بلاغ للرئيس عن «الأسطورة المصرية» التى دمرها مبارك!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

لا نعرف من أين نبدأ ولا كيف نبدأ.. الموضوع طويل طويل.. نتوقف أمام مئات إن لم تكن آلافاً من قصص النهب والتخريب والتجريف الذى لا يمكن إلا أن يكون قد تم عمداً وقصداً وبفعل فاعل.. المؤامرة الحقيقية على هذا البلد تمت مبكراً وقبل أى حديث عن ربيع أو خريف عربى أو غير عربى.. ورغم حيرة البداية إلا أن شعوراً جارفاً يدفعنا نحو الدخول فى الموضوع مباشرة، حيث نتوقف أمام جريمة مكتملة الأركان لكن ندعوكم إلى التحكم فى دموعكم ومشاعركم لحين الانتهاء من القراءه وإليكم التفاصيل.

من بين عشرات الأوراق والمستندات والتفاصيل والتقارير والتحقيقات والبلاغات التى قرأناها قبل كتابة هذا الموضوع نتوقف باحترام أمام تحقيق فى «الأهرام» اليومية للزميلة العزيزة الأستاذة حنان حجاج، كتبته فى مايو 2014، ومنها ننقل السطور التالية بين التنصيص بالكامل ليس فقط لاختصارها تفاصيل كثيرة وليس فقط لدواعى الأمانة المهنية وإنما أيضاً حتى لا يتهمنا أحد لا بالانحياز إلى عهد ولا بالتحيز ضد عهد آخر.. تقول السطور: «فى عام 1956 ومع بداية النهضة الصناعية التى شهدتها مصر بعد ثورة يوليو أرادت الدولة أن تبنى صروحاً صناعية لإنتاج ما تحتاجه مصر وكانت شركة مصر للألبان أحد أهم هذه الصروح، حيث بدأت بمصنع ضخم فى منطقة الأميرية، وكان الهدف من الشركة كما أعلن وقتها إنتاج وتجميع اللبن وبسترته وتجارته والقيام بصناعة منتجات الألبان المختلفة من الجبن بأنواعه والزبادى حتى الآيس كريم، وكان هدفها تحقيق الشعار الذى رفعه جمال عبدالناصر (كوب لبن لكل طفل) وفى عام 1973 كانت الشركة قد وصلت بخدماتها ومصانعها ومراكز التجميع والتوزيع لجميع مناطق مصر، وكانت المصانع قد أصبح عددها 9 مصانع فى القاهرة والإسكندرية ودمياط والمنصورة وطنطا والإسماعيلية وكوم أمبو وسخا، بالإضافة لمركز التدريب الوطنى بالإسكندرية، وهو المركز الوحيد من نوعه فى الشرق الأوسط، وكانت «مصر للألبان والأغذية» قلعة صناعية ضخمة تنتج كل ما تحتاجه مصر ومؤسساتها العسكرية والصحية وحتى التعليمية من ألبان ومنتجاتها، خاصة بعد أن أصبحت تضم المصانع التى تم تأميمها فى الستينات، ومنها مصنع (سيكلام) أحد أقدم مصانع الألبان فى مصر، كما تم تجهيز 60 مركزاً تتولى تجميع الألبان من جميع مناطق مصر من الفلاحين ومنتجى الألبان ليتم نقلها إلى مصانع الشركة عبر أسطول ضخم من السيارات المجهزة بأحدث التقنيات، التى تم استيرادها من الخارج وكان بعضها يقوم بعمليات البسترة والتعقيم أثناء رحلة النقل وكانت النتيجة زجاجة اللبن الشهيرة التى عرفها الشعب المصرى كله منذ نهاية الستينات وحتى نهاية الثمانينات بخلاف المنتجات الشهيرة للشركة من الأجبان»!!

كانت السطور السابقة للزميلة العزيزة مقدمة لا بد منها قبل أن نذهب ونعرف حجم أرباح الشركة من استثماراتها التى كبرت وتضاعفت ليبرز الإدارة الناجحة لها عكس ما روجوا فيما بعد بل وفيما قبل وبخلاف ما قالوه إن القطاع العام الضخم فى الستينات بنى على أكتاف ما تم تأميمه فالتفاصيل الأخرى تقول:

- مصنع القاهرة بالأميرية ويقع على مساحة نحو 42 ألف متر كاملة، والمصنع فى ذاته يضم بداخله خمسة مصانع أخرى لإنتاج متصل ومتميز تصنف كالتالى:

مصنع الجبن المطبوخ خط بسترة وتعبئة اللبن مصنع الجبن الأبيض مصنع الزبادى

مصنع إنتاج السمن مصنع الآيس كريم! ثم نذهب إلى المصانع الأخرى لتوسعات الشركة منها: مصنع دمياط بالشعرا ويقع على مساحة 12 فداناً كاملة أى ما يزيد على 50 ألف متر ويضم خطوط إنتاج اللبن والجبن والزبادى والجبن الرومى والسمن! مصنع المنصورة ويقع على مساحة 35 ألف متر وبه نفس خطوط الإنتاج السابقة، هذا بخلاف خط الإنتاج الوحيد فى مصر للجبن الريكفورد! مصنع طنطا وكان يضم خطوط إنتاج كاملة لكل ما سبق! مصنع شحا بكفر الشيخ ويقع على مساحة أكثر من 30 ألف متر وبه خطوط إنتاج كاملة لكل منتجات الألبان! مصنع كوم أمبو بأسوان وكان يغطى إنتاجه لضخامته الصعيد بالكامل وكان يملك أسطولاً ضخماً من السيارات! مصنع الإسماعيلية وهو مصنع ضخم كسابقه وكان يوفر منتجات الألبان لمحافظات القناة وتحول الآن لمجرد مخزن للمعدات التى تم إخراجها من المصانع التى تم بيعها كأراض فضاء! المركز الوطنى بالإسكندرية والذى أسس عام 1963 بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة الشهيرة بالفاو كمركز بحثى لتطوير المنتجات والأنواع بشكل علمى شامل على أحدث المعايير العالمية وللمنافسة فى التصدير!

- مصنع الإسكندرية (سيكلام) وهو المصنع الأقدم فى إمبراطورية مصر للألبان وقد تم بيعه عام 1998 وتبلغ مساحته 32 ألفاً وثلاثمائة متر ويضم المصنع خطوطاً لبسترة وتعبئة الألبان وتعبئة العصائر وإنتاج الجبن كما يوجد به استراحة أثرية فخمة تم بيعها كجزء من الصفقة وقتها والسؤال هل يعرف المصريون قيمة بيع المصنع الأخير؟ بمساحته ومعداته وخطوط إنتاجه واستراحته الأثرية ومستحقاته للغير ومجمل الأراضى التابعة له ومنها مساحات شاسعة بالبحيرة والإسكندرية؟ بيع بـ20 مليون جنيه فقط لأحد رجال الأعمال المعروفين!!

بخلاف المصانع الضخمة السابقة كانت ممتلكات «مصر للألبان» تضم 60 مركزاً لتجميع الألبان من مختلف مناطق مصر ونقلها إلى المصانع فى كل المحافظات وكانت توجد فى مناطق متميزة فى المدن والمراكز وحتى القرى بمساحات كبيرة، وكان معها أيضاً أسطول ضخم من السيارات ومراكز العرض والتوزيع فى كل محافظات مصر!!

هذه الثروة الضخمة وهذه الشركة العملاقة تم تشريد عمالها وبيعت بعض أجهزتها خردة وبيعت عدة سيارات نقل عملاقة، كان كان سعر الواحدة منها يصل إلى مليون جنيه بيعت بمائة ألف وواحدة بثمانين ألفاً!

باقى المساخر تحتاج مقالاً آخر بل تحتاج كتاباً بمفردها، بينما تحتاج قصص تصفية وإهمال وبيع مصانع الحديد والصلب والنصر للسيارات وبنها للإلكترونيات وإيديال ومصانع الغزل والزيوت والصابون وغيرها من آلاف المصانع العملاقة التى شيدت فى عصر الصناعة فى الستينات لعشرات الكتب، وبما لا يصح معها أن نجد من يقول «ولا يوم من أيامك يا مبارك»، وبما يستلزم تدخل الرئيس السيسى شخصياً ولمصلحة أطفال مصر الذين أكلتهم الأنيميا السنوات الماضية وتحولوا من حمل السلاح للدفاع عن وطنهم عام 56 إلى التحرش والغش الجماعى!!

أنقذ أجيالا كاملة يا سيادة الرئيس أفسدوا وعيها قبل بيع ثروتها واستكمل استعادة ممتلكات مصر، التى أهدرتها الخصخصة وابحث ملف هذه الشركة الأسطورية، التى تستحق أن يحال ملفها بالكامل إلى الرقابة الإدارية والتى دمرها ومعها مستقبل مئات الآلاف قرار واحد!