتش حاسس إني محتاج أسكن مع ناس سودانيين، وقررت أقعد مع أصدقائي المصريين في شقة واحدة عشان ماحستش بأي فرق بيني وبينهم".

{long_qoute_1}

أماكن عديدة تألفها روح الشاب الثلاثيني في مصر، فالمصيف لا يحلو إلو إلا بهواء الأسكندرية ورائحة بحرها، ولا يجد أفضل من "الصعيد" مكانا إذا طاقت روحه إلى بلده الأصلي، "باحس إن الناس في الصعيد قريبين من السودانيين في عاداتهم وتقاليدهم، وبقى في بيني وبينهم عيش وملح، لإني كنت سبب في جوازة صديق قناوي ليا ببنت سودانية من قرايبنا".

لا يشعر "ثابر" بأي ضيق نفسي حينما يداعبه أحد المصريين في الشارع بلقب "سمارة"، ولا يأخذها على محمل العنصرية أو الإهانة، فهو يعلم أن المواطن المصري يجيد الفكاهة والقفشة التي تمس القلب، غير أن الموقف الوحيد الذي لا ينساه الشاب السوداني كان تعرضه لحادث سرقة أثناء الانفلات الأمني الذي عانى منه كل المصريين منذ 5 سنوات.

{long_qoute_2}

حب "ثابر" لمصر وصل لرفضه لعرض بالهجرة إلى أستراليا والعمل بمقابل مادي يصعب مقاومة إغرائه، غير أنه فضّل البقاء في مكان يعشقه أبواه ويجدون فيه علاجهم، "انا باقدر أسافر السودان في أي وقت، وأقدر أخلي أبوية وأمي ييجو يغيرو جو في الوقت اللي يحبوه، واللي يعيش في مصر مايقدرش يسيبها بسهولة".

تجربة حسام بيرم، 25 سنة، تعكس جانبا آخر من علاقة السودانيين بمصر، فاطمئنانه للعيش فيها جعل منها قناة شرعية يطلق منها منبرا يعبر عن صوت السودانيين في أرض الكنانة، ويجمع الكثير من أبناء بلاده في كل دول العالم، "المؤسسة بقالها 5 سنين في مصر، كونها 15 شاب مالهومش أي انتماءات سياسية، بتقدم خدمات تعليمية وتثقيفية وتوعوية للسودانيين في مصر، ونظمنا 37 فعالية كان متوسط حضور من 300 فرد إلى 2000 فرد".

لا توجد إحصائية موثقة أعداد أعضاء الجالي السودانية بمصر، وفقا لـ"بيرم"، غير أن الأرقام التقريبية تشير إلى وجود 3 مليون، سوداني في مصر، وذلك بعد توافد عدد كبير منهم لمصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب سياسية، "السودانيين موجودين في مصر بقالهم أكثر من 150 سنة وأكثر، بدأوا في منطقة المعادي زمان، وانتقلوا لمنطقة عين شمس لما اسسوا سلاح الهجانة، وكان ليه دور كبير جدا في عهد الملك، وكتير من السودانيين شاركوا في كل الحروب اللي حصلت في عهد عبد الناصر".

"لما تنزل ميدان إبراهيم باشا، تحس نفسك في قلب الخرطوم".. ذلك ما قاله مدير صوت الجالية السودانية حينما تذكّر أحد المناطق المسماة بـ"حارة الصوفي" والتي تزخر بأبناء الجالية السودانية، وتكثر بها محلات الحلاقة الخاصة بهم ومطاعمهم التي يتناولون فيها أكلة "العصيدة"، "دي أشهر أكلة عندنا، ، تتعمل من الدقيق ويتحط عليها بامية حمرا، وأكتر أكلنا بيميل لأكل الفطاير والمشروبات الحلوة منها والمرة".

غلاء الأسعار في مصرـ، هو أبرز المشكلات التي تعاني منها الجالية السودانية في مصر، وفقا للشاب العشريني، فالكثير منهم يدفع مصاريف دراسة أبنائهم بـ"الجنيه الإسترليني" رغم تقاضيهم رواتبهم بالعملة المصرية، ناهيك عن التعامل الذي يلقاه السودانيون في المستشفيات المصرية الذي يحتاج إلى إعادة النظر فيه، "جزء كبير من السودانيين بيتعاملوا كأجانب في المستشفيات المصرية، وده طبعا بيحملهم أعباء كبيرة جدا".

احتفالات ثابتة تحيي الجالية السودانية ذكراها كل عام، أبرزها عيد الاستقلال في شهر ديسمبر، إلا أن المهرجان الثقافي للجالية السودانية هو أكثر الاحتفالات التي تشهد تجمعا كبيرا للجالية السودانية، بحسب "بيرم"، وتكون تحت رعاية السفارة السودانية في مصر، وتشارك فيه كل الجهات السودانية والروابط الطلابية في جامعات عين شمس والقاهرة وغيرها، "المهرجان منبر ثابت للمواهب السودانية الشابة الموجودة في مصر، واللي معندهاش أي مساحة إنها تظهر".

يرفض مدير صوت الجالية السودانية بمصر مزاعم البعض بتشكيل الللاجئين السياسيين للنسبة الأكبر من أفراد الجالية، فالسودانيون مقيمون في "المحروسة" مثل أي جالية أخرى، يؤدي أفرادها دورهم تجاه البلد التي تستضيفهم، "إحنا جزء من المجتمع ده، ونادرا ما حد بيسمع عن مشكلة تخص حد فينا، إحنا مهمين عند مصر زي ما هي مهمة عندنا".


مواضيع متعلقة