الصنف «العليوى» لـ«زول» الإعلام السودانى

لست بصدد تناول «الهرى» الذى جاء على لسان وزير الإعلام السودانى حول أن فرعون موسى كان سودانياً، مستشهداً بالآية الكريمة التى تقول «أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى»، وهى الآية التى تعامل معها بمنطق «فويل للمصلين» ولم يكمل «الذين هم عن صلاتهم ساهون»، فقد ركز على «وهذه الأنهار تجرى من تحتى»، ونسى «أليس لى ملك مصر»، وليس السودان، السودان الذى كان حتى عهد قريب جزءاً من مُلك مصر!

عموماً، لا يعنينى مناقشة هذا الهرى الذى يصح أن يتكفل به العلماء والمتخصصون، وليت آخرين يفحصون لنا نوع «الصنف» الذى يتعاطاه الزول السودانى، ليرزقه بهذا «الدماغ العليوى» الذى مكنه من رؤية الفول السودانى وسط الحفائر الأثرية للفراعنة. ما أريد أن أناقشه أمران، أولهما المناكفة السودانية لمصر ما بعد ثورة يناير، وثانيهما نظرة هذا الشعب إلى نفسه وهو يرى كل من هب ودب يطمع فى تاريخه.

السودان تظن ظناً آثماً أن اللحظة التاريخية الراهنة مناسبة للسطو على مثلث حلايب وشلاتين الذى يقع ضمن حدود الإقليم المصرى، كبار وصغار المسئولين السودانيين يتحدثون فى ذلك، ويستخدمون كل أوراق الضغط المتاحة فى أيديهم، بدءاً من اللعب بورقة ماء النيل، يظهر ذلك فى انحيازها الظاهر إلى جوار إثيوبيا فى ملف «سد النهضة»، وانتهاءً بورقة الطمع السعودى فى جزيرتى «تيران وصنافير» المصريتين. التجربة التاريخية تقول إنه على الرغم مما عرف عن الشعب المصرى من تسامح، وقدرة عبقرية على الصبر، فإن المسألة تختلف فيما يتعلق بموضوع الأرض. فلا تسامح ولا صبر لدى المصريين فيما يتعلق بهذا الأمر. لا يملك أى شخص أو مؤسسة أو جماعة أو مجموعة منح دولة جوار شبراً واحداً من الأرض المصرية، من لا يملك ليس بمقدوره أن يعطى لمن لا يستحق، لذلك على المسئولين السودانيين التزام العقل والهدوء، والتعامل بما يليق بالعلاقات التاريخية التى تربط بين الشعبين المصرى والسودانى. المسئولون السودانيون يحاولون إسداء خدمة للمملكة، ولو أنهم تأملوا المشهد جيداً فسيدركون أن المملكة لن تحصل على ما تطمح إليه. هذا أمر تقف دونه عقبات عديدة فصلتها لك بالأمس.

الأمر الثانى الذى يجب الالتفات إليه على هامش ثرثرة «زول» الإعلام السودانى، يتعلق بالمصريين الذين ينظرون حولهم فيجدون الطامعين فى جغرافيتهم وتاريخهم على كل لون. لعلك تذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق تحدث مرة عن أن بنى إسرائيل هم بناة الأهرامات، وأنهم ساهموا فى صناعة الحضارة الفرعونية. كلام سخيف قيل فى سياق المكايدة، لكنه كان يعكس بعمق الطمع الإسرائيلى فى جغرافية وتاريخ هذا البلد، ومن بعد كان الحديث عن «تيران وصنافير»، والآن يثرثر وزير الإعلام السودانى ويحاول سرقة تاريخ المصريين، عقب أحاديث رسمية عن مثلث حلايب وشلاتين المصرى. يجب أن يستوعب هذا الشعب أنه يملك الكثير، وأنه ضارب بجذوره فى حضارة يطمع فيها الجميع، وبالتالى فاستغراقه فى الحديث عن المحن الوقتية والفشل اللحظى الذى يعيشه حالياً فارغ من أى معنى، خصوصاً أن التجربة القريبة تشهد أن هذا الشعب يغير عندما يريد، وبالتالى لا معنى لأن نفقد الثقة بأنفسنا، أو نجلد ذواتنا، فى وقت نملك فيه ما لا يملكه غيرنا!