من «مشروع التطوير» لـ«المدينة التعليمية» وصولاً لـ«منظومة القمامة»: «الفنكوش» أسلوب حياة

من «مشروع التطوير» لـ«المدينة التعليمية» وصولاً لـ«منظومة القمامة»: «الفنكوش» أسلوب حياة
- أجهزة كمبيوتر
- أحمد عرابى
- أحمد ماهر
- أرض اللواء
- أرض الواقع
- أرض مطار إمبابة
- أنشطة اجتماعية
- أهالى المنطقة
- إسكندرية الصحراوى
- إيتاى البارود
- أجهزة كمبيوتر
- أحمد عرابى
- أحمد ماهر
- أرض اللواء
- أرض الواقع
- أرض مطار إمبابة
- أنشطة اجتماعية
- أهالى المنطقة
- إسكندرية الصحراوى
- إيتاى البارود
عدد غير قليل من المشاريع تنوى محافظة الجيزة تنفيذها فى منطقة إمبابة، بعضها بدأ العمل فيه بالفعل، والبعض الآخر تم الإعلان عنه لحين توفير السيولة اللازمة عبر وزارة التعاون الخارجى، ليبقى الانتظار هو حال سكان المنطقة، حيث لا يبدو انتظاراً مريحاً بأى حال.
عشرات الصور والخرائط ظهرت بشأن مشروع تطوير منطقة شمال الجيزة، وهو المشروع الذى يدور حديث بشأنه منذ عشرات السنين، ودخل إلى حيز التنفيذ فعلياً، ليشمل كلاً من منطقة أرض اللواء وإمبابة، على مساحة 3140 فداناً.
{long_qoute_1}
يتضمن المشروع منطقة سكنية، وتطوير وفتح محاور مرورية جديدة، وحديقة عامة ومركزاً خدمياً رئيسياً، فضلاً عن مشروع محور أحمد عرابى الذى يتكون من ثلاثة محاور، إضافة إلى عشرات النوايا والوعود تتعلق بالمشروع الذى تمت إعادة تخطيطه من جديد ليواكب الواقع فجاء بالطريقة ذاتها التى رسم بها من قبل، وهو ما دفع عدداً غير قليل من سكان منطقة إمبابة للإعلان عن غضبهم واعتراضهم بكل الطرق الممكنة.
عمرو أبوطويلة، مهندس مدنى وباحث عمرانى مهتم بالمناطق غير الرسمية التى تطلق عليها الدولة «عشوائية»، تصادف أنه من سكان منطقة إمبابة «المأصلين» حيث يأتى الشاب الثلاثينى ضمن الجيل السابع فى عائلته التى تقيم فى تلك المنطقة منذ القرن التاسع عشر، قال لـ«الوطن»: «كنا ساكنين فى إمبابة القرية، ونقلنا لمدينة العمال، ونقلنا لأكتر من مكان بعدها».
{long_qoute_2}
عشرات الحكايات الشفوية حملها الأجداد للأحفاد بشأن إمبابة التى كانت، فى محاولة منهم لاستحضار صورة تختلف عن القبح الكائن، حكايات من القلب عن زمن كانت فيه إمبابة زراعية جميلة هادئة، ثم دخول المصانع الحيز الأخضر، وكيف ساهم العمال فى محاولات تطوير المنطقة التى ولد وتربى فيها «عمرو». ولعل الجد الأكبر لعائلة «أبوطويلة»، لم يكن يتصور لحظة أن حفيده سيشارك فى اللجنة الشعبية لمناهضة مشروع تطوير المنطقة.
المهندس الشاب لم يعد يثق كثيراً فى قرارات الحكومة ومشروعاتها بشأن منطقته: «المشروع ببساطة يفتح محاور بين الكورنيش والدائرى، وحاجات كتير متضافة ليه أنشطة اجتماعية واقتصادية وغيرها، ومن سنة طلع من رئاسة الوزراء قرار باعتبار المشروع مصلحة عامة، عشان المحافظة تقدر بحكم القانون تعمل إحلال وتخرج الناس من بيوتها»، وفى تلك اللحظة قرر الشاب، الذى ينخرط فى إعداد دراسات حول المناطق المهمشة، أن ينضم إلى تلك اللجنة الشعبية التى تدافع عن أرض مطار إمبابة، وتحاول الوقوف فى وجه المشروع الذى يبدو فى طريقه إلى التطبيق لا محالة: «المشكلة الأكبر فى انحيازات المشروع، ليست لأهالى المنطقة البسطاء بأى شكل، كأشخاص متضررين والسبب الرئيسى هنا هو أن كل مشروعات التخطيط العمرانى يتم رسمها وتنفيذها بشكل فوقى من جانب الدولة، دون أدنى مشاركة أو استشارة للمواطن الذى يفترض أن المشروع لأجله ومن جيبه». {left_qoute_1}
حالة من التناقض بين كلمات الشاب وبين النوايا الطيبة التى تبدو واضحة فى جميع التصريحات الحكومية بشأن المنطقة، لكن الحقيقة أن هناك حالة من القلق والتوتر تسيطر على عدد غير قليل من العائلات فى المنازل التى لم يتقرر بعد إن كانت ستدخل فى سياق التطوير، ليجرى هدمها وتسكين أهلها فى مساكن بديلة، فهؤلاء الذين قاموا بتشييد منازلهم على أراضٍ لا يعلمون إن كانت مدخراتهم التى أنفقوها بالكامل على منازل ومحال ستتحول إلى تعويض تقرره الحكومة أم لا.
لم يكد عام 2016 ينتهى حتى اختارت محافظة الجيزة إمبابة لإقامة أول مدينة تعليمية متكاملة، بدعم من منظمة اليونيسكو العالمية، تشمل المنطقة بالكامل، بدا الأمر للوهلة الأولى مزحة للأهالى، فإن كان أكثر سكان المنطقة يفتقرون إلى أبسط حقوقهم فى حياة طبيعية هادئة، فكيف لمنطقتهم، التى لم تكتمل أكثر مشاريعها، أن تشارك كأول منطقة فى الشرق الأوسط فى حدث مماثل يجعلها واجهة لمحافظة الجيزة، حيث ستتوالى زيارات الوفود عليها للمتابعة!
الدكتورة منال عوض ميخائيل، نائب محافظ الجيزة، بدت متفائلة للغاية بشأن المدينة التعليمية المزمع تنفيذها فى إمبابة، خصوصاً أن المدينة -حسب «ميخائيل»- لن تكون مبنى كما يخيل للبعض أو مساحة محدودة، قالت: «مدن التعلم حول العالم عبارة عن مناطق كاملة ومدن يتم العمل داخلها على كل الأصعدة، اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً لتصبح بالكامل مدينة تعليمية وهو ما ننوى تنفيذه فى إمبابة، تحديداً من محيط مدرسة باحثة البادية».
«يا زين ما اختاروا».. تعليق أطلقه محمد كارم، أحد سكان المنطقة، مؤكداً أن تلك المنطقة بالذات، التى شهدت تصوير فيلم «الهلفوت»، تمتاز بكونها وكر مخدرات شهيراً، فضلاً عن المشاهد القبيحة المتواصلة فى محيط المدرسة، وهو واقع لم تنكرة نائب المحافظ، إلا أنها بررت به اختيار هذا المكان بالذات: «عشان الواقع دا بالذات اخترناها، وحصلنا على رخصة للمبنى اللى هيتم تشييده ليكون نواة الانطلاق».
{long_qoute_3}
المبنى المنتظر أن تديره جمعية جوار المستقبل برئاسة إقبال السملوطى، الأمين العام للشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار، سيعمل بالتوازى مع عدد من المحاولات «هنشتغل على كل حاجة، المتخرجين، كبار السن، الأطفال، مراكز الشباب، وهنشترى أجهزة كمبيوتر حديثة، ونطور المدارس، وندرب الشباب وننظم ندوات توعية بالمشاريع الصغيرة للمرأة المعيلة».
وعد أكيد من نائبة المحافظ بأن إمبابة ستشهد تطويراً كبيراً: «شغالين مع الاتحاد الأوروبى لتطوير أجزاء كتيرة فى إمبابة منها إمبابة القديمة، مفيش مدة زمنية معلنة»، الخطة الموضوعة منذ عام 2008 لتطوير شمال الجيزة عادت للمكتب الاستشارى الفرنسى بمعاونة مكتب استشارى مصرى لإعادة النظر فيها: «طرأت تغيرات كثيرة على أرض الواقع، خاصة خلال فترة الثورة، وسينتهى التصور الأخير فى مارس المقبل، والاجتماعات مستمرة، وبمجرد انتهاء المكتب الاستشارى سنرسل التصور إلى الوكالة الفرنسية للتفاوض بشأن التمويل وشكله، وهل سيكون فى شكل منحة أم قرض أم كليهما، وتحديد المبلغ».
التمويل الذى تساهم وزارة التعاون الدولى فى التفاوض بشأنه يفترض أن يسد بند التعويضات المنتظر دفعها، فبحسب «ميخائيل» هناك «بيوت كتير هيتم إزالتها لتوسيع الشوارع».
ما بين مشروع تطوير شمال الجيزة، والمدينة التعليمية المتكاملة، تظهر المزيد من المشاريع المتعلقة بالمنطقة، أبرزها ما أطلق عليه «منظومة القمامة الجديدة» التى جرى الإعلان عنها فى أبريل العام الماضى، مع التأكيد على أن وزارة البيئة بالتعاون مع المحافظة وشركات الاتصالات زرعت كاميرات مراقبة عالية الجودة وأجهزة تتبع بالسيارات لتتبعها والتأكد من نقل القمامة إلى محطة المناولة، وتولت وزارة البيئة تمويل المنظومة بمنطقة إمبابة، وخصصت 30 مليون جنيه، وهو الأمر الذى بدا مبشراً للمواطنين إلا أنه لم يتحقق شىء سواء هذا الذى أعلنته وزارة البيئة أو ذاك الذى أعلنته كل من النائبة نشوى الديب ووزير البيئة، عن الانتهاء من تجهيز سيارات بمكابس فى الشوارع الحيوية لكى يلقى المواطن القمامة بها حتى لا تتعرض للنباشين، فضلاً عن تجهيز تروسيكلات لتسليمها إلى الجمعيات التى ترغب فى العمل بالمنظومة.
«بلح».. قالها محمد حسان، مؤكداً أن «الواقع عامر بالقمامة، وما بنعرفش نمشى»، وهى إفادة لم تكن فى حاجة لتأكيد، فالصور والواقع خير شاهد ليس على القمامة وحدها، إنما على المجارى الفائضة عن البالوعات، وحياة لا تبدو مريحة بأى حال.
أحمد ماهر، واحد من هؤلاء الذين ضاقوا ذرعاً بكل ما سماه «هراء»، فهو من ناحية لا يتوقف عن سماع الأحاديث الدائرة بشأن المستقبل السعيد لإمبابة، ومن ناحية أخرى يعجز عن العيش بصورة طبيعية، فأينما وجد تطارده «قلة الراحة» فمن شرفة منزله يلتقط صوراً توضح مشهد الباعة الجائلين الذين يواصلون الصراخ ليل نهار على بضاعتهم، وهم نفس الباعة الجائلين الذين تدور أحاديث عن إنشاء أسواق من طوابق لتسكينهم فيها، أينما سار يلتقط صوراً للقمامة التى لم يتوقف الحديث بشأن حل مشكلتها شهراً بعد آخر، تعوقه المجارى الضاربة فى الأرض، ويقض مضجعه لكن يبدو أنه لم يكتفِ بموقعه كمتفرج على ما سماه «المهزلة»: «إحنا لازم نعمل حاجة».
توجه «ماهر» بمشاكل المنطقة إلى عدد غير قليل من المضارين منها مثله واستقروا على أضعف الإيمان: «إحنا نجمع توقيعات لإقالة رئيس حى شمال»، واعتبروا أن الرجل هو المسئول الأول عن المنطقة، واجتمعوا إلى جوار القمامة والمجارى يجمعون توقيعاتهم على مزيد من الأوراق فى حملة انطلقت قبل أيام ما يزال أصحابها يتخيلون أنها قد تقودهم إلى حلول لأزمتهم.
ذكريات عدة ترتبط بمشهد اللافتة المعلقة على بوابة محطة قطار إمبابة، حيث كان طلبة المدرسة الابتدائية المجاورة، يتلقون لسنوات طويلة ذلك التهديد بأنهم إن لم يصمتوا فسيتم إدخالهم إلى تلك المحطة، حيث «غرفة الفئران».
اللافتة القديمة المتهالكة التى لا يعلم أحد على وجه التحديد تاريخ صناعتها على مدخل المحطة ما تزال تمثل ذكرى سعيدة بالنسبة للكثيرين، من سكان إمبابة القدامى، خصوصاً جيل الخمسينات والستينات الذين حملت المحطة الكثير من ذكرياتهم ومثل مدخلها صورة قديمة من ماضيهم، إلا أن أحوال المحطة لم تعد تسر أحداً، كذلك مشهد القضبان المتآكلة المتهالكة الممتدة بطول المنطقة التى تساوت أكثرها مع الأرض فيما تكفلت القمامة بكساء الباقى منها.
يتذكر عمرو الدمرداش، أحد سكان المنطقة، الزمان المجيد: «كنا بعد الفجر نطلع نقعد على محطة سكة حديد إمبابة وكل واحد فينا يحكى عن طموحه وعن حبه، إلى أن أصبح مشهدها الحالى يصيب بالاشمئزاز والألم»، بلغ الإهمال بسكة حديد إمبابة حد إقامة صالة «جيم» خلال السنوات الماضية، داخلها، فضلاً عن الخروج المتكرر للقطارات عن القضبان، وحوادث الدهس، وهى لا تزال رغم كل التقارير الصادرة عنها، مقلباً للقمامة على الصفين، فضلاً عن تحولها من مقر للأحلام والخيالات التى كان أسوأها «غرفة الفئران» إلى وكر حقيقى للمدمنين واللصوص.
لا يطيق «عمرو» المرور من المكان لفرط ضيقه، ووجه استغرابه الوحيد: «مش معقول تحصل حادثة واحدة بس، ضرورى يموت ناس كتير طول ما الإهمال بهذا الشكل».
واقع يبدو متناقضاً مع كل تلك الوعود التى انطلقت من قبل بشأن تطوير السكة الحديد عموماً، وتلك الحالة الموجودة فى محطة إمبابة تحديداً، فمن وعود أعمال السكة الحديد للمرحلة الثالثة (العتبة، إمبابة، بولاق الدكرور) من الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة الكبرى، إلى الوعود السابقة فى عام 2012 بشأن القطار فائق السرعة، الذى يتفرع من خط سكة حديد إمبابة إلى إيتاى البارود ويمتد شرق طريق مصر الإسكندرية الصحراوى حتى مثلث منطقة أبيس بمدخل الإسكندرية ثم سيدى جابر ومحطة مصر بطول 205 كيلومترات، وهى الوعود التى جاءت على لسان الدكتور محمد رشاد المتينى وزير النقل قبل خمس سنوات، لم تزدد الأمور إلا سوءاً.