الانفتاح على الأحزاب

محمد حبيب

محمد حبيب

كاتب صحفي

(١) هذا هو المقال (١٧) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نستكمل ما كنا نوهنا عنه فى المقال الفائت حول التفكير فى تشكيل لجنة أطلقنا عليها «لجنة الخمسين للإصلاح» وتضم أعضاء من الإخوان إضافة إلى القوى الحزبية الثلاث الرئيسية (الوفد - العربى الناصرى - التجمع)، ويكون التمثيل فى اللجنة بدرجة متساوية، والرئاسة دورية، ولها خطة عملها وبرنامجها ووسائلها وأهدافها المرحلية والنهائية، وتنبثق منها أمانة للإعداد والمتابعة، وهكذا.. كان ذلك عن قناعة كاملة من كاتب هذه السطور وهى أن على الإخوان أن ينفتحوا على القوى الحزبية والسياسية -أياً كانت توجهاتها وشعبيتها- وأن يتواصلوا معها ولو بشكل شبه دورى، فالجميع كان يعانى تقريباً نفس المعاناة، فضلاً عن أن المجتمع المصرى كان فى تلك الفترة -كما هو اليوم- فى أمس الحاجة إلى تضافر كل الجهود وتكاتف كل القوى لكى ينهض من كبوته ويرقى إلى المستوى اللائق به، حتى يستطيع القيام بدوره المنشود؛ محلياً وإقليمياً ودولياً.. لذا، كنت أرى إنشاء هذه اللجنة من الأهمية بمكان.

أولاً: لأن الإصلاح السياسى هو المدخل الوحيد لكل أنواع الإصلاح الأخرى، وذلك من خلال ديمقراطية حقيقية؛ ترتكز على التعددية السياسية، والتداول السلمى للسلطة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وأن الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة هى المعبرة بحق وصدق عن الإرادة الحقيقية للشعب.

ثانياً: حتى يمكن الاستفادة بكل الأفكار والرؤى المطروحة على الساحة، ومناقشتها وتداول الرأى حولها.

ثالثاً: لإزالة أى لبس عما أُلصق بالإخوان من اتهامات، خاصة فيما يتعلق بالعنف، حقوق المواطنة، الدولة المدنية، والدولة الوطنية الحديثة، والتأكيد على أنهم يتبنون الديمقراطية كأسلوب لنظام الحكم بشكل فعلى وعملى.

ورابعاً: الحيلولة دون عزل الإخوان -أو أى حزب من الأحزاب- عن بقية القوى الموجودة على الساحة، وذلك منعاً لتوجيه ضربات انتقائية للإخوان من ناحية، وعدم الاستفراد بأى حزب من ناحية ثانية.. وللإنصاف نقول إن المرشد العام، محمد مهدى عاكف، كان على قناعة هو الآخر بذلك، ولو ظاهرياً، ومن ثم كان مشجعاً ومتابعاً لكل ما يجرى.. هذا بخلاف أعضاء مكتب الإرشاد الآخرين الذين كانوا -للأسف- منكفئين على التنظيم، ويرون أنه لا فائدة من وراء التعاون مع الأحزاب، وأن بذل أى جهد أو وقت معها يجب أن يدخر للنهوض بالجماعة!! وقد اتضح لى فيما بعد أن المرشد «عاكف» لم يكن جاداً فى الانفتاح والتعاون مع القوى الحزبية (كما سوف نرى فى وقت لاحق)، وأن الأمر لم يكن سوى مرحلة مؤقتة كان يحتاج فيها إلى الاستقواء بالأحزاب فى مواجهة نظام الحكم القمعى آنذاك.

(٢) فى مايو من عام ٢٠٠٤، بدأنا بزيارة حزب الوفد، وقد ضمت لجنة الإخوان كاتب هذه السطور وعضوية كل من: سيف الإسلام حسن البنا، د. محمد مرسى، على فتح الباب، ومحمد عبدالقدوس.. كان فى استقبالنا الهيئة العليا (أو جزء كبير منها)، وعلى رأسها الدكتور نعمان جمعة، رئيس الحزب آنذاك.. استمر اللقاء قرابة ساعتين وثلث، وكان لقاء حميمياً، استعرضنا فيه الفكرة التى كنا نتبناها، والتى لاقت قبولاً وترحيباً لديهم.. أثار بعض ممن حضر اللقاء من حزب الوفد أن يكون هناك تنسيق بيننا فقط (الوفد والإخوان).. رفضنا ذلك، وقلنا إنه لا بد من السعى إلى مشاركة كافة القوى السياسية فى مصر.. أثار بعض الوفديين أيضاً ضرورة التنسيق بيننا فى الانتخابات النيابية التى جرت بعد ذلك فى عام ٢٠٠٥، فقلنا إن الوقت ما زال مبكراً، وعند اقتراب الموعد سيكون لكل حادث حديث.. ولكى نتابع ما تم الاتفاق عليه شكلنا لجنة من ٦ أعضاء؛ ٣ من الإخوان هم: سيف الإسلام حسن البنا، د. محمد مرسى، ومحمد عبدالقدوس، و٣ من الوفد هم: محمود أباظة، محمد علوان، ود. السيد البدوى شحاتة.. وقد حضرت شخصياً مع هذه اللجنة أول لقاءاتها (وكان آخر لقاء)، ولاحظت تراجعاً فى الحماس من جانب أعضاء لجنة حزب الوفد، ولما سألت عن السبب قيل إن الأجهزة المعنية أبلغت الرئيس الأسبق حسنى مبارك -الذى كان موجوداً أيامها بألمانيا للعلاج- بهذا الأمر، فتحدث إلى صفوت الشريف وعاتبه بشدة على أنه لا يرى عمله على النحو المطلوب، وكلفه بالاتصال بالدكتور نعمان جمعة وسؤاله: لمَ يفعل الوفد ذلك؟!

(٣) بعدها بعدة أيام، قمنا بزيارة الحزب العربى الناصرى، حيث اجتمعنا بالأساتذة: ضياء الدين داود، محمد حامد محمود، وسيد شعبان.. طرحنا عليهم الفكرة وما جرى مع حزب الوفد حتى يكونوا على بينة مما نفعل.. أبدوا تفهماً واضحاً ورحبوا بالفكرة، واقترح الأستاذ ضياء الدين داود إنشاء لجنة تحضيرية لإتمام هذا الأمر، قلنا: هى فكرة جيدة، لكن دعنا نحصل على موافقة الأحزاب أولاً، ثم نسعى لإنشاء اللجنة التحضيرية.. كما أوصى بضرورة زيارة حزب التجمع ولقاء د. رفعت السعيد، فقلنا: لقد عقدنا العزم على ذلك، وانصرفنا..

(٤) بعدها بأيام، قمنا بزيارة حزب التجمع، حيث كانت الأكثر صخباً وجدلاً على المستوى الإعلامى.. حضرت إلى الحزب مجموعة من القنوات الفضائية لتغطية اللقاء والوقوف على ما سيسفر عنه.. وقد حشد د. رفعت السعيد معظم رفاقه معه، أذكر منهم: د. سمير فياض، حسين عبدالرازق، فريدة النقاش، أمينة النقاش، محمد خليل، أنيس البياع، وغيرهم ممن لا تحضرنى أسماؤهم.. وكنت والأخوة: سيف الإسلام حسن البنا، د. محمد مرسى، ومحمد عبدالقدوس نمثل وفد الإخوان.. بدأ اللقاء بهجوم شديد من قيادات حزب التجمع على الإخوان بأنهم لا يرون إلا أنفسهم، ولا يوفون بعهودهم مع الأحزاب، علاوة على أن مواقفهم من الأقباط والمرأة مرفوضة وهى ضد حقوق المواطنة، وأنهم يريدون إقامة دولة دينية.. إلخ.

ومن ثم لا يمكن أن يتم تعاون بين التجمع والإخوان إلا بعد أن تحل هذه القضايا.. استشاط د. محمد مرسى غضباً وأراد أن يدخل فى اشتباك معهم، فأشرت إليه لمنعه من ذلك فنحن لم نأت لإثارة معركة، خاصة أننى أعلم أن د. رفعت السعيد يستهدف قلب الطاولة رأساً على عقب ليفشل اللقاء.

وبالتالى نعود كما جئنا.. كنت واعياً لذلك جيداً، ومن ثم حرصت على أن نكون أكثر هدوءاً وموضوعية، وألا نستدرج إلى غير ما أتينا من أجله.. (وللحديث بقية إن شاء)..