متطوعون يحاولون إنقاذ «البراءة»: مبادرات شبابية لتثقيف الأهالى

كتب: رحاب لؤى

متطوعون يحاولون إنقاذ «البراءة»: مبادرات شبابية لتثقيف الأهالى

متطوعون يحاولون إنقاذ «البراءة»: مبادرات شبابية لتثقيف الأهالى

محاولات دؤوبة لإيجاد حل، يعكف عليها عدد غير قليل من أولياء الأمور والشباب المصرى الذين قرروا أن يشقوا طريقهم بأنفسهم، بعيداً عن الحضانات، أو المدارس، ودون انتظار لتوجيهات رسمية أو خطط قومية تستوعب هذه الأعمار، وعى تام لديهم بخطورة السنوات الأولى، وحالة التعامل غير المحترفة مع الصغار فى هذا العمر، عبر الإنترنت والمكتبات، بدأت الرحلة فى عالم لا تزال معالمه الأولى تتضح شيئاً فشيئاً.

مريم محمد زكى، التى تخرّجت فى القسم المدنى، بكلية الهندسة، واحدة من هؤلاء الذين يعشقون عالم الأطفال، صحيح أنها لم تتزوج بعد، لكنها أخذت على عاتقها خوض مجال تعليم الأطفال فى السن المبكرة جداً، عبر مجموعة من الخطوات والأنشطة بالتعاون مع أصدقائها تحت عنوان «بنون»، حيث تعكف على إيجاد مناهج، حتى لو كانت مترجمة، فضلاً عن تعريب مقاطع علمية للأطفال، وعدد آخر من الأنشطة الخاصة بالعمر المبكر.

{long_qoute_1}

الشابة التى اقتربت من الصورة المرعبة روت تجربتها، فى التعامل مع عدد من الحضانات الخاصة، حيث لم يُسمح لها بالتعامل وفق منهج واضح المعالم لتعليم الأطفال، رغم أن الحضانات المذكورة فى واحدة من أرقى المناطق «اللى بيحاول يعلم بجد ويقدم حاجة مختلفة بياخد على دماغه، ومش بيلاقى فرصة، الموضوع لمّ فلوس وخلاص».

ذات الـ25 عاماً بدأت مشوارها حين تطوعت ككثيرين لمساعدة سكان المناطق العشوائية لتعثر على ضالتها: «اكتشفت أن التنمية اللى بنعملها فى المناطق العشوائية مابتجيبش نتيجة، كلها مجرد مسكنات، لأن الأساس مش موجود، بحثت عن مفهوم التنمية فى العالم كله، واكتشفت أنها نقل حياة بنى آدم من مرحلة إلى مرحلة تانية، وده مابيحصلش فى مصر، هنا الاهتمام بتنمية الجانب الاقتصادى بالتبرعات، لكن مفيش تنمية إنسانية حقيقية»، وعليه بدأت «مريم» فى الحصول على دورات تدريبية ودبلومات فى التربية، حتى أصبحت لديها فكرة جيدة عن الأطفال الذين بدأت فى مخاطبتهم، تقول: «إحداث تغيير فى بالغين أمر شبه مستحيل، لأن 98% من شخصيتهم تكونت، لكن تشكيل الأطفال حتى 7 سنوات واقعى وسهل»، فكرة بدت سهلة، لكن أدواتها والطريق إليها بدا فى المقابل صعباً للغاية: «الأدوات الخاصة بتعليم المرحلة العمرية الصغيرة غالية جداً، والناس اللى فاهمة فى الموضوع وبتقدم كورسات مش بيقدموا الأدوات، واللى بيحاولوا يعملوا منتج محلى لتعليم السن الصغيرة، مش بيدوا كورسات ولا بيعلموا، لذلك حاولت أجمع الأطراف التلاتة فى كيان، كورسات وأدوات وتعليم».

{long_qoute_2}

جهد من الشابة الثلاثينية وزملائها لتقديم ألعاب تعليمية بخامات بسيطة، وفيديوهات مترجمة بالعامية المصرية، تبسط العلوم وتعطى فكرة عن التعليم المنزلى فى صورته الأولية منذ الولادة وحتى سن ما قبل المدرسة، بأدوات فى كل المنازل.

وبدت الترجمة هى الحل بالنسبة إلى والدة «الطفلة جنا»، كى تنقذ صغيرته من المصير المظلم، فإن كانت عاجزة عن السفر إلى الخارج أو إلحاق طفلتها بحضانات أجنبية، على الأقل هى قادرة على الترجمة، لذا راحت تشترى الكتب الخاصة بالتربية وأنشطة التعليم المرن، من المكتبات وعبر الإنترنت، من عمر الولادة وحتى عامين، ولم تكتفِ بهذا، بل راحت تعرضه على المهتمين عبر صفحتها الشخصية، مؤكدة أن التعليم فى تلك المرحلة ليس صعباً، حتى لو لم يستكمل الطفل تعليمه منزلياً.

أسماء عبدالمجيد، أم أخرى، لديها طفلان سعت منذ الولادة إلى تعليمهما على طريقة العالمة الإيطالية ماريا منتسورى، فى محاولة لإخراج أطفال عباقرة عبر تنمية الحواس والعقل والمشاعر.

جهد يبدو محموداً للغاية، لم تمارسه الأمهات فقط، لكن شاركهن فيه مجموعة من المهتمين، إيمان شهاب الدين واحدة من هؤلاء، رغم التحاقها بكلية التربية وتخصصها فى مجال رياض الأطفال، إلا أنها استغرقت وقتاً غير قليل لتستوعب صدمة الفارق الشاسع بين ما درّسته، وما رأته على أرض الواقع.

الشابة ذات الـ22 سنة، قررت أنها ستعمل فى مجال إنتاج ألعاب الذكاء للأطفال من عمر ثلاثة أشهر، وحتى ست سنوات، لم تنجب بعد، لكن مجال الأطفال يحتل اهتمامها بالكامل، فلا تنسى تلك المرات التى كانت تنزل فيها خلال دراستها من أجل «العملى» داخل الحضانات لتفاجأ بهذا الكم من القصور «كل هدفهم يعلموا الأولاد ألف باء والأرقام، وإنهم يخلصوا أكلهم، مفيش أى طريقة لاكتشاف المواهب أو تنميتها بأى شكل، مديرة الروضة أهم حاجة عندها الفصل يكون ساكت، والمشرفة الخاصة بيّا عاوزانى مستفة كشكول التحضير.. للأسف نظام عقيم، ورغم حبى للحضانات مافكرتش لحظة أشتغل فيها».

لم تكن «إيمان» تبحث عن وظيفة، ساءتها حالة الموات التى تحيط بالاهتمام بالأطفال، خصوصاً فى الأعمار الصغيرة: «فى الكليات ندرس كيفية تنمية مهارات الأطفال بالموسيقى والرياضة واللغة، لكن على أرض الواقع الوضع مأساوى، والطفل تحت سنتين مالهوش أى لازمة عند أهله أو الحضانة، غير الغيار والرضعة، وبعض الناس بتحاول تتخلص من الزن فتحطه قدام التليفزيون».

«تآذر بصرى وحسى» مفهوم لم يسمع عنه أكثر الأمهات، عبارة عن مجموعة من الأنشطة التى يُفترض ممارستها مع طفل ما قبل العامين، يبدو أنها مهمة للغاية حسب «إيمان»: «الطفل صحيح بيلاغى بس فى المرحلة دى، لكنه قادر على اللمس، والنظر، وهنا بنركز على الأنشطة من أول تلات شهور، عرايس متحركة، نصاحبها بصوت وحكايات، على بُعد معين من عينه، صحيح مش هنتوقع منه كلام، أو فهم، لكن لما نتكلم مع السن ده عن حيوانات زى الزرافة أو الفيل مثلاً، بالصوت والصورة، لما يكبر ونموه العقلى يبدأ يكتمل وقتها بتكون استجابته أفضل من اللى ماشافش، بنتكلم عن سرعة فى التعلم، وسهولة فى التعاطى مع البيئة المحيطة».

اتجاه وليد يدعمه الكثير من المشاريع والمواقع التى لا يزال بعضها تحت الإنشاء، فضلاً عن عشرات الدورات التدريبية التى لا تحظى بأى رقابة حقيقية تعطى فكرة عن جودة المحتوى من عدمه، «ابن خلدون» و«شبكة التعليم المنزلى العربى»، «80 فكرة»، «نبتة»، «بنون»، وغيرها الكثير من المشاريع التى تقوم على الترويج لفكرة التعليم المرن، من لحظة الولادة وحتى عمر 12 عاماً، كيانات بعضها تأسس هذا العام، وبعضها تأسس فى أعوام سابقة، فى النهاية يظل المجال مغرياً للكثيرين بترك مجالاتهم من أجل الالتحاق به والإضافة إليه.

محمد هشام، الذى ترك مجال الهندسة ليتخصص فى مجال التربية، قام بتألف كتابه الأول «ماما.. أنا عبقرى» ومن بعده «ماما.. يلا نلعب»، حيث حظى بنسب توزيع عالية، وعدة طبعات متتالية، فضلاً عن تأسيسه مجموعة بعنوان «80 فكرة» التى تقدم نفسها للمتابعين باعتبارها منظومة للأطفال العباقرة فى الوطن العربى، دراسة مستفيضة لأرض الواقع جعلته يُقسّم الحضانات فى مصر إلى أكثر من نوع، بعضها يمارس دور «الملجأ»، حيث يتم إبقاء الطفل رهن الاعتقال، حتى ينهى الأهل عملهم، والبعض الآخر مجرد مشروع ربحى، يضع مبالغ وهمية مقابل خدمات بسيطة، ورعاية تبدو عادية، أما النوع الثالث فيقدم بعض أشكال التعليم الجيّدة، لكنها ليست كافية لإنتاج طفل عبقرى يحظى باهتمام يخدم مواطن تميزه.

مسألة لا تبدو مغرية للكثيرين، حيث يتبادر السؤال: «وإيه الفايدة ما اللى يعرفه بدرى هيعرفه متأخر»، لكن «محمد» يملك إجابة مخيفة بعض الشىء، حيث يؤكد: «معدلات ذكاء الطفل تكون فى أعلى درجاتها من لحظة الولادة وتنخفض تدريجياً، وصولاً إلى عمر السنوات الست، نتحدث عن نسبة تنخفض من 75% عن المعدل الطبيعى وصولاً إلى 2%، هنا يصعب التحكم فى عقل الطفل، خصوصاً فى ما يتعلق بالإبداع والمهارات، صحيح أن الطفلين، الذى تعلم مبكراً والذى لم يتعلم، سيجلسان فى النهاية جنباً إلى جنب فى فصول الدراسة، لكن الفارق سيكون شاسعاً فى التحصيل والتعامل بسهولة مع المناهج، الطفل المتعلم مبكراً لا تطغى عليه ضغوط الدراسة ويستطيع إلى جانبها القيام بأنشطة أخرى خاصة بذكائه، وهؤلاء هم من نرى لهم إنتاجاً علمياً واختراعات فى مراحل مبكرة».


مواضيع متعلقة