يوم من المعاناة مع طالب ثانوى.. والنتيجة: المستقبل "ضلمة"

يوم من المعاناة مع طالب ثانوى.. والنتيجة: المستقبل "ضلمة"
حين تشير نتيجة العام لمطلع يونيو، يسرى الاضطراب فى الآلاف من البيوت المصرية، حيث يعد الشهر هو موعد انطلاق امتحانات الثانوية العامة، تستعد الأسر وتهيئ كل الأجواء لأبنائها، لكن هذا العام محمل برياح صعبة الترويض: انقطاع التيار، حيث تنقطع الكهرباء هذه الآونة فى ربوع مصر كلها بلا سابق إنذار.
«الوطن» ذهبت إلى منزل طالب فى الصف الثالث الثانوى، وعايشته ليوم، شاركته فيه معاناته أثناء المذاكرة فى ظل الانقطاع الدائم للكهرباء.
محمد نبيل عبدالهادى، يقطن فى مساكن الرماية بالهرم، عمره ثمانية عشر عاماً، فى الصف الثانى الثانوى حصل على مجموع 75% علمى، فقرر أن يحول دفته فى المرحلة الثانية للقسم الأدبى.
التوتر هو الشعور المسيطر على «محمد» فى الأيام الأخيرة للمذاكرة، مع اقتراب موعد الامتحانات، وحين ينقطع التيار تزداد حدة التوتر، خاصةً أنه لا يعرف كيف يتصرف. وهو يقول إن هذا العام هو الأصعب على الإطلاق، مشيراً إلى سوء حظه مع انقطاعات الكهرباء المستمرة.
قدامى الطلاب سواء فى الأقارب أو الأصدقاء يخبرونه أن امتحاناتهم كانت فى الصيف أيضاً، ولم تكن تحدث مثل هذه الأزمات، وهو لا يعرف كيف يذاكر مع انقطاع الكهرباء، حيث إن البيت لا يحتوى سوى على كشاف واحد ينير لهم جميعاً، ولا يمكن أن يستأثر به وحده. لا يعرف كذلك أن يخلد للنوم، إذ إن الحر يحرمه من النوم أيضاً!
يشير «محمد» إلى أن توقفه عن المذاكرة أمر غير ممكن حتى فى الأيام العادية، لذا فما يحدث له هذه الأيام «كارثى»، حيث يقول إنه يفضل المذاكرة فى الليل، نظراً للهدوء، ولأن الصباح هو التوقيت الذى يغلب أن يأخذ فيه دروسه اليومية.
ومؤخرا أصابت أزمة انقطاع التيار الكهربائى الدروس أيضاً، حيث يشير «محمد» إلى أن كثيرا من الدروس الخصوصية يتم إلغاؤها بسبب انقطاع التيار الكهربائى، وأحياناً ينقطع التيار أثناء الدرس، فيقرر المعلم إلغاء الحصة، ورغم ذلك يصر على أخذ ثمنها، لا ينفع كشاف أو شمعة فى غرفة تضم أكثر من 15 طالبا ومعلمهم.
وأثناء وجود «الوطن» ينقطع التيار، فيضرب الطالب مثلا بتوضيح حالة انعدام قدرته على المذاكرة. تحضر الأم، تتحدث عن معاناتها وزوجها فى توفير الجو لابنها، لا تستطيع أن تفعل شيئاً مع الظلام، وتقول إن المياه تنقطع أيضاً فى حال انقطاع الكهرباء، لذا فهى لا تعرف كيف تعد لابنها الطعام وتضطر إلى «التونة»، مما يسبب لها الضيق، إذ تحاول أن تطهو له أطعمة دسمة تعينه على المذاكرة، أو حتى أخذ «حمام» يخفف من حرارة الجو، وهى تشير إلى كونها باتت تحفظ أوعية من المياه لكى لا يقعوا فى ورطة، حال انقطاع التيار بعدما «مبقاش فيه لا هوا ولا نور ولا ميه».[secondImage]
يحب «محمد» مادة علم النفس، لأنها المادة التى تمنحه خبرة فى التعامل مع البشر وتفسير تصرفاتهم، لكنه فوجئ أثناء استذكاره، أن هناك قطعة يظن أنها وضعت هذا العام، ويقصد بها جماعة «الإخوان»، تقول الفقرة التى تندرج تحت عنوان اتساق مكونات الاتجاه: «وقد تكون اتجاهاتك غير ودية نحو جماعة من الجماعات فى بلدك، ولكنك قد تجد أن أفرادها قد سارعوا -من تلقاء أنفسهم- بنجدة ومعاونة أشخاص كانوا فى حاجة للنجدة والمعاونة، وهنا تتغير اتجاهاتك نحو هذه الجماعة، وربما تسلك نحوها مستقبلاً بطريقة إيجابية». لا يتفق صاحبنا مع هذه المقولة، ويوضح أنه «لا يمكن أن يغسل عقل طالب بمنهج دراسى، مهما كان ذلك المنهج».
لا تعرف الأسرة هل ستستمر الأزمة أم لا، يحاولون تقفى أثر تصريحات وزير الكهرباء، لا يصدقون الكلام بأنهم سيراعون الطلبة. يستغرب «محمد» أن الرئيس شكره وأمثاله وقت استعادة الجنود، بلا حل واضح يخص هؤلاء الطلاب.
ولا يستطيع الأب أن يجلب مولد كهرباء فى الشقة، تكلفة كبيرة، والامتحانات ستنتهى بعد شهر واحد. لدى طالب الثانوى صدمة مما يجرى فى مصر عقب الثورة من المشاكل، التى تضاف لرصيد مشاكل انقطاع التيار وإظلام الشوارع، فالمساء فى مساكن الرماية وحدائق الأهرام يعنى رعبا فى الشوارع، يمنع محمد من النزول للذهاب إلى دروس يأخذها فى بيوت أصدقائه.
ولا يستطيع «محمد» المذاكرة على ضوء لهيب الشمعة، لأن «نظره ضعيف»، والكشاف لا يتيح له رؤية جيدة لملازم الدروس، وهو يتطرق لواقعة حدثت مع أخته، الطالبة بالصف الأول الثانوى، حيث ذهبت إلى الامتحانات فى الأيام الماضية، وبدلاً من مكابدة انتشار الظلام فى المنزل وحده، واجهت تلك المشكلة فى الفصول كذلك، حيث انقطعت الكهرباء عنها فى لجنة الامتحان، وواجهوا مشكلة توقف المراوح والحر الخانق.
ويقول محدثنا إن الحر وانقطاع التيار لا يؤثران بشكل مادى واضح فحسب، وإنما هناك تأثير نفسى أيضاً، كأن يخشى من انقطاع التيار ليلة امتحان العربى، أكثر المواد التى يخشاها، أو يتوتر من جزء لا يستطيع أن يذاكره جيداً بسبب الظلام الذى يؤثر على نفسيته، لا سيما أنه تأثير بلا علاج أو حل، فالدولة تعلن أن هناك أزمة ولا تشير إلى وجود حل، بحسب الطالب الذى يحلم بأن يأتى يوم التاسع والعشرين من يونيو، موعد آخر امتحاناته، ليتخلص من كل التوتر الذى يعيشه الآن، ويقضى على «بعبع» الثانوية العامة للأبد.
لا يغيب عن الأسرة الاتصال بالحى ساعة انقطاع الكهرباء، لكن الحى يجيبهم بأن الانقطاع ليس من عندهم أو من الشبكة، بل هو سلسلة فى إطار ترشيد الاستهلاك، رأساً من وزارة الكهرباء، لهذا يطالب «محمد» الوزارة بأن تعلن جدولاً لانقطاع التيار، على أساسه قد يمضى فى ترتيب جدول مذاكرته.
لكن المفاجأة فى انقطاع التيار وعدم وجود موعد محدد لذيوع الظلام، يجعله دائماً فى حيرة من أمره، وهو يقول «من المشكلات اللى بتواجهنى برضه لما النور بيقطع، إن الكمبيوتر والنت مش بيشتغلوا ودا بيخلينى مش بعرف أترجم حاجات كتير فى الإنجليزى».
يبدو المستقبل مظلما أمام طالب على وشك الالتحاق بالجامعة، يحكى عن أصدقائه الذين يخبرونه بأن الجامعة هى المستقبل، لكنه يلمح إلى أن المستقبل «يشمله الضباب»، حيث يصيبه إحباط من الأوضاع الاقتصادية للبلاد.