بالفيديو| "المصطبة".. مخزن أرشيفي لتراث الفن الشعبي المصري

كتب: سلوى الزغبي

بالفيديو| "المصطبة".. مخزن أرشيفي لتراث الفن الشعبي المصري

بالفيديو| "المصطبة".. مخزن أرشيفي لتراث الفن الشعبي المصري

{long_qoute_1}

مكتبة تشغل حيز حائط بأكمله، تتراص الشرائط والأقراص المدمجة، تزوغ الأعين بين الأرفف لتنهل من ثقافات الفن الشعبي المصري من خط القنال لأقصى الجنوب وتمر على شرق البلاد ومغربها، تزدحم الألوان التراثية داخل ما يزيد عن 800 ساعة فيديو، سجلها ابن محافظة بورسعيد، الذي شغفته الموسيقى الشعبية بأصالتها، فأنشأ مركز "المصطبة" جامعًا فيه الفنون المصرية الأصيلة من جميع ضواحيها، طامحًا أن يتبنى المجتمع المصري فنه الشعبي، وعاملًا على إحياء الفن وتوثيقة.

لدورها التاريخي في الريف المصري ومن وحي التجمع عند "المصطبة"، التي تشهد على الحكايات والأحاديث في الأمورالحياتية والسياسية والمعيشية وعندها تظهر المواهب الفنية من غناء وإلقاء شعر وعزف وقت السمر، جاءت تسمية المركز الذي أنشأه الفنان الشعبي زكريا إبراهيم، ويضم 12 فرقة شعبية لمختلف الثقافات المصرية.

{long_qoute_2}

زكريا إبراهيم، فنان شعبي، وُلد في عام ميلاد أمل جديد مواكبًا لثورة 1952، شب في طفولته على أصالة الفن المصري حتى جاءت نكسة 1967، وهُجّر مع عائلته من بورسعيد عام 1969 متجهًا إلى بلدة السنبلاوين في محافظة الدقهلية، لينضم إلى السابقين من منطقة القناة الذين انشأوا فرقة "المهجرين" للسمسمية للتغلب على آلام ترك منشأهم وحياتهم، ليصبح أحد نجومها وهو يغني ويرقص "البمبوطية" الرقصة الشعبية البورسعيدية مخرجًا من خلالها انفعالاته، وكانت كالبلسم لجراح البُعد وطريقة للتكيف والتأقلم على الوضع الجديد.

يروي مؤسس مركز المصطبة، لـ"الوطن"، كيفية تأسيس الفرق المحتفظة بالفن الأصيل، منذ أن عاد لبورسعيد في أكتوبر 1980 والصدام بواقع اختفاء الموسيقى التي لعبت دورًا مهمًا في أثناء الحرب والعدوان، والتي كانت "أسمنت العلاقات الاجتماعية"، كما عبر عنها الفنان الشعبي عبدالحميد حواس، وكانت شرايين التواصل بين المجتمعات المنتشرة على مستوى الجمهورية من خلال إحياء فرق المهجرين لأفراح السكان الأصليين الذين استضافوهم، وساهمت في الاندماج فيما بينهم إلى وسيلة لـ"لم النقوط"، وأصبحت "الفلوس" أو المادة هي أساس التعامل "تذأب قبل أن تأكلك الذئاب"، من هنا كان قرار ابن بورسعيد بالبحث عن قدامى الفنانين، الذين اختفوا مع الوضع التجاري الجديد، لأن لديهم علاقة روحية بالموضوع وليست مادية بحتة.

{left_qoute_1}

ـ "الطنبورة البورسعيدية":

اعتبره كثيرون "فكرة مثقف حالم لديه افكار أقرب للتهيؤات منها رغبة حقيقة"، وظل "مفتش التموين" لمدة 8 سنوات يبحث حتى مسك في 23 ديسمبر 1988 أول خيط لتأسيسه فرقة بورسعيد للتراث الشعبي التي تحولت "الطنبورة" البورسعيدية في العام 1994، حيث استخرج آلة الطنبورة من الزار السوداني وعمل نسخة معدلة منها، فكان أول ظهور علني للآلة، ووضعت إلى جانب السمسمية ذات الصوت المعدني، والطنبورة صوتها غليظ لأن وترها يصنع من أمعاء الحويانات في الماضي ثم شعر الصنارة الغليظ حاليًا، وجاء تدشينها بعد مقابلته لعدد من القدامى بمناسبة إحياء عيد النصر في 23 ديسمبر 1988 الخاص بالعدوان الثلاثي، وعمد إلى إحضار شباب أصغر في الست للحفظ من كبار السن، وتم تجميع أكثر من 20 ساعة من الأغاني التراثية، سواء "أغاني الضمة" ذات البُعد الصوفي وهي نوع من الأغاني، تمزج بين الطقس والاحتفال أو "أغاني السمسمية" التراثية.

ـ "الصحبجية الإسماعلاوية" و"الحنة السويسية":

في الإسماعلية، قابل زكريا "الوزيري" عازف السميسمية، وأسسا فرقة "الصحبجية" وبعد موته في 2008 تم تغيير اسمها لـ"الوزيري"، وفي السويس أسس الفنان الشعبي فرقة "الحنة السويسي"، وتميزت الفرق الثلاث بالعزف على آلة "السمسمية"، و كان الفارق أن كل مدينة لها غناء مختلف وروافد وألحان مختلفة، فتأثر فن البحر الأحمر واضح في فن السويس، وفي الإسماعلية خلطة مع فن الريف لأن المحافظة الزراعة أساس فيها، فتمايزات ولم يكن نفس الكتالوج أو المخزون الغنائي واحد، الآلة واحدة لكن تختلف الأغاني حسب اعتبارات عديدة، وتتشابه في بعض الحاجات فهناك أغاني مشتركة أيضًا.

{long_qoute_3}

التوجه إلى مهرجانات بهذه الفرق كان سببًا في تعرف مؤسس مركز "المصطبة" على شريكه الإنجليزي، فلم يكن زكريا غير مفتش تموين، يملك ورشة لتصليح الأحذية وعمل المفاتيح، كانت تعطيه دخل يسمح له بالعيش كرب أسرة، وفي عام 1996 كان التعاون مع الشريك الإنجليزي، الذي أنتج معه ألبومات بتقنية عالية ومستمر التعاون بينهما حتى الآن.

ـ "الرانجو" السوداني:

حينما عمد زكريا إلى إخراج آلة الطنبورة من "الزار" كان لابد أن يحضره لمدة عام لأنها بالنسبة إليهم "مقدسة"، وأعجب بـ"فن الزار" بعيدًا عن المعتقد الديني، وفكر في تقديمه في سياق جديد لكونه غامض بالنسبة إلى الناس، فوجد ثلاث فرق ورابعة منقرضة تحمل اسم "الرانجو" مات كل عازفيها واندثرت آلاتها، وهي الآلة التي جاء بها السودانيين منذ أيام محمد علي، "أما جابهم يشتغلوا في الجيش المصري ومزارع القطن"، ووصل لآخر عازفيها حسن برجمون وهو مصري من أصل سوداني في العام 1996، ولكن لم يكن معه آلة وبحث "زكريا" حتى وجد اثنتين، وعلم منه باقي الآلات المفترض وجودها وأحضرها وأسس الفرقة من جديد.

ـ "البرامكة" الدقهلية:

في العام 1996، وجد الفرقة الخامسة وهي "البرامكة"، أفراد عائلة واحدة "غاويين الفن" ومتماسكين باعتبارهم عائلة بدأ يرعاهم، وتتميز الفرقة بأنها شعبية وبسيطة يعمل أفرادها صيادين في بحيرة المنزلة، والغناء مرتبط بالصيد في البحيرة وهو من النوع الريفي، لأن المنطقة ريفية بالأساس، ويعتمدون على آلات الإيقاع، مثل الطبلة والرق دون آلة موسيقية، "وده صعب لأن الآلة تساعد المغني يلاقي الطبقة اللي بيغني منها".

بعد حوالي 11 عامًا من العمل الميداني أسس "زكريا إبراهيم" مركز "المصطبة" بخمسة فرق فقط في العام 2000، ثم توالى في تأسيس السبعة الآخرين، وفي أوائل عام 2010 أنشأ مسرح "الضمة"، ليجد مكانًا ثابتًا لعرض تلك الفنون المختلفة، محتفظة بأصالتها بعيدًا عن أي آلات حديثة لم تكن في موروثها الثقافي من الأساس.

ـ "الجركن" السيناوية:

فرقة موسيقية متميزة، ليس لكونها تعمل على إحياء التراث الشعبي البدوي، ولكن لأن أعضاءها صنعوا آلاتهم الموسيقية من مخلفات الحرب، التي كانت تُستخدم مِن قبل الاحتلال الإسرائيلي، عزفوا كلمات الشعر الملحمي، الذي يتغنى بشيم القبائل على "جراكن صفيح" و"صناديق ذخيرة"، عثروا عليها في الصحراء، حيث كانت تستخدم في نقل الوقود وتخزين الرصاص، وأسسها زكريا بعدما تعرف عليهم منفردين من خلال صديق وكوّن منهم فرقة.

وإلى الجنوب اتجه "إبراهيم"، وأنشأ فرقة "نوبة نور"، التي تتغنى باللغة النوبية، وتتميز بعزفها على الدفوف والعود، ثم أنشأ فرقة "مزامير" من سوهاج تقدم فن الصعيد، و"دراويش أبو الغيط"، التي تقدم زار "أبوالغيط" في السياق الشعبي التقليدي وهو أقرب للصوفية، ثم فرقة "الكف الأسواني"، وهم العرب الموجودين في أسوان يعزفون بواسطة الطبلة والعود والكف ويتميزون بالغناء العربي، ثم فرقة "أسياد الزار" التي أسسها منذ عامين، وتقدم فن الزار السوداني بآلة الطنبورة، وأيضًا غناء الزار المصري.


مواضيع متعلقة