«ميركل» فى مصر لدعم الإصلاح الاقتصادى

كتب: بهاء الدين عياد

«ميركل» فى مصر لدعم الإصلاح الاقتصادى

«ميركل» فى مصر لدعم الإصلاح الاقتصادى

تبدأ اليوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيارتها الأولى لمصر منذ ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013، حيث أجمع المراقبون على وصف الزيارة بالأهمية البالغة فى ضوء الدور الألمانى الأبرز فى سياسات الاتحاد الأوروبى، فضلاً عما تمثله من دعم لمصر فى تلك المرحلة التى تشهد تحولات اقتصادية عميقة، وتعد زيارة «ميركل» هى الثالثة خلال عشر سنوات منذ زيارتيها عامى 2007 و2009، إذ تأتى هذه الزيارة الموسعة لتبحث ملفات حيوية فى العلاقات المصرية الألمانية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبى، وتشهد إلى جانب اجتماعات القمة عقد لقاءات مكثفة مع البابا تواضروس والإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، كما ستلتقى «ميركل» وزراء المجموعة الاقتصادية وممثلى منظمات المجتمع المدنى.

{long_qoute_1}

وعلى الرغم مما ساد الدول الأوروبية من سوء فهم وتحفظ إزاء أحداث ثورة 30 يونيو التى أطاحت بالإخوان فى صيف 2013، فإن ألمانيا ظلت تؤكد على تفهمها لطبيعة التحديات الأمنية والسياسية التى تواجهها مصر فى هذه المرحلة والدور الذى تلعبه فى مكافحة الإرهاب على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى، وهو ما تمخض عن توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين لتبادل المعلومات الاستخبارية وتأمين الحدود ومواجهة الظواهر الناتجة عن الاضطرابات الأمنية فى المنطقة وعلى رأسها ظاهرة الهجرة غير الشرعية، كما ساهمت الشركات الألمانية فى دفع جهود التنمية فى مصر والتغلب على المشكلات المزمنة مثل المساهمة فى بناء محطات الكهرباء الجديدة، ولعل مشاركة المستشارة الألمانية خلال زيارتها الحالية فى افتتاح محطة لتوليد الكهرباء التى أنشأتها شركة سيمنس الألمانية، يعطى دلالة واضحة فى هذا الصدد، وكانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ألمانيا فى صيف 2015 قد مهدت الطريق لهذا النمط من التعاون والشراكة فى مجال الطاقة والبنية التحتية، إذ توجت تلك الزيارة فى آخر أيامها باتفاق ضخم بقيمة تسعة مليارات دولار فى مجال الطاقة، ووقعت شركة سيمنس أكبر صفقة لها على الإطلاق بقيمة ثمانية مليارات يورو حول محطات الكهرباء والغاز الطبيعى وتوليد الطاقة من الرياح فى مصر. من جهته، قال السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن زيارة المستشارة الألمانية إلى مصر فى غاية الأهمية فى إطار العلاقات المصرية الألمانية أو المصرية الأوروبية وتساهم بشكل كبير فى ترسيخ العلاقات المصرية - الألمانية، وفى دعم مصر على المستوى الدولى، وأوضح أنه ضمن الملفات التى سيتم التباحث بشأنها مسألة الهجرة غير الشرعية وظاهرة اللاجئين، موضحاً أن هناك اتفاقية موقعة بين مصر والاتحاد الأوروبى والاتفاقيات الدولية وفى إطار القانون الدولى والتزاماتها تجاه القوانين المنظمة للهجرة غير الشرعية، وأن العلاقات الثنائية والوضع الإقليمى وأزمات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وأمن حوض البحر المتوسط والعلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبى ستكون من أبرز الموضوعات المطروحة للنقاش بين الرئيس المصرى والمستشارة الألمانية، مشيراً إلى أن هناك العديد من الزيارات المهمة التى مهدت لزيارة «ميركل» على المستويات الأمنية والبرلمانية والتجارية، مؤكداً أن «ميركل» ستقود وفداً كبيراً من المستثمرين وممثلى كبريات الشركات الألمانية العاملة فى مصر سواء الراغبة فى زيادة استثمارات أو الباحثة عن فرص جديدة للاستثمار فى مصر، خاصة فى المشروعات القومية الكبرى ومجالات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا والتعليم وغيرها، واصفاً الزيارة فى حد ذاتها بأنها «إشارة قوية» لدور وثقل مصر فى استعادة الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

{long_qoute_2}

وفيما يتعلق بأزمة ليبيا التى تزور «ميركل» اثنتين من دول جوارها (مصر وتونس)، أوضح «هريدى» لـ«الوطن» أن الأزمة ستحتل جانباً من المحادثات فى ضوء الدور الذى تضطلع به مصر فى تسوية الأزمة، وفى ضوء الأوضاع الحالية والجهود الدولية والعربية لتفعيل المصالحة فى ليبيا وتحقيق اتفاق الصخيرات والتى كان آخرها اجتماعات دول الجوار الليبى فى القاهرة، واللقاءات التى استضافتها مصر للقادة الليبيين من خلال اللجنة الوطنية المعنية بالأزمة الليبية برئاسة الفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعضوية وزير الخارجية، سامح شكرى، واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن رؤى البلدين فى مختلف الأزمات متقاربة، ومتطابقة فى أسس الحل السياسى فى سوريا واستبعاد الحل العسكرى وتأييد ودعم مفاوضات جينيف وتشجيع الأطراف المعنية لاحترام اتفاق وقف إطلاق النار الذى وقع فى ديسمبر الماضى.

وقال السفير إبراهيم الشويمى، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، لـ«الوطن» إن الزيارة لها أهمية قصوى نظراً لأن ألمانيا لديها نفوذ قوى فى الاتحاد الأوروبى وتمثل أبرز الدول الداعمة لمسيرة الاتحاد والمؤثرة فى سياساته، خاصة إزاء منطقة الشرق الأوسط، ويمكن لمصر الاعتماد على علاقات القاهرة وبرلين فى تكوين رؤية تساعد مصر فى كل الأحوال وتدفع إلى مزيد من التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى ككل، وتابع: «كما أن ألمانيا والمستشارة ميركل لديهما رؤية ضد قضية اللاجئين تدفع باتجاه ضرورة حل ازمات الإقليم للتغلب على هذه الظاهرة وإيجاد حلول جذرية لها، وبرلين تدرك أن مصر تقوم بدور كبير فى محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وألمانيا لها دور كبير فى الاستثمار فى مصر فى قطاعات حيوية مثل شبكة الكهرباء، واتفاقيات مهمة بين ألمانيا ومصر فى التدريب المهنى الذى تحتاج إليه مصر لتحقيق نهضة صناعية تساهم فى إصلاح أوضاع الاقتصاد المصرى، وتساهم الزيارة كذلك فى إظهار دور مصر على الساحة الإقليمية والدولية، خاصة فى ليبيا، فضلاً عن تقديم الدعم لمصر فى إجراءات الإصلاح الاقتصادى الأخيرة التى دعمتها ألمانيا وهنأت الحكومة المصرية بها واعتبرتها إنجازاً جريئاً للحكومة المصرية يمكن البناء عليه لتحقيق إصلاحات جذرية وهيكلية للأوضاع الاقتصادية فى مصر، بما يساهم فى جذب المستثمرين الألمان بعد تعزيز الثقة فى النظام المصرفى المصرى بتعويم الجنيه أمام الدولار وتوفيره من خلال القطاع المصرفى الرسمى، وهو ما يمثل ضمانة وطمأنة للمستثمرين، لا سيما أن مصر مقبلة على الانتهاء من إعداد قانون جديد للاستثمار والحوافز والضمانات خلال الفترة القليلة المقبلة».

وحول التوقعات الخاصة بنتائج الزيارة قالت السفيرة هاجر الإسلامبولى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لـ«الوطن»: «أتمنى أن تغطى الزيارة الأوضاع الإقليمية فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التى تمثل إحدى الأولويات المهمة بالنسبة للأوروبيين فى الإقليم، خاصة أن ميركل علقت على التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو خلال المؤتمر الصحفى المشترك أثناء زيارة الأخير إلى واشنطن، وأكدت على رؤية متطابقة مع مصر إزاء تسوية القضية الفلسطينية وتحديداً بالنسبة لتأكيد محورية ومرجعية حل الدولتين وهذا سينعكس فى المحادثات ونتائجها بين ميركل والسيسى، لأن الأوروبيين يتبنون وجهة النظر العربية والمصرية على وجه خاص فى القضية الفلسطينية التى تؤكد أنه لا حل نهائى للقضية الفلسطينية إلا بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما تعتبر الاستيطان غير شرعى من وجهة نظر القانون الدولى بعكس تصريحات ترامب والبيت الأبيض التى اعتبرت الاستيطان مجرد معوق أو غير مفيد للحل التفاوضى بين الجانبين».

وأكدت «الإسلامبولى» أنه فى ألمانيا يرون أننا أحدثنا خطوات جادة لإصلاح الوضع الاقتصادى، وستعطى الزيارة دعماً لبرنامج الإصلاح فى مصر، مضيفة: «لا أقصد الدعم المالى رغم أن ألمانيا أكبر ثانى مانح لمصر فى المساعدات، ولكن دعم الصناعة والتدريب المهنى وهناك مبادرات ألمانية كثيرة، وفيما يتعلق بالتعاون فهو واسع ويغطى العديد من المجالات الحيوية وعلى رأسها الطاقة والبنية الأساسية، خاصة فى مجال قناة السويس والأنفاق وغيرها من المجالات». وشددت السفيرة على أهمية أن تخرج الزيارة بدعم واضح لمجال السياحة، وتابعت: «ينقصنا التزام ألمانيا بدعم تدفق السياحة الألمانية، خاصة أن الألمان لديهم هيام بمصر والآثار القديمة، وتصريحات لميركل حول تحسن الأوضاع الأمنية فى مصر يمكن أن تساهم فى تعزيز حركة السياحة، خاصة أن المواطنين الألمان يحبون البحر الأحمر، ونحتاج من المستشارة الألمانية رسالة قوية حول الأوضاع الأمنية تساهم فى عودة السياح، خاصة أن برلين تعلم جيداً أن مصر تتقدم الصفوف فى مواجهة الإرهاب الدولى».


مواضيع متعلقة