كساد كبير فى سوق الملابس الجاهزة: «اللبس» لم يعد ضمن أولويات الناس.. والأكل والشرب أهم.. والأغلبية تفضل انتظار موسم «الأوكازيون»

كتب: أحمد عصر

كساد كبير فى سوق الملابس الجاهزة: «اللبس» لم يعد ضمن أولويات الناس.. والأكل والشرب أهم.. والأغلبية تفضل انتظار موسم «الأوكازيون»

كساد كبير فى سوق الملابس الجاهزة: «اللبس» لم يعد ضمن أولويات الناس.. والأكل والشرب أهم.. والأغلبية تفضل انتظار موسم «الأوكازيون»

شهدت سوق الملابس كساداً كبيراً خلال الأشهر الماضية، لا سيما بعد تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى، الأمر الذى يعانى منه أصحاب محلات الملابس فى الأسواق، نظراً للارتفاع المتصاعد للأسعار بشكل يومى، ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن الشراء إلا فى حالة الضرورة فقط، واعتبار الملابس سلعة غير مدرجة ضمن «أولويات المواطن» فى الوقت الراهن، حسب قول العديد من البائعين.

وفى شارع منصور بمنطقة «حلوان»، وقف الشاب العشرينى كريم محمد أمام محله لبيع الملابس، وقد بدا على وجهه الملل من قلة البيع، وهو يشكو حالة الركود التى يعيش فيها منذ عدة أشهر مضت، قائلاً لـ«الوطن»: «آخر فترة كان الشغل فيها حلو أول الشتا اللى احنا فيه ده، بعد كده الأسعار بدأت تزيد كل أسبوع تقريباً بسبب زيادة سعر الدولار لأن أغلب الشغل اللى احنا بنجيبه مستورد من بره، وطبعاً الحاجة اللى سعرها بيزيد مابتنزلش تانى»، وأضاف «كريم» بعد تأكيده أنه ليس للبائع يد فى حالة الغلاء فى أسعار الملابس حالياً، وإنما يبدأ الأمر من المستورد الذى يحدد السعر حسب ما يتراءى له: «دلوقتى لما المستورد بيقول سعر مابنقدرش نقول حاجة، وبنشترى بالسعر اللى هو يحدده من غير فصال، إنما الزبون دلوقتى بييجى لنا احنا عشان يشترى يستغرب من الأسعار، ويفاصل معانا، وهو فاكر إن احنا اللى بنغلى عليه الحاجة، ومحدش بيكون فاهم إن المكسب هو هو، إنما الحاجة هى اللى سعرها بيزيد فى جملتها»، ويقتصر البيع لدى «كريم» فى فترات «الأوكازيون الشتوى» فقط، حسب قوله، مشيراً إلى أن غلاء الأسعار دفع جميع المشترين إلى تأجيل الشراء حتى فترة الخصومات لكى يتمكنوا من شراء ما يريدونه: «بس برضه الحاجة بعد التخفيضات بتكون غالية لأن التخفيض مابيكونش كبير بالنسبة اللى تخلى الزبون يشترى اللى هو عايزه».

{long_qoute_1}

وفى محل آخر من محلات الملابس فى حلوان، وقف «محمد عبده» أمام رفوف الملابس يرتب بعضها فوق بعض، ويحكى ما وصلت إليه مهنته التى يعمل بها منذ 17 عاماً مضت، قائلاً: «لحد سنتين تلاتة فاتوا كانت الدنيا ماشية والأسعار كانت معقولة وفى متناول الناس كلها، إنما النهارده كل يوم ننزل نشترى شغل نلاقى الحتة سعرها زايد 5 أو 10 جنيه عن اليوم اللى قبله، وطبعاً الزبون النهارده على قده، واللى بياخد حتة بيقعد عليها فترة كبيرة لحد ما تقدم عقبال ما يجيب حاجة تانية غيرها، لأن اللبس مابقاش أهمية أولى عند الناس دلوقت»، ويسترجع «محمد» أسعار الملابس التى كان يبيع بها قبل هذا الركود، متمنياً عودة هذه الأيام مرة أخرى، «أغلى جاكيت بعته السنة اللى فاتت كان سعره 250 جنيه، السنة دى سعره وصل 500 جنيه وأكتر، ولما بقول السعر ده للزبون يتريق ويقول لى هعمل جمعية أو قرض وآجى أشتريه منك ويسيبنى ويمشى، وأنا عارف إن هو كمان غصب عنه لأن أقل طقم دلوقتى عشان واحد يجيبه ما يقلش عن 800 جنيه، يعنى نص مرتبه ده لو كان بيقبض 2000 جنيه يعنى». الركود دفع «محمد» إلى تسريح معظم عمال محله فى محاولة منه لتوفير النفقات، نظراً لقلة المكسب مقارنة بوقت سابق، وهو يقول: «من ساعة ما الدنيا غليت والبيع قل بدأت أنزل أشتغل بنفسى عشان أوفر يوميات، ومابقاش فيه حد شغال فى المحل غيرى أنا وابنى، وده لأننا الأول كنا ممكن نبيع فى اليوم أكتر من 15 حتة، إنما دلوقت آخرنا حتة أو اتنين وممكن نفتح طول اليوم ونقفل من غير ما نبيع حاجة خالص»، وكل ده كوم والتجار بقى اللى بنتعامل معاهم كوم تانى، دول بقوا يتعاملوا معانا بمبدأ على قد فلوسك خد حاجتك، يعنى مثلاً الأول كنت بتاخد اللى انت عايزه وتدفع الفلوس اللى معاك واللى فاضل يبقى آجل، لأن التاجر وقتها كان ضامن إن الدنيا ماشية وفيه بيع، غير إن التجار بقوا يحسبوها إن الأسعار كل يوم بتزيد، وإن الحاجة اللى هاخدها النهارده بجنيه بكرة هدفع فيها 2 جنيه، وبالتالى الآجل مش مربح بالنسبة ليه دلوقتى، وللأسف ده بقى مخلينى مش عارفى أجيب البضاعة اللى أنا عايزها عشان مفيش سيولة كافية».

من جانبه، قال عادل طارق، عامل فى أحد محلات الملابس فى «مول طلعت حرب»، إن سوق الملابس فى مصر حتى عام 2010 كان هو الأفضل بين جميع الأسواق على الإطلاق، إلا أن قيام ثورة 25 يناير أثر عليه بالسلب لفترة من الوقت لم تطل، لترتفع بعدها المبيعات مرة أخرى فى أواخر عام 2011، وهو يقول: «مع بداية شهر 11 اللى فات الدنيا ريّحت على الآخر والبيع قل تقريباً بنسبة 80% معانا، وده خلى المستورد نفسه يقلل الكميات اللى بيستوردها من بره وبالتالى أنا كمان قللت فى الكميات اللى بجيبها كل موسم، ده لو جبت أصلاً، وده أثر علينا هنا بشكل كبير جداً، لأن الأول مثلاً لو كان المكسب قليل فى الحتة بس كنا بنبيع كتير، إنما دلوقتى البيع نفسه هو اللى قليل، وطبعاً إيجار المحلات هنا فى طلعت حرب غالية جداً وبتوصل 40 ألف وأكتر، وديه نفسها أزمة تانية»، ويتابع «عادل»: «أنا شغال فى المهنة دى من أيام ما كنت تهرش فى دماغك تبيع، وكان المحل ممكن توصل مبيعاته فى اليوم لـ100 ألف جنيه فى المواسم، وفى الأيام العادية ممكن كان بيوصل لـ30 أو 40 ألف، دلوقتى لو المحل عمل 15 ألف فى اليوم بنحمد ربنا، حتى المواسم قلت أكتر من النص».

وأمام واحد من محلات الملابس بشارع 26 يوليو فى وسط البلد، جلس الشاب العشرينى على حسن، الذى يعمل فى هذا المجال منذ 3 أعوام فقط، وهو يتحدث عن فوارق البيع والشراء فى أول دخوله مهنة بيع الملابس وبين الفترة الحالية، قائلاً: «أول مرة أشوف موسم شتا مضروب بالشكل ده، بالرغم من إن كل الناس بتستنى الموسم ده بالذات عشان تعوض فيه الصيف، لدرجة إن أنا امبارح قافل المحل نص يوم عشان مفيش بيع واستحرمت أستهلك كهربا على الفاضى»، وبعد ما كان الزبون الواحد فى المواسم اللى زى كده يدخل عندى المحل يشترى حتتين وأكتر، دلوقتى بقى آخره يشترى حتة واحدة، يعنى بالنسبة لينا البضاعة اللى هتفضل للسنة الجاية كده كتيرة جداً، وده كله خسارة علينا».

معاناة عاشها «على» مع بداية زيادة الأسعار وهو يحاول فيها إقناع الزبائن أن الزيادة فى الأسعار ليست منه هو، حتى تعودوا بعد ذلك على الأسعار المرتفعة نتيجة الارتفاع فى جميع السلع وليس الملابس فقط، حسب قوله: «بس الفكرة بقى فى قلة الفلوس مع الزبون، وده خلانى أضطر بدل ما كنت بجيب حاجة نضيفة الزبون يدفع فيها اللى أنا عايزه بقيت أضطر أجيب الحتة اللى سعرها رخيص عشان الزبون يدفع فيها اللى هو عايزه»، وأشار «على» إلى «شارع 26 يوليو يعتبر هو منبع اللبس فى مصر كلها والناس كانت متعودة تيجى هنا عشان الأسعار معقولة وأرخص من بره، وفى بداية الموسم فعلاً كان فيه زباين كتير على أمل إن الدنيا هنا تبقى رخيصة، بس لما لقوا الأسعار هنا غليت برضه زى بره رجلهم قلت تانى».

وفى وكالة البلح، سوق الملابس المستعملة، يرى «سيد أحمد»، صاحب محل ملابس، أن التضييق على الاستيراد من الخارج هو سبب ركود البيع فى وكالة البلح، معبراً عن ذلك بقوله: «احنا لا عارفين نشتغل ولا اللى بيلبس عارف يشترى وبقينا عايشين فى حالة ركود كبيرة، لأن طبعاً ده زود أسعار البضاعة اللى بنشتريها وبالتالى بنغليها على الزبون اللى هو مش عارف أصلاً يجيب أكل ولا شرب ولا لبس ولا مصاريف مدارس»، ومتوسط البيع فى محل «سيد» يتراوح بين 1000 و2000 جنيه يومياً، وهو رقم لا يعد ضمن أرقام المبيعات المناسبة لطبيعة المكان الذى يعمل به: «إيجار المحل هنا 12 ألف جنيه، والكهربا فاتورتها بتيجى نحو 2000 جنيه شهرياً، غير بقى يوميات عمال وغيرها من المصاريف، وبعد كل ده بنيجى فى الآخر نلاقى مفيش مكسب لينا، وبعد مثلاً ما كنت بكسب 5 جنيه بقيت دلوقتى بكسب جنيه واحد بالعافية، وممكن أضطر أبيع الحاجة بخسارة عشان لو فضلت للسنة الجاية هتبوظ، وده خلانى بدل ما كنت بجيب 4 طن بالة فى الموسم بقيت أجيب طن واحد عشان البضاعة ماتتركنش، وبصراحة احنا زهقنا واتخنقنا ومابقيناش عارفين نعمل إيه».


مواضيع متعلقة