الصحة موت على نفقة الدولة | «معهد الأورام».. مرض خبيث فى منظومة الصحة

الصحة موت على نفقة الدولة | «معهد الأورام».. مرض خبيث فى منظومة الصحة
يأتون من كل ربوع مصر، يجرون أجسادهم التى أهلكها مرض قاتل فتاك لا يرحم فقرهم ولاضعفهم، يتسلل إلى أجسادهم من حيث لا يشعرون، يتمكن منهم فى غفلة، لا يتركهم إلا جثثا هامدة، لا يملكون إلا الرضا بقضاء الله، يحاولون التصدى لهذا المرض الخبيث بعلاج كيماوى لاتخلو أجسادهم من آثاره، يدخل عالمهم 20 ألف مصاب جديد سنويا بخلاف 200 ألف حاليين، وفق الدكتور علاء حداد عميد المعهد القومى للأورام، هم مرضى السرطان الذين يترددون يوميا على المعهد القومى للأورام الذى يصارع من أجل البقاء، بعد أن تداعى الجزء الجنوبى من مبناه تحت وطأة تزايد أعداد المرضى، مما أدى إلى إخلائه، وزيادة العبء على بقية أقسام المعهد الذى يبلغ حجم الانفاق السنوى عليه ما يتجاوز 120 مليون جنيه، فى حين أن حصته من ميزانية الصحة لا تتعدى 40 مليونا، أى الثلث، مما يجعل ثلثى احتياجات المرضى تتأرجح وفق «الصدقات» وتبرعات فاعلى الخير، ونفحات قد لا تأتى أحيانا.
أمام غرفة الكشف افترشت سيدة أربعينة الأرض، تداعب صغيرها أسامة ذا الـ8 سنوات فى انتظار أن يحل دوره، ومع طول الانتظار يذهب الطفل فى سبات عميق، تحدث نفسها بصوت مسموع «الحمدلله إنه نام شوية»، السيدة منال رمضان تأتى كل أسبوع من محافظة الشرقية إلى المعهد القومى من أجل توقيع الكشف الدورى على وحيدها الذى هاجمه السرطان منذ ما يزيد على السنة، توفى زوجها وترك العبء عليها وحدها «كل التعب يهون.. الخوف عليه والطوابير والمهانة.. بس المهم إنه ده كله ييجى بفايدة ومايرجعلوش المرض الوحش ده تانى».
الانتظار فى معهد الأورام هو السمة السائدة، إما انتظار الشفاء البطىء، أو انتظار الدور الأكثر بطئاً، آلاف المرضى ينتظرون فى طوابير طويلة أمام باب المعهد من أجل الحصول على جرعة علاج تسكن أجسادهم التى تئن ألما، المشهد أمام المعهد أهون بكثير من داخله، بمجرد الدخول من بوابته الحديدية التى تخفى الكثير من المعاناة التى يتعرض لها آلاف المرضى من الأطفال والنساء والشيوخ الذين تعج بهم صالات وطرقات وممرات المعهد، ففى كل زاوية تجد مريضا مستلقيا بجسده الهزيل على الأرض التى يجدها أكثر رحمة به من طاقم التمريض.
ساعات الانتظار أمام غرف الكشف داخل المعهد الذى ضاق بمرضاه تمر ببطء شديد ولايجد المرضى غير الاستسلام بعد طول انتظارهم لأكثر من أسبوعين فى قوائم الانتظار على أمل أن يسكن العلاج آلامهم، من الطبيعى فى ظل هذا الزحام أثناء تجولك داخل طرقات المعهد أن تقع عيناك على حالات من المرضى التى يتم علاجها وإسعافها بمحاليل طبية وسط المرضى المنتظرين لدورهم فى ممرات المعهد، هذا التكدس الرهيب داخل مبنى واحد طاقته 300 سرير فقط، جاء بعد إخلاء المبنى الجنوبى الذى كان يضم 350 سريرا بسبب الشروخ والتصدعات التى اضطرت معها إدارة المعهد إلى إلغاء جميع وسائل الترفيه، كساحات الاستقبال والكافيتريا وقامت بتحويلها إلى أكشاك معدنية صغيرة تحل محل العيادات لاستيعاب الأعداد الهائلة من المرضى يوميا، وامتلأت الطرقات بالمكاتب الإدارية التى تخلو من المرضى بعشرات الأجهزة الطبية المعطلة بسبب عدم وجود مكان مناسب لها رغم أن المعهد فى أشد الحاجة إلى عودة هذه الأجهزة والمعدات إلى الخدمة مره أخرى.
إحدى الممرضات وجدناها تقوم بعدة أشياء فى وقت واحد، تارة تأخذ العينات وتساعد فى عمليات البذل وتحليل صفائح الدم وإعطاء جرعات العلاج الكيماوى والعلاج العادى «كل ده فى غرفة واحدة نستقبل فيها يوميا أكثر من 200 حالة» موضحة أن هناك بعض الحالات مثل العلاج الكيماوى يحتاج إلى مكان معقم ونظيف، خاصة أن المريض تكون مناعته ضعيفة وقد يتعرض لمضاعفات وهو مايحدث بالفعل مع بعض الحالات، وبحسرة وحزن تتساءل إحدى المريضات بالغرفة كيف يعالج السيدات والرجال فى غرفة واحدة ومؤكدة أنه أحيانا ما يتم الكشف على مريض أو مريضة وكشف ملابسه أمام مريض آخر.
«معهد الأورام القومى» قبلة مرضى السرطان من كل أنحاء الجمهورية رغم انتشار مراكز علاج السرطان فى معظم محافظات مصر، لكن إمكانياته محدودة تجعل الأعداد الوافدة للمعهد فوق طاقته الاستيعابية، هكذا تحدث عميد معهد الأورام الدكتور علاء حداد معترفا بالمأساة التى يتعرض لها المرضى بعد توقف المبنى الجنوبى عن العمل قائلا المعهد يعمل بأقل من نصف طاقته الاستيعابية، مؤكدا سعى الإدارة إلى تلبية احتياجات المرضى، خاصة أن معظمهم من محدودى الدخل ويعتبر المعهد الملجأ الوحيد بالنسبه لهم لكن الإمكانيات محدودة جدا مقارنة بأعداد المرضى، مشيرا إلى أن المعهد يستقبل 002 ألف مريض سنويا بالإضافة إلى 02 ألف مريض جديد سنويا، منهم ألف طفل، 55% من المرضى من خارج القاهرة، 4% من السويس، 2% من الوادى الجديد ومن الصعيد 2%، بينما محافظتا مطروح والوادى الجديد تمثلان 2٪ من المرضى بالمعهد و1% من باقى محافظات مصر، مؤكدا أن 08% من مرضى المعهد يعالجون بالمجان.
بالنسبة للعلاج يلخص الدكتور عثمان منصور، أستاذ العلاج ومدير العيادات بالمعهد، المشكلة أنه كل يوم توجد أدوية جديدة تزيد من نسبة الشفاء وآثارها الجانبية محدودة لكن ثمنها مرتفع جدا ولا نستطيع توفيرها فهناك بعض الأدوية الخاصه بالأورام الشديدة يصل ثمنها إلى 120 ألف جنيه وتكفى لعلاج مريض واحد فقط، وهناك أدوية أخرى يصل ثمن العلبة إلى 40 ألف جنيه، وكذلك علاج سرطان الدم المزمن يتكلف 12 ألف جنيه شهريا للمريض الواحد، ونحن فى أمس الحاجة إلى هذه الأدوية لزيادة نسبة الشفاء، لكن لانستطيع توفيرها.
أخبار متعلقة:
سيدى الرئيس القادم.. الصحة موت على نفقة الدولة
مستشفيات المنيا الحكومية خارج الخدمة.. وكل شىء فى المستوصفات بـ«البركة»
استقبال الزقازيق.. الموت البطىء فى مستشفى الحكومة
«كفر الزيات العام».. علاج بالنهار.. ومخدرات بالليل
«الدقهلية» عاصمة الطب سابقا.. أهلها مرضى بالالتهاب الكبدى والفشل الكلوى
«صدر الجيزة».. قطط تستوطن العنابر.. ومرضى يعالَجون فى الشارع
«التل الكبير» عناية مركزة بـ«بلطجية» .. وطبيبة: خدمات الحكومة الطبية «أكذوبة»