عارف انت ابن مين يا عمرو أديب؟!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

تحتار فى تعريف هذا الرجل الذى يمتلك مساحة تعريف عريضه لا تعرف من أين تبدأ منها أو عنها.. فهو الإعلامى الشهير الذى يحقق هذه الأيام اقتراباً غير مسبوق للجماهير لم يحققه فى القنوات المدفوعة مقدماً أو المشفرة كما يسمونها.. وهو وحده القادر على تجاوز المألوف إلى مألوف آخر يبدو لبعض الوقت غريباً وعجيباً.. وهو من القلائل المرتبطين بفريق عمل بينهم جسور تفاهم كبيرة يهب بهم إلى أى شاشة، فهم جزء منه وهو جزء منهم.. وهو صاحب القدرة الكبيرة على الارتجال المتفق ربما الآن بغير منافس.. وهو المتنقل بين موضوعات إنترو أو مقدمة حلقاته دون أن يشعر أحد وبربط متقن.. ولن تكون ثرثرة، والرجل سر أبيه كما يقولون، إن كان جزءاً أساسياً فى تعريفه أنه ابن أحد أشهر وأمهر كتاب السينما العربية والمصرية.. الذى كتب وهو دون الثلاثين فيلمين أثارا جدلاً واسعاً عامى 57 و58 هما «امرأة فى الطريق» و«باب الحديد»، وربما كان المؤلف رحمه الله الأكثر إنتاجاً ولمدة نصف قرن متصلة، وعندما نقول عنوانى الفيلمين السابقين فنحن أمام كاتب غاص فى أعماق أعماق المجتمع المصرى بمختلف شرائحه، خصوصاً شرائحه الدنيا والفقيرة والكادحة.. كما لا يكون التعريف منضبطاً وكاملاً إن مر دون الإشارة إلى أنه الشقيق التالى فى الترتيب للكاتب الكبير الأستاذ عماد أديب ويليه الشقيق الأصغر المخرج المبدع عادل أديب!

عمرو أديب هاجمناه من قبل وسنقول فى السطور التالية عن الأسباب، لكن استكمالاً نقول إنه الأكثر انفعالاً فى حب مصر وانفعالاته حقيقية نصدقها، وهو وطنى لا شك فى ذلك، يريد أن يرى بلده فى صورة أفضل وشعبه على حال غير الحال، ولكن وبعد لكن تتوقف قلوب كثيرة عن الحركة أو تنبض بسرعة إذ إننا لو قمنا بتكليف أى باحث لمشاهدة حلقات أديب وإعداد تحليل مضمون لها عن الرسالة المستخلصة لحلقاته لجاءت النتيجة أن مضمون وخاتمة رسالته «سلبية للغايه تدعو إلى الإحباط»، وهذه النتيجة التى نتوقعها عندنا من الأدلة الكثير.. ربما لا يقصد الرجل.. أو قطعاً لا يقصد.. إنما من خصائص الارتجال أى ارتجال أن ينطلق ما فى القلب على اللسان دون شعور أو على الأقل بغير انضباط أو هيمنة على الألفاظ والعبارات.. فمثلاً قد ينطلق عمرو أديب ليمدح مستوى نظافة القاهرة فى العهد الملكى ويشيد بطريقته بشياكة الناس ويعقد مقارنات بين حال مصر وقتها وحالنا اليوم، وهو بهذه الطريقة ومن دون أن يدرى يدفع الكثيرين إلى «الترحم» على العصر الملكى! وهذا معناه أن مشاهديه وبتلقائية سيقولون إن النتيجة الختامية لثورة يوليو هو ما نحن فيه، وبالتالى فالخلاصة عندهم أن تدخل الجيش فى السياسة كان خطأ أدى إلى تراجع مصر وهى الصيغة الموازية للمصطلح أو الهتاف البذىء «يسقط حكم....»!

أديب لا يقول للناس إن ما يشيد به هو أحياء الأرستقراط فى مصر من جاردن سيتى أو الزمالك أو مربع وسط القاهرة وهى أحياء الأجانب والأمراء والباشوات ولن يقول لنا حال باقى محافظات ومدن مصر وأحوال الرعاية الصحية فيها، ولن يقول إن الناس كانت تموت من البلهارسيا وليس الأمراض الخطيرة، ولن يذكر للناس ضحايا الكوليرا وما فعلته بالبلاد بل ولن يقول للناس حال أحياء القاهرة الشعبية وقد سجلتها السينما فى «العزيمة» و«أبوحلموس» وغيرهما من أفلام هذه الفترة، والمدهش أنه لن يقول أبداً إن التدهور ليس فقط نتيجة للثورة بل إن نظافة الشوارع وجمال المنتزهات بل وإطلاق مصايف جديدة كالمعمورة وجمصة لـ«تصنيع» طبقة متوسطة كان على أكمل وجه فى الخمسينات والستينات وسنوات من السبعينات!

تدفق عمرو أديب يوقعه فى أخطاء قد تبدو بسيطة وعفوية وكلامنا قد يبدو دفاعاً عن عصر بعينه.. وكلا الأمرين غير صحيح.. فنتائج التلقائية والتدفق ليست بسيطة ولا كلامنا دفاع عن عهد بعينه.. لماذا؟ نقول: فهو مثلاً يقاطع الكاتبة الكبيرة الأستاذة فريدة الشوباشى وهى تتحدث عن صناعة السيارات فى الستينات ليسألها عن المحرك المستخدم فى صناعة السيارة المصرية «نصر» فترد إنه «إيطالى» فيبدو أديب منتشياً منتصراً دون أن يدرى حجم الإحباط والسخرية من مجهود كبير لشرفاء أرادوا بناء هذا الوطن، وقد برز على الفور أثناء الحلقة من كثيرين، قطاع منهم ينتمى لإعلام الشر سخر من الصناعة المصرية ومن قدرة المصريين على الفعل والإنجاز، وهنا أديب أيضاً لا يقول أى دولة فى العالم تقدمت دون الاستفادة من تراكم المعرفة عند غيرها ممن سبقوها ولا يقول إن دولة من أكبر مصنعى ومصدرى السيارات فى العالم هى كوريا أرسلت بعثة للتعلم من مصر عام 1962 وكانت برئاسة الرئيس بارك هى أبوالرئيسة الكورية الحالية وهو مؤسس كوريا الحديثة، وهو رمز كوريا حتى اليوم! كما لن يقول أديب إن الصناعة كانت حديثة وقتها وإنها لو استمرت حتى اليوم ومع نصف قرن من التطوير لكان لمصر شأن آخر، لكن مصنع رمسيس أُغلق عام 72 أى منذ 45 عاماً كاملة، بعد أن عمل 12 سنة فقط، والنصر للسيارات جرى لها ما جرى لكل شركات الخصخصة من إفساد وتدمير!

أما الكارثة الكبرى فهى الاستدعاء المتكرر لنكسة 67 ومدى البؤس واليأس والانسحاق الذى يتكلم به أديب ولم يسأل نفسه عن تأثير نقل الإحباط لأجيال جديدة، ولم يسأل نفسه لماذا لا يعطى 73 نفس المساحة ولا يسأل نفسه عن الطريقة التى يتعامل بها العدو الإسرائيلى مع نصر أكتوبر وكيف يتم تبسيطه بل والسخرية منه للأجيال الجديدة فى الدولة الصهيونية لتتخرج أجيال وتكبر معنوياتها فى القمة كل ما تعرفه عن جيشها العدوانى أنه «لا يقهر»!

أمور كثيرة نتمنى على الله أن يعيد نجمنا الكبير فيها نفسه وأن يصر أن تكتمل رسالته بغير ملاحظات سلبية تفسد مجهوده الكبير، وأن يلعب دوراً أكبر فى إعادة بناء الشخصية المصرية التى لا تعجبه ولا تعجبنا الآن، ليعيد إليها ثقتها بنفسها ويوجهها التوجيه الأمثل لتساهم فى بناء مصر اليوم وهى الشخصية التى تم تشويهها وتشويه قيمها ووعيها السنوات الأربعين السابقة بما يكفى لتدمير أمة بكاملها رغم أن والده العظيم قدم الشخصية المصرية بنفسه، وكان صادقاً حين كانت شخصية سوية متعلمة مثقفة إيجابية، فعبدالحى أديب هو من كتب «صغيرة على الحب» حين كانت الدولة تنشئ التليفزيون وتهتم بأطفال الوطن، وهو من كتب «جناب السفير»، حيث الانضباط والشياكة والسعى للعلم والابتكار والابتسامة النظيفة فى «سر طاقية الإخفاء» قبل ابتذال ممتد وطويل حالياً، وهو من كتب «أم العروسة» حيث الأسرة المصرية المتآلفة المتماسكة التى يعزف أبناؤها الآلات الموسيقية ولا يدخنون البانجو، وحيث الفساد فى أقصاه كان اختلاساً بسيطاً لرب الأسرة المصرية سرعان ما يتم معالجته دون فضائح، حين كان اختلاس جنيهات بسيطة.. فضيحة كبرى!

آه لو فعلها عمرو أديب!