ثورة تشريعية واجبة!!!

مرت مصر والمنطقة العربية والعالم فى العقود الثلاثة الأخيرة بثلاث محطات مهمة، يفصل بين كل مرحلة والأخرى عشرة أعوام. ففى العام 1991م، ومع هبوب رياح العولمة، عرف العالم نظاماً جديداً للعلاقات الدولية. وبعد أن كانت الدول تتعامل مع بعضها البعض من مواقع داخل حدودها الإقليمية، تطورت هذه العلاقات بفعل الثورة التكنولوجية لوسائل الاتصال، وبحيث أصبحت الحدود غير قائمة. وبالترتيب على ذلك، تراجعت السيادة الوطنية للدول أمام متطلبات المجتمع الدولى لحماية مصالحه المشتركة. وكان طبيعياً أن تنعكس العولمة بمضمونها ووسائلها على القواعد القانونية عموماً، وعلى القانون الجنائى بوجه خاص، بما يكفل عولمة القوانين الجنائية لمواجهة عالمية الجريمة والطابع عبر الوطنى للعديد من الجرائم.

وبعد عشر سنوات على ظهور العولمة، عرف العالم أحداث الحادى عشر من سبتمبر، حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من العمليات الإرهابية باستخدام طائرات مدنية تم توجيهها لتصطدم بأهداف محددة، ترتب عليها انهيار برجَى مركز التجارة العالمى فى نيويورك وسقوط أكثر من ثلاثة آلاف ضحية. وقد كان لأحداث 11 سبتمبر انعكاسات كبيرة على النظام القانونى الدولى والوطنى، بحيث تزايد الدور التشريعى لمجلس الأمن من خلال فرض العديد من الالتزامات القانونية على الدول. وظهر ذلك تحديداً من خلال إلزام الدول بإصدار تشريعات وطنية لمواجهة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر بعشرة أعوام، شهدت المنطقة العربية ما أُطلق عليه «ثورات الربيع العربى»، بما ترتب عليها من إصدار دساتير جديدة فى العديد من الدول العربية، كما هو الشأن فى المملكة المغربية (2011م) وسوريا (2012م) ومصر (2014م) وتونس (2014م). كذلك، ظهر قصور العديد من الأفكار والنظريات القانونية التقليدية فى مواجهة التغيرات والتحولات المجتمعية غير المسبوقة فى تاريخ المنطقة العربية، بما استوجب تعديل العديد من التشريعات على النحو الذى يواكب هذه التغيرات المجتمعية. ومع ذلك، يلاحَظ أن المنظومة التشريعية المصرية قديمة للغاية، حيث يعود تاريخ التشريعات الرئيسية السارية حالياً إلى النصف الأول من القرن العشرين. فعلى سبيل المثال، فإن قانون العقوبات يحمل رقم 58 لسنة 1937م، وقانون الإجراءات الجنائية رقمه 150 لسنة 1950م، والقانون المدنى المصرى رقمه 131 لسنة 1948م. فهذه القوانين الرئيسية الثلاثة يعود تاريخها إلى العصر الملكى. وثمة تشريعات أخرى ما زالت سارية، على الرغم من مرور أكثر من خمسة عقود عليها، وهى: قانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954م؛ قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض رقم 57 لسنة 1959م؛ قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961م؛ قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1966م؛ قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968م؛ وقانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968م.

إن مصر تحتاج إلى ثورة تشريعية عاجلة. فالقوانين يجب أن تتطابق مع الواقع ومتطلبات العصر والثورة التكنولوجية. ومن هنا، تبدو أهمية مؤتمر الإجراءات الجنائية المزمع عقده قريباً، والذى تم الإعلان عنه من قبَل وزارة الشئون القانونية ومجلس النواب. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد سبق تشكيل لجنة برئاسة المستشار محمد عبدالعزيز الجندى، النائب العام ووزير العدل الأسبق، لإعداد مشروع قانون للإجراءات الجنائية. وبالفعل، وفى العام 1997م، أنجزت هذه اللجنة مشروع قانون متكامل للإجراءات الجنائية. ولكن، لم يتسن خروج هذا القانون للنور، دونما سبب واضح.

وفى الختام، المأمول هو أن تتسارع وتيرة تعديل التشريعات المصرية، وأن يقوم مجلس النواب الحالى بالدور المنوط به، بما يكفل تحديث المنظومة التشريعية المصرية وأن يستبدل بالتشريعات القديمة تشريعات جديدة مواكبة للعصر الحديث. والله من وراء القصد.