تقرير: ردم 3000 فدان ببحيرة المنزلة لإنشاء «بورسعيد الجديدة» يهدد بغرق الدلتا

كتب: صالح رمضان

تقرير: ردم 3000 فدان ببحيرة المنزلة لإنشاء «بورسعيد الجديدة» يهدد بغرق الدلتا

تقرير: ردم 3000 فدان ببحيرة المنزلة لإنشاء «بورسعيد الجديدة» يهدد بغرق الدلتا

كشف تقرير مشترك لوزارة البيئة وهيئة تنمية الثروة السمكية خطورة ردم الجزء الشمالى لبحيرة المنزلة، واقتطاع مساحة كبيرة من البحيرة تعادل مساحة بورسعيد الحالية، بهدف إنشاء مدينة «بورسعيد الجديدة»، ما يمثل خطورة كبيرة على البحيرة، وعلى المنشآت الجديدة، نتيجة للتغيرات المناخية، وزيادة منسوب مياه البحر المتوسط، الأمر الذى يهدد بغرق المدينة بالكامل، علاوة على تغيير شكل البحيرة.

وحصلت «الوطن» على التقرير، الذى تم إعداده بتكليف من وزير البيئة، الدكتور خالد فهمى، بشأن ردم منطقة «قعر البحر» ببحيرة المنزلة، ضمن نطاق محافظة بورسعيد، حيث قامت لجنة من وزارة البيئة وممثلون عن فرع جهاز شئون البيئة بالمنصورة، وهيئة تنمية الثروة السمكية، وإدارة المشروعات ببحيرة المنزلة، بزيارة منطقة «قعر البحر»، لمعاينة أعمال الردم على الطبيعة، وتبين أن المنطقة يحدها من الجهة البحرية مساكن «مشروع الإمارات»، والحد القبلى الطريق الدولى الدائرى «الإسماعيلية - دمياط»، والحد الشرقى مدق، ثم أرض «ولاية هيئة التصنيع»، والحد الغربى منطقة «الخندق» ببحيرة المنزلة.

وكانت مهام اللجنة دراسة مدى الحساسية البيئية لمنطقة «قعر البحر»، ومدى تعرض المنطقة لأى أخطار نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر ناجمة عن التغيرات المناخية، ودراسة مدى تأثير جودة ونوعية مياه البحيرة نتيجة استقطاع أجزاء منها، وأكدت اللجنة أنه سبق أن قامت لجنة من فرع المنصورة، وقطاع المحميات الطبيعية بجهاز شئون البيئة، والإدارة المركزية للتغيرات المناخية، بمعاينة المنطقة بتاريخ أول مارس 2016، بشأن المقترح من محافظ بورسعيد، وطلب دراسة تعديل قرار رئيس الوزراء الخاص بإعلان محمية «أشتوم الجميل»، وتحديد حرم بحيرة المنزلة من جنوب الطريق الدولى المار ببحيرة المنزلة، وتبين للجنة أن الجزء المحصور بين الطريق الدولى وطريق «بورسعيد - دمياط»، وبوغازى «الجميل» و«أشتوم»، يقع ضمن نطاق المحمية المعلنة بقرار رئيس الوزراء رقم 459 لسنة 1988، والمعدل بالقرار 2780 لسنة 1998، وأن هذه المنطقة «ذات حساسية بيئية»، وهى منطقة مرور المياه من وإلى بحيرة المنزلة، التى تعمل على تجديد المياه بالبحيرة باستمرار، كما أن منطقة البوغازين مهمة بالنسبة للأسماك، حيث إنها منطقة مرور أمهات الأسماك من البحيرة إلى البحر المتوسط لوضع البيض، واستكمال عملية التكاثر، وعودة زرّيعة الأسماك مرة أخرى من البحر إلى البحيرة، حيث تعيش وتنمو بها، وذلك لتوافر الغذاء والبيئة المناسبة للأسماك.

{long_qoute_1}

وبينما أكدت اللجنة أن منطقة «قعر البحر» من المناطق ذات الأهمية الخاصة والحساسة بالنسبة للثروة السمكية ببحيرة المنزلة، فقد لفتت أيضاً إلى أن المنطقة توجد بها العديد من البيئات المميزة، مثل الأراضى الرطبة والسبخات، بما لها من أهمية كبيرة، كما أشار التقرير إلى أن أهمية المنطقة تتمثل فى أنها تعمل على امتصاص غاز ثانى أكسيد الكربون، الذى يسبب ظاهرة الاحتباس الحرارى والتغيرات المناخية، وأن المنطقة هامة للطيور المهاجرة، وسبق إقامة محطة لترقيم الطيور بها، مشيرة إلى أن المنطقة الواقعة خارج نطاق المحمية، وهى المساحة المطلوبة لإنشاء مدينة بورسعيد الجديدة، التى تسمى «قعر البحر»، تغمرها المياه، وتنمو بها بعض النباتات البرية، ويعمل بها سكان منطقة «القابوطى»، حيث تعد أحد أهم مصادر الدخل لهم من الصيد الحر بتلك المنطقة، كما أن هذا الجزء من البحيرة يقوم بتخفيف الملوثات الناتجة من المنطقة الصناعية ببورسعيد، قبل انتقالها إلى الجزء الرئيسى للبحيرة.

وذكر التقرير أن المنطقة الشمالية التى تقع فى حدود محافظة بور سعيد، تقع ضمن المناطق ذات الحساسية العالية من ارتفاع سطح البحر، كما أشارت الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، الصادرة عن مجلس الوزراء عام 2011، حيث يحدث بهذه المنطقة هبوط أرضى بمعدل 3.5 مم/ سنة، وبحسب سيناريوهات معهد بحوث الشواطئ، من المتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر إلى 13.25 سم بحلول عام 2025، ثم إلى 26.5 سم بحلول عام 2050، ما دعا العديد من الخبراء إلى التوصية بتوسيع البحيرات الشمالية، لاستقبال المياه الزائدة نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، باعتبار أنها «خط الدفاع الأول» عن منطقة الدلتا، وحذروا من أنه فى حالة ردم الجزء الشمالى من بحيرة المنزلة، سيؤدى ذلك إلى تفاقم التأثيرات الناتجة عن التغيرات المناخية بالدلتا.

كما تعتبر المنطقة الجنوبية لبحيرة المنزلة، التى تقع داخل نطاقه محافظات الدقهلية ودمياط والشرقية، هى المصب للعديد من المصارف، مثل «بحر البقر» و«حادوس»، و«السرو الأسفل»، بما تحمله من صرف صحى وزراعى وصناعى، ما يؤدى إلى تغير طبيعة المياه بهذه المنطقة، حيث إنها تحولت من مياه مالحة إلى مياه «مختلطة»، بالإضافة إلى التعديات التى يقوم بها عدد من المخالفين، من أعمال تجفيف وردم بالبحيرة، بينما يعتبر الجزء الشمالى للبحيرة، الواقع بنطاق محافظة بورسعيد، هو مصدر تغذية البحيرة بالمياه المالحة، من خلال البواغيز، وبردم هذه المنطقة، سيتم زيادة تركيز الملوثات بالبحيرة، بما يؤثر سلبياً على جودة ونوعية المياه بها.

وأكدت اللجنة، فى تقريرها، أن أكثر من 20 ألف صياد يعتمدون على أسماك بحيرة المنزلة كمصدر دخل وحيد لهم، حيث تنتج البحيرة نحو 80 ألف طن من الأسماك سنوياً، بحسب تقديرات هيئة الثروة السمكية لعام 2014، وتقليص مساحة البحيرة سيؤدى إلى حدوث أضرار صحية للمواطنين الذين يتغذون على هذه الأسماك، كما ذكرت اللجنة أن «الكارثة» تتمثل فى أن الامتداد العمرانى المقترح يعادل تقريباً مساحة مدينة بورسعيد الحالية، ما سيؤدى إلى تضاعف كميات الصرف الصحى، الأمر الذى سينتج عنه تزايد معدلات التلوث لمياه البحيرة.

وأوصت اللجنة بعدم الموافقة على استقطاع أى أجزاء من بحيرة المنزلة، كونها تمثل «الملاذ الآمن» لحماية محافظات شرق الدلتا من الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية فى المستقبل، وأشارت إلى أنه يمكن أن يقوم محافظ بورسعيد بدراسة تنمية وتطوير شرق بورسعيد، التى يمكن أن تكون ظهيراً عمرانياً جديداً للمحافظة، حيث إن أعمال التنمية التى تتم على محور قناة السويس الجديدة يمكن أن توفر مزيداً من فرص العمل والحياة الكريمة، كما أنها تلبى طموحات مصر فى تعمير شبه جزيرة سيناء.

وفى أعقاب صدور تقرير اللجنة، أرسلت الإدارة العامة للمرابى والبحيرات بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية خطاباً موجهاً إلى مدير عام المنطقة، يفيد بأن «منطقة قعر البحر جزء لا يتجزأ من بحيرة المنزلة، وهى منطقة صيد حر»، وتم عمل تقرير مرور بمنطقة «قعر البحر»، بتاريخ 3 أكتوبر 2016، حيث تبين وجود أعمال ردم بالمنطقة، فتم مخاطبة مدير أمن بورسعيد وقائد شرطة المسطحات المائية، بنص المادتين 14 و20 من «قانون الصيد» لسنة 1983، لوقف أى أعمال ردم أو تجفيف بمنطقة «قعر البحر»، كما تم إرسال خطاب إلى محافظ بورسعيد فى 15 من نفس الشهر، لإيقاف أعمال ردم وتجفيف البحيرة.

وفى المقابل، قام محافظ بورسعيد بتحرير شكوى ضد موظفى هيئة الثروة السمكية، وإحالتها إلى النيابة الإدارية، التى كلفت إدارة التفتيش للتحقيق، وبناء على ذلك، تم توجيه خطاب إلى إدارة التفتيش بالموضوع، وصدر قرار المحافظ رقم 19 لسنة 2017، بناء على توصيات النيابة الإدارية ببورسعيد، بحفظ ما نسب إلى موظفى الثروة السمكية بإعاقة العمل بمنطقة «قعر البحر»، بمخالفتهم للقانون. وتقدم جهاز شئون البيئة، الفرع الإقليمى لشرق الدلتا بالمنصورة، بشكوى للمحامى العام لنيابات بورسعيد، برقم 38 لسنة 2017، يطلب فيها وقف التعدى بالردم والتجفيف بناحية «قعر البحر» ببحيرة المنزلة.

وقال مصدر مسئول بجهاز شئون البيئة، لـ«الوطن»، إن الدولة تنفق حالياً ملايين الجنيهات لتطهير بحيرة المنزلة وفتح البواغيز للسماح لمياه البحر بالدخول للبحيرة، فى الوقت الذى تجرى فيه الموافقة على تجفيف وردم ما يقرب من 3 آلاف فدان من مسطح البحيرة.


مواضيع متعلقة