أزمة مجهولى النسب الإسلامجى
1 - شداد يعترف بابنه
فى ذروة انتشائه وانفعاله بالنصر الرئاسى، وعد محمد مرسى المحتفلين بالفوز بالتحرير بالسعى للإفراج عن (المجاهد) عمر عبدالرحمن، من سجون أمريكا، وبانسحاب أعراض الفوز الهستيرى تدريجياً، ومواجهة الرئيس المنتخب لقسوة الواقع السياسى، وإدراكه موازين القوى تخلى عن الوعد كالعادة، وبقى الشيخ الضرير الذى أفتى بقتل الأقباط وحلل الهجوم على محلات الصاغة كما هو فى السجن الأمريكى.
فى تلك اللحظة، لحظة النصر الإخوانى، وصلت الرسالة للفصيل الأكثر دموية، فى حركة الإسلام السياسى، حانت لحظة الاعتراف، فها هم فى نظر قادة المشروع الإسلامجى أخيراً أبناء شرعيون، دفعوا ثمن الدعوة، سجناً وتعذيباً، وحان وقت الحصاد.
لسنوات كان الإخوان يتبرأون ظاهرياً فى عصر المحنة من العنف، فبعد اغتيال التنظيم الخاص للنقراشى والخازندار، قال حسن البنا: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، وفى سجون عبدالناصر حرصت الجماعة على محاكمة أعضائها القطبيين، واستتابة بعضهم، ومنهم محمد بديع، فيما أعلن التنظيم خلال المواجهة الدموية بين السلطة وجماعات العنف الدينى منذ مقتل السادات وحتى نهاية التسعينات، أن المتورطين فى العنف أشبه بالخوارج وفئات ضالة.
اليوم، ولظروف متنوعة منها قطبية المسيطرين على الجماعة، أصبح الأبناء غير المعترف بهم، فى مرمى الشرعية، فتحول القتلة القدامى إلى جانجاويد النظام الجديد، بموجب الاعتراف تجرأ قاتل مثل عاصم عبدالماجد وأعلن عدم ندمه على تصفية رجال الشرطة، وعلى ربابة فضائيات التكفير، سرد ذكرياته و«جهاده» فى سبيل الدعوة.
عنتر الجديد لا يخجل من تاريخه الدموى، يحلم ويهدد بإعادة تدوير الماضى فى منتجات عديدة؛ كلاشينكوف للتخويف على علم «تجرد»، واستعداد للنزول لمواجهة الثوار فى ٣٠ يونيو.
السلطة تجد فى عنتر ورقة لم تُحرق بعد مثل «ابن الأمريكانية» المستهلك بفعل ضياع الشواحن وتكرار أزمات الكرامب، كارت يضغط على المجتمع الدولى ويهدد بصراع دموى قادم لو أزيح البديل الإخوانى، تتخفى الجماعة وراء اسمه وتأمر تابعيها بالنزول، لأنها لم تعد تتحمل عواقب النزول المباشر تحت لافتة الجماعة، مثلما حدث أثناء مواجهات الاتحادية الأولى.
وعند الحساب يتم التضحية بعنتر مرة أخرى ويذهب للجحيم.
2 - عودة الابن الضال
فى التسعينات، ومع انشقاق مجموعة حزب الوسط عن الجماعة الأم، تبادلت العائلة الإخوانجية اتهامات السرقة، وكان حرز الاتهام شقة سكنية بالقصر العينى قالت الجماعة إنها ملك لها، فيما أكد رئيس المنشقين وتابعه أن الإخوان يلوثون الشرفاء عقاباً على ترك الجماعة، وما بين فترة الشتات الممتدة من تاريخ الانشقاق حتى بعد الثورة بعام، اعتمد المنشقون فى الطفو على سطح الحياة السياسية على مجموعة من الوسائل؛ منها تقديم أنفسهم كبديل مدنى يمثل الإسلام الحضارى، ضد سطوة الجماعة القطبية، الهجوم على الجماعة ومخططاتها للتمكين، التماهى مع القوى الليبرالية واليسارية كشركاء فى المعارضة، لم ترتح دولة مبارك لتحركات الوسط، رفضت السماح لهم بالحزب خشية «التقية الإخوانجية»، وفى الوقت ذاته كان المنشقون ضيوفاً على برامج التليفزيون الرسمى، لدرجة أن عمرو عبدالسميع استضاف «سبانخ» ذات مرة للتعليق على فوز 88 عضواً من الجماعة فى انتخابات 2005، دون أن يعرف اسمه، وطالبه بذكر اسمه للمشاهدين فبدا كأن جهة ما أرسلته على عجل.
بعد الثورة ازدادت الهوة، فالجماعة كتنظيم مغلق لا تأمن للمنشقين ولا تسامحهم، أسقطت أبوالعلا ماضى، فى المنيا، ومثله محسوب، ووقفت لنائب رئس الحزب بالمرصاد سباً وتمزيقاً للافتات، ونجح بصعوبة كآخر اسم فى القائمة.
احتكر الإخوان السلطة، وتقلصت مساحة حزب الوسط لصالح قوى أخرى تلعب على نفس المساحة كمصر القوية، فاختار المنشقون العودة لحضن العائلة القادرة على إنهاء وجودهم الهزيل، بحثوا عن نسب قديم فى المشروع الإخوانجى قبل أن تقلب الجماعة فى دفاترها القديمة.
كان نصيبهم بضعة مقاعد فى مجلس الشورى بالتعيين، والاعتراف بهم كأبناء فى الأهل والعشيرة فى مسرحيات الحوار الوطنى، والمقابل إلهاء المعارضة بالشتائم.
3- أبناء زينب
السلفيون هم أبناء زينب فى الشهد والدموع، يرون أنفسهم أصحاب مهارات تؤهلهم لحكم العائلة الإسلامجية، لكن العم وأبناءه فى المقطم يتعالون عليهم، ساندوا أبوالفتوح فى الرئاسة، وفكروا فى التحالف مع شفيق، تمت تصفية الأجواء مرحلياً قبل أن تتعكر على أثر الخلاف حول تركة الحكم، ظهر ملف الأخونة كورقة سلفية مضادة، فكان الرد عنيفاً، طرد خالد علم الدين من الرئاسة بشكل مهين، واتهامات تمس سمعته، حاول النور المناورة بكروت أخرى مثل الحوار مع جبهة الإنقاذ، ورفض قانون السلطة القضائية، لكن الجماعة تعلم أن أحداً لن يقبل بأبناء العم الفقير، وهم يجاهرون برفض العلاقة مع دولة كإيران لمجرد أن أهلها شيعة، فالعالم انتهت منه تقريباً ممارسات بناء العلاقات الدولية على أساس مذهبى أو إثنى أو ديني.
يتهم عبدالمنعم الشحات الرئيس الإخوانى بالتخاذل عن سوريا، والتقارب مع روسيا على حساب المجاهدين، ويقول سعد الأزهرى: «على من هلل لانتصار حزب الله على إسرائيل من قبل أن يستغفر الله ويتوب».
الأزهرى أو الشحات ليست مشكلتهما أن إيران تدعم طاغية أو ديكتاتوراً، لكن أزمتهما أن الإخوان يتعاملون مع الشيعة.
الإخوان يعلمون أن مصير أبناء زينب العودة لبيت العائلة مهما تعرضوا فيه للإهانة، فستضيق بهم المعارضة، ولن يقبلهم المجتمع الدولى.
العائلة وفروعها مهددة بالشتات فى ٣٠ يونيو الجارى.