الشيخ «كشك» و«الأزهرى»

توقفت أمام تقييم الشيخ أسامة الأزهرى للشيخ عبدالحميد كشك -رحمه الله- فى سياق حواره مع الإعلامى محمد الدسوقى رشدى حول السمات المطلوبة فى رجل الدين أو الداعية الذى ينهض بعبء مخاطبة الجمهور. وصف الشيخ «الأزهرى» خطاب الشيخ كشك بالميل إلى السطحية والابتذال، وعدم الاجتهاد فى تكوين مدرسة علمية أو فقهية. وجهة نظر جديرة بالاحترام ولا شك، خصوصاً إذا جاءت على لسان رجل هادئ الطبع، واضح الأفكار، رصين اللغة مثل الشيخ أسامة الأزهرى، لكن ذلك لا يمنعنى من تبيان أن الرجل وهو يقيم الشيخ «كشك» عزل الظاهرة عن سياقها، ثم أخذ فى التقييم، وهو مطب كثيراً ما يقع فيه بعض المحللين.

يصح أن ننظر إلى الشيخ «كشك» كظاهرة، وقد كان الرجل كذلك، فلم أعاصر خطيباً يتقاطر عليه المستمعون بالآلاف، كما كان الناس يفعلون معه، ولم يعرف تاريخ «شريط الكاسيت» رواجاً، مثلما حدث مع شرائط خطب الشيخ كشك، كان المستمعون إلى الرجل بالملايين فى شتى أرجاء مصر والعالمين العربى والإسلامى. ولا خلاف على أن تسفيه القائل واتهام خطابه بالابتذال والسطحية، يحمل فى طياته اتهاماً لملايين المستمعين بالتهم نفسها، والأكثر حيطة أن يتفهم من يحلل هذه الظاهرة أن خطب الشيخ «كشك» كانت لوناً ضمن مجموعة ألوان، كانت تقدم للمستمعين خلال هذه الفترة، كان هناك من يفضلها، وهناك من يعزف عنها ويتجه إلى غيرها، حيث كانت الساحة -وأظن أنها لا تزال- تحتشد بأطياف مختلفة من خطباء الجمعة، كان بعضهم يتمتع بشعبية ملحوظة.

والحديث عن موضوع «الشعبية» ينقلنا إلى مصطلح «الشعبوية»، وهو مصطلح لم يكن معروفاً، خلال فترتى السبعينات والثمانينات، حين اشتهر الشيخ «كشك». «الشعبوية» مصطلح معاصر، يعبر عن ذلك النوع من الخطابات التى تعتمد على مغازلة العقل والوجدان الشعبى العام، بفكر قد يغيب عنه المنطق، وبلغة بسيطة تقترب من لغة الشارع. ولعلك تلاحظ أن أغلب الزعماء، بل وبعض خطباء ووعاظ العصر الحالى يلجأون إلى الأداء الشعبوى، يكفى أن نضرب مثلاً على ذلك بالرئيس الحالى للولايات المتحدة الأمريكية «دونالد ترامب»!. وإذا كان الشيخ «الأزهرى» قد احتفى بفضيلة الشيخ الشعراوى، ووصفه بأنه كان سابقاً لعصره، فيصح أيضاً أن نصف الشيخ «كشك» بذلك، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع «شعبوية الخطبة».

أتفق مع الشيخ أسامة الأزهرى فى مسألة أن «الشيخ كشك» لم يرسخ مدرسة علمية أو فقهية، لكننى أسأله هل مطلوب من شيخ يريد أن يدغدغ عقل ومشاعر مستمعيه أن يؤسس مدرسة من هذا النوع؟ إذا كان ذلك كذلك فليشِر لى الشيخ إلى خطيب مسجد أو واعظ أزهرى -باستثناء الشيخ محمد الغزالى رحمه الله- فعل ذلك. الشيخ «كشك» اعتمد على التلاعب بعقل ومشاعر مستمعيه من خلال خطاب غير متماسك هذه حقيقة، لكن ديدن العصر الذى ظهر فيه امتاز بغلبة الصوت على ما عداه، والكلام الإنشائى على المضمون الواقعى. زمن «كشك» كان «صوتياً» بامتياز، ولم يكن زمن «مدارس»، وينطبق ذلك على الخطابة الدينية، كما ينطبق على الأنواع الأخرى للخطب التى راجت حينذاك. نأمل أن يظل راسخاً فى ذهن الشيخ الأزهرى فكرة «المدرسة» التى تحدث عنها!.